14 نوفمبر 2024
اليمن.. آفاق إصلاح الشرعية ومعوقاته
أعادت المظاهرات التي شهدتها المناطق المحرّرة في اليمن طرح مسألة "الشرعية" على بساط البحث، باعتبارها مشكلة يمنية متأصلة، إذ إن استمرار اختلال أداء السلطة الشرعية وفسادها أسهم في مفاقمة معاناة اليمنيين، بما في ذلك تسبّبها مع حلفائها الإقليميين، وكذلك جماعة الحوثي، في تسارع انهيار العملة اليمنية على نحوٍ غير مسبوق، كما أن فشل السلطة الشرعية في إدارة علاقتها بحلفائها المحليين والإقليميين فرّط بمصالح اليمنيين، وهو ما يجعل من أهليتها لإدارة البلاد في مرحلة الحرب وما بعدها، بما في ذلك قدرتها على الحفاظ على وحدة الأراضي اليمنية، أمراً مشكوكاً فيه. وفي حين تتخوّف بعض القوى السياسية من أن تؤدي الاحتجاجات لنزع مشروعية السلطة، وإيجاد حالة فراغ سياسي في المناطق المحرّرة، تستغلها المليشيات، سواء المرتبطة منها بالشرعية أو الخارجة عليها، لإدخال البلاد في فوضى شاملة، فإن بعضهم يأمل أن تكون تلك الاحتجاجات جرس إنذار يمكّن الشرعية من إصلاح بنيتها المترّهلة، وضبط أدائها المختل، بما يؤدي إلى وقف تدهور الأوضاع الاقتصادية في اليمن، وكذلك تنظيم علاقاتها بحلفائها الإقليميين، إلا أن عجز السلطة الشرعية عن إصلاح نفسها، على الرغم من كل الدعوات التي يطلقها مسؤولو الشرعية، من وقت إلى آخر، يجعل من دعوات الإصلاح تصطدم بمعوقات عديدة، مركّبة، أنتجتها قوى السلطة ذاتها، وحلفاؤها الإقليميون الذين انتفعوا من الموت السريري الذي تعانيه الشرعية، والتي ستحول بكل أدواتها دون إصلاح مسارها.
قوّضت طريقة إدارة الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، لشبكة تحالفاته من فرص إصلاح مسار الشرعية، إذ أدّى ذلك إلى إعاقة تخليق شرعية وطنية فعلية، يمكن أن يُبنى عليها في
المستقبل، بحيث تكون ممثلةً لمصالح عموم اليمنيين، فمن جهةٍ رضخ لعلاقة مختلّةٍ بحلفائه الإقليميين، ما أدى إلى تجريده من صلاحياته رئيسا شرعيا. ومن جهةٍ أخرى، أدار علاقته مع حلفائه المحليين، المنضوين تحت شرعيته، على قاعدة إنشاء تحالفاتٍ مرحليةٍ مؤقتة لضمان بقائه في السلطة، وليس وفق مصلحةٍ وطنيةٍ جامعة، إذ عمل على استرضاء قوى سياسية على حساب أخرى، بهدف توظيف ذلك سياسياً وعسكرياً لاستبعاد حليفٍ طموح، وهو ما أحدث تنافساتٍ حادّة بين حلفائه، أفضت إلى مواجهاتٍ مسلحة، فمن توظيف حزب التجمع اليمني للإصلاح لمواجهة خصومه الجنوبيين المنادين بفك الارتباط، واستخدامهم لمقارعة السياسة الإماراتية في اليمن، إلى محاولة استعادة نفوذه على المؤتمر الشعبي العام، جناح الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، خوفاً من تغوّل جناح الإصلاح وتقييد سلطته، من خلال تعيين بعض قيادات مؤتمر صالح في مواقع قيادية في الدولة، إلا أن فشل الرئيس هادي في توحيد مؤتمر صالح تحت قيادته جعله يرضخ مؤقتا لحزب الإصلاح، متحيّنا الفرصة لإيجاد حليف محلي يوازيه قوته، ويُنشئ توازن قوى داخل الشرعية، ليكون في مأمنٍ من الإزاحة، وبالتالي فإن تلك العلاقة المشوهة التي كرّسها الرئيس هادي جعلت أجنحة السلطة الشرعية تخوض سباقا تنافسيا للبقاء في دائرة حظوة هادي.
