الولايات غير المتحدة

09 يونيو 2014

أوباما وهيلاري تباين بين البيت الأبيض والخارجية (نوفمبر/ 2012/Getty)

+ الخط -
ترى هل الولايات المتحدة الأميركية بالفعل "متحدة"؟ ليس السؤال تهكمياً، وإنما فقط دعوة للتفكر في تناقض مواقف واشنطن من ملف إلى آخر، وأحياناً تجاه قضية واحدة من دون مبرر منطقي. مثلاً، شهد الموقف الأميركي من الأزمة السورية تحولات جوهرية، يصعب فهمها، فضلاً عن تفهمها، عزواً إلى تغير ميزان القوة على الأرض، أو دخول جماعات جهادية مسلحة، ما جعل إسقاط بشار الأسد أعلى كلفة، أميركياً، من الإبقاء عليه. صحيح أن تلك التطورات تبدو دوافع كافية لتحويل سياسة واشنطن من الحماس والعجلة في إطاحة بشار إلى تأييد تسوية الأزمة سلمياً (ما يعني بقاءه شريكاً أصيلاً في التسوية). لكن، من غير المتصور عدم استشراف واشنطن تلك المستجدات على الأرض، منذ بدايات الأزمة. فالدعم الإيراني والمساندة الروسية لنظام الأسد معلنان منذ اللحظة الأولى وبأقصى قدر. ولم تكن واشنطن مغيبة، وآلاف الجهاديين يتدفقون إلى سورية من كل بقاع الأرض، بما فيها الدول الأوروبية.
كذلك الأمر بالنسبة للتغيرات الدرامية التي وقعت في مصر، فواشنطن التي أعلنت اعتراضها على إطاحة رئيس مصر المنتخب، وفرضت على القاهرة عقوبات عسكرية، للمرة الأولى منذ "كامب ديفيد"؛ هي ذاتها التي يهاتف وزير دفاعها نظيره المصري بصورة شبه يومية. كما أعلن السيسي مبكراً، في حواره مع "واشنطن بوست" المنشور مطلع أغسطس/آب 2013، تشاوره مع "الأصدقاء" الأميركيين وانتصاحه منهم على مدى ثلاثة أشهر، قبل إقدامه على إزاحة مرسي. الأمر هنا يتجاوز نطاق تطوير المواقف بوازع براغماتي؛ فالبراغماتية لا تفضي إلى التناقض وانقلاب المواقف جذرياً، خصوصاً والمعطيات لم تتغير، أو كان تغيرها جزئياً ومتوقعاً.
إنه التباس يصعب تفكيك عناصره من دون تفكيك منظومة السياسة الأميركية، الخارجية منها خصوصاً. فسياسات أقوى دولة في العالم ليست دائماً نتاج عمل متناغم، أو آليات رشيدة لصنع القرار. وإلا لما ارتكبت واشنطن أخطاء كارثية منذ الحرب العالمية الثانية. والخلل أبعد من مجرد قصور في التنسيق، أو افتقاد الرشادة. يبدو الأمر كأن السياسة الأميركية لا تصنع في البيت الأبيض وحده، ولا حتى بمشاركة تعاونية مع وزارة الخارجية والبنتاغون ووكالات الأمن القومي، بل ربما يعمل كل من هؤلاء على حدة، ولا يتعاون مع الجهات الأخرى، إلا اضطرارياً في أضيق الحدود. الدلالة هنا ليست فقط في العزف المنفرد، وإنما في تضارب المعزوفات، بشكلٍ يجعل تحركات واشنطن غير متسقة مع خطابها، بل خطاب بعض مسؤوليها يتضارب مع تصريحات آخرين.
وكان هذا التباين واضحاً بين الرئيس باراك أوباما وهيلاري كلينتون، وقت كانت وزيراً للخارجية. ويظل الأهم هو الفجوة بين الأداء السياسي العلني والعمل الأمني والاستخباراتي. فبينما تمارس الإدارة الأميركية ضغوطاً حقيقية على القاهرة بعد 3 يوليو/تموز 2013، يتكشف أن واشنطن كانت ضالعة فيما كان يخطط لمحمد مرسي، على الأقل بالعلم والموافقة. ولا يتعلق الأمر، هنا، بمقتضيات السرية في هكذا اتصالات وتحركات، وإنما بحرج سياسي وقعت فيه إدارة أوباما، إذ بدت لا تدري شيئاً عن المخطط، أو أنها تعلم وتمارس كذباً بواحاً. والمفتاح في تحديد أي الاحتمالين أقرب هو فهم العقلية الأمنية والاستخبارية، بصفة خاصة. فتلك الأجهزة تعتبر نفسها مسؤولة عن مصالح الدولة، وحماية أمنها، فهي درع الوطن وسياجه الحامي، بينما الرؤساء والوزراء متغيرون، وليسوا دائماً بالضرورة أهلاً للمسؤولية. وفي الغموض المستمر حول اغتيال جون كيندي دلالاته في هذا السياق. دولة تختلف مواقف رئيسها عن وزير الخارجية، وتشارك استخباراتها في إحداث تغيير في دولة أخرى، هو مُجرَّم لديها سياسياً وقانونياً، هل تستحق، على الأقل في سياستها الخارجية، صفة "متحدة"؟
           
 
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.