على مستوى آخر، شكلت بُنية السلطة الشرعية عقبة رئيسية في إصلاح مسارها، إذ تتكون من توليفةٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ واجتماعيةٍ، متعدّدة الولاءات، ما أدّى إلى تناقض مواقفها حيال القضايا الوطنية، حيث أدارت هذه القوى السلطة بما يخدم مصالحها وولاءاتها العابرة للحدود، كما جذّرت التحولات الحادّة التي شهدتها تحالفات الحرب في اليمن اختلال السلطة الشرعية على نحوٍ لافت، إضافة إلى أن ارتهان السلطة الشرعية، ممثلا بشخص الرئيس هادي، والأحزاب السياسية المكونة للسلطة لدول التحالف ولدول الأزمة الخليجية، قد كرّس وصاية القوى الإقليمية على الشرعية اليمنية، وهو ما أدى إلى تعطيل أي إمكانيةٍ لإصلاحها، أو على الأقل تصويب مسارها، في حين استغلت العربية السعودية والإمارات التركيبة المتناقضة للسلطة الشرعية، وتعدّد ولاءات أحزابها لنزع قرارها السياسي.
شبكة المصالح المتداخلة التي كونتها قوى السلطة الشرعية طوال الحرب، سواء بينها البين، أو بينها وبين دول التحالف العربي، تشكل عائقاً إضافياً في إصلاح مسار الشرعية، كما أن استفادة بعض القوى الاجتماعية والسياسية من سياسة شراء الولاءات التي ميزت أداء الرئيس هادي، أدت إلى تضخّم جهازها الإداري، وإعاقتها عن العمل، وكذلك تضخّم صرفياتها على حساب
المواطنين المفقرين، إضافة إلى أن فساد قيادات السلطة الشرعية السياسية والعسكرية حوّلها إلى قوى متجذّرة داخل بنية السلطة، وهو ما يجعل من أي محاولةٍ لإصلاح الشرعية تصطدم بهذه القوى التي تسعى إلى تكريس الوضع القائم، باعتباره أفضل الخيارات، كما أن الدول المتدخلة في اليمن، الطرف الآخر في المعادلة، حرصت على تعطيل أي محاولةٍ لإصلاح الشرعية أو استقلاليتها عنها، من خلال الضغط عليها اقتصادياً عبر تخليق أزمة اقتصادية، كما يحدث حالياً من إدارة أزمة انهيار العملة، أو عزلها سياسياً بتفجير صراعات ضد الشرعية، كما يحدث في جنوب اليمن، وعسكرياً بإطالة أمد بقاء جماعة الحوثي في مناطقها خطرا دائما ضد الشرعية.
تطرح الدعوات إلى إصلاح السلطة الشرعية من داخلها من خلال تصريحات بعض وزرائها ومواقفهم، وتركز غالبية هذه الدعوات، وإن كان لبعضها أهداف سياسية، على ضرورة بدء إصلاح مسار الشرعية من استقلاليتها عن وصاية دول التحالف، وامتلاكها القرار السياسي والعسكري الداخلي، من خلال توحيد التنظيمات العسكرية المتعدّدة تحت راية السلطة الشرعية. وعلى الرغم من أهمية ذلك، لا يمكن تحقيق استقلالية السلطة الشرعية عن دول التحالف، وأجنحة السلطة وأحزابها جزء من منظومة الفساد، وتمتلك دائرة أخرى من العلاقات الإقليمية، بالتوازي مع دول التحالف؛ فيما يطرح بعضهم أن إصلاح مسار الشرعية يبدأ من إقالة الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة مصغّرة لإدارة البلاد، وتخفيض الجهاز الإداري، ورسم سياسة اقتصادية واضحة، لكن ذلك أيضاً إجراءات شكلية لا تقدم حلولاً لإصلاح مسار الشرعية.
أمام اختلالات السلطة الشرعية اليمنية المتأصلة في بنيتها وأدائها، وتداخل مصالح القوى المستفيدة من ذلك، ربما من الصعب، في الوقت الراهن، إيجاد وسائل تسهم في إصلاح مسار الشرعية جذريا، إلا أن تخليق أدوات فاعلة يمكنه إنتاج أدوات تحقق ذلك على المدى البعيد، ومن ثم فإن معالجة اختلالات السلطة الشرعية تبدأ من إعادة تعريف مفاهيم الشرعية، باعتبارها سلطةً أنتجها سياق سياسي في مرحلة توافقية. ويمكن أن تنزع بمقتضى ممارساتها حيال المواطنين، ومن ثم لا بد أن تكون ممارساتها على الضد من أداء المليشيات وممارساتها، لا غطاء لها، كما أن تصويب مسار الشرعية يأتي عبر تجريد القوى الانتهازية المكونة للشرعية من أسباب قوتها، وتخليق قوةٍ سياسيةٍ فاعلةٍ داخل السلطة، تراكم عملية الإصلاح، والأهم من ذلك إزاحة أحزاب السلطة ذات الولاءات العابرة للحدود.
قوّضت طريقة إدارة الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، لشبكة تحالفاته من فرص إصلاح مسار الشرعية، إذ أدّى ذلك إلى إعاقة تخليق شرعية وطنية فعلية، يمكن أن يُبنى عليها في
على مستوى آخر، شكلت بُنية السلطة الشرعية عقبة رئيسية في إصلاح مسارها، إذ تتكون من توليفةٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ واجتماعيةٍ، متعدّدة الولاءات، ما أدّى إلى تناقض مواقفها حيال القضايا الوطنية، حيث أدارت هذه القوى السلطة بما يخدم مصالحها وولاءاتها العابرة للحدود، كما جذّرت التحولات الحادّة التي شهدتها تحالفات الحرب في اليمن اختلال السلطة الشرعية على نحوٍ لافت، إضافة إلى أن ارتهان السلطة الشرعية، ممثلا بشخص الرئيس هادي، والأحزاب السياسية المكونة للسلطة لدول التحالف ولدول الأزمة الخليجية، قد كرّس وصاية القوى الإقليمية على الشرعية اليمنية، وهو ما أدى إلى تعطيل أي إمكانيةٍ لإصلاحها، أو على الأقل تصويب مسارها، في حين استغلت العربية السعودية والإمارات التركيبة المتناقضة للسلطة الشرعية، وتعدّد ولاءات أحزابها لنزع قرارها السياسي.
شبكة المصالح المتداخلة التي كونتها قوى السلطة الشرعية طوال الحرب، سواء بينها البين، أو بينها وبين دول التحالف العربي، تشكل عائقاً إضافياً في إصلاح مسار الشرعية، كما أن استفادة بعض القوى الاجتماعية والسياسية من سياسة شراء الولاءات التي ميزت أداء الرئيس هادي، أدت إلى تضخّم جهازها الإداري، وإعاقتها عن العمل، وكذلك تضخّم صرفياتها على حساب
تطرح الدعوات إلى إصلاح السلطة الشرعية من داخلها من خلال تصريحات بعض وزرائها ومواقفهم، وتركز غالبية هذه الدعوات، وإن كان لبعضها أهداف سياسية، على ضرورة بدء إصلاح مسار الشرعية من استقلاليتها عن وصاية دول التحالف، وامتلاكها القرار السياسي والعسكري الداخلي، من خلال توحيد التنظيمات العسكرية المتعدّدة تحت راية السلطة الشرعية. وعلى الرغم من أهمية ذلك، لا يمكن تحقيق استقلالية السلطة الشرعية عن دول التحالف، وأجنحة السلطة وأحزابها جزء من منظومة الفساد، وتمتلك دائرة أخرى من العلاقات الإقليمية، بالتوازي مع دول التحالف؛ فيما يطرح بعضهم أن إصلاح مسار الشرعية يبدأ من إقالة الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة مصغّرة لإدارة البلاد، وتخفيض الجهاز الإداري، ورسم سياسة اقتصادية واضحة، لكن ذلك أيضاً إجراءات شكلية لا تقدم حلولاً لإصلاح مسار الشرعية.
أمام اختلالات السلطة الشرعية اليمنية المتأصلة في بنيتها وأدائها، وتداخل مصالح القوى المستفيدة من ذلك، ربما من الصعب، في الوقت الراهن، إيجاد وسائل تسهم في إصلاح مسار الشرعية جذريا، إلا أن تخليق أدوات فاعلة يمكنه إنتاج أدوات تحقق ذلك على المدى البعيد، ومن ثم فإن معالجة اختلالات السلطة الشرعية تبدأ من إعادة تعريف مفاهيم الشرعية، باعتبارها سلطةً أنتجها سياق سياسي في مرحلة توافقية. ويمكن أن تنزع بمقتضى ممارساتها حيال المواطنين، ومن ثم لا بد أن تكون ممارساتها على الضد من أداء المليشيات وممارساتها، لا غطاء لها، كما أن تصويب مسار الشرعية يأتي عبر تجريد القوى الانتهازية المكونة للشرعية من أسباب قوتها، وتخليق قوةٍ سياسيةٍ فاعلةٍ داخل السلطة، تراكم عملية الإصلاح، والأهم من ذلك إزاحة أحزاب السلطة ذات الولاءات العابرة للحدود.