الوفد العراقي في بيروت: مجرد مجاملة سياسية بين حلفاء

05 يوليو 2020
بحث الوفد تبادل الاحتياجات بين البلدين (الأناضول)
+ الخط -

لليوم الثاني على التوالي، تصدرت، أمس السبت، الزيارة التي يجريها وفد وزاري عراقي إلى العاصمة اللبنانية بيروت، والتي بدأت مساء الخميس الماضي الجدل على المستوى السياسي، وحتى الشعبي، داخل العراق. ويدور هذا الجدل حول مهمة الوفد والأعضاء المشاركين فيه، وانسحب عليه ما تعرض له خلال اصطحابه أول من أمس من قبل وزراء لبنانيين إلى أحد المطاعم الراقية في بيروت لتناول العشاء، حيث تجمع محتجون لبنانيون داخل المطعم، مرددين شعارات وهتافات مختلفة، في وقت ترتفع فيه حدّة الأزمة الاقتصادية في لبنان، ما دفع الوفد ومضيفيهم إلى المغادرة. وتناقل مدونون وناشطون عبر مواقع التواصل، الاجتماعي، مقطعاً مصوراً يُظهر أعداداً من المتظاهرين اللبنانيين، وهم يقومون بطرد وزير الطاقة اللبناني ريمون غجر والوفد الوزاري العراقي من المطعم. وجاءت الحادثة بعد تسجيل انتحار 3 لبنانيين في الساعات الماضية بسبب تردي الأحوال المعيشية. وعلّق النائب في البرلمان العراقي محمد الكربولي على الحادثة، بقوله إن "مشاعر الغضب لدى الشعوب ليست خاضعة لمشيئة المؤسسات السياسية لتحركها كيفما تشاء، وإنما صرخة غضب تهز كيان المقامرين بمصلحة الوطن"، مذيّلاً تغريدة له عبر موقع "تويتر"، بعبارة "لبنان... العشاء الأخير".

بحثت الزيارة استيراد لبنان للنفط مقابل أن يأخذ العراق مواد زراعية وصناعية

ويتألف الوفد العراقي الوزاري إلى لبنان، والذي التقى رئيس الوزراء اللبناني حسّان دياب ورئيس البرلمان نبيه بري، كلاً على حدة، فضلاً عن لقاء أعضائه بنظرائهم اللبنانيين، من وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار ووزير الزراعة محمد كريم جاسم، وشخصيات أخرى، منها حسن العلوي، الباحث والسياسي العراقي. وبحسب بيانات صدرت عن الوفد خلال الساعات الماضية، فإن اللقاءات ركزّت على ما وصفوه "توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين في كافة المجالات، لا سيما التبادل التجاري والزراعي مقابل النفط، والتعاون في مجالي الطاقة والسياحة".

وقال وزير النفط العراقي، في بيانٍ عقب انتهاء الجولة الأولى من المباحثات، إنه تمّت مناقشة "محاور عدة، أهمها كيفية الاستفادة من تجربة لبنان في محاربة وباء كورونا، وتحسين نوع الخدمات الصحية اللبنانية للعراقيين الذين يرتادون المستشفيات اللبنانية، إضافة إلى كيفية إعادة الشركات اللبنانية التي كانت تعمل سابقاً في مجال الزراعة والاستصلاح الزراعي والصناعات الزراعية إلى العراق، خصوصاً أن العراق سوق واعدة، وشهد في العامين الماضيين تطوراً كبيراً في حجم الإنتاج الزراعي، وخلق فرص كبيرة لوجود صناعات غذائية". كما صدرت عن وزير الطاقة اللبناني ريمون غجر تصريحات أكد فيها أن الجانب اللبناني بحث مع نظيره العراقي موضوع استيراد لبنان للمشتقات النفطية لصالح كهرباء لبنان، مبيناً أن السوق العراقية يمكن أن تأخذ مواد زراعية وصناعية بدل المال، وبطريقة الاستيراد نفسها التي نتبعها مع شركة "سوناطراك" (الجزائرية) عبر البواخر من المرفأ العراقي إلى المرفأ اللبناني.
وردّاً على استفسار لـ"العربي الجديد"، تحدث مسؤولٌ عراقي رفيع في مكتب رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي حول مهمة الوفد، وسبب التوجه إلى لبنان في الوقت الراهن، وغياب وزارة الخارجية العراقية عن الزيارة، بل ومشاركة شخصيات بلا صفة رسمية في هذا الوفد، مثل العلوي، المعروف بعلاقته مع النظام السوري. وقال المصدر إن "الوفد ذهب بناءً على مجاملات، ورغبة جهات سياسية داخل البلدين بفعل شيء إزاء انغلاق الحلول في لبنان". وأضاف المسؤول أن قوى وأحزاباً سياسية مقربة من المحور الإيراني دفعت لحصول هذه الزيارة، التي استجاب لها وزراء محددون ووافق عليها رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي لاعتبارات سياسية تتعلق بالوضع المحيط بحكومته داخلياً، مؤكداً أن "طرح موضوع نقل النفط العراقي إلى لبنان عبر سورية على غرار ما يجري مع الأردن منذ سنوات، عبر أسطول صهاريج نقل النفط، ليس سهلاً، ويحتاج إلى مدة زمنية لتهيئة ذلك لا تقل عن شهرين في أفضل الأحوال". ولفت إلى أنه "حتى إن تمّ ذلك، فلن يكون ذا تأثير على الوضع المالي والاقتصادي المتأزم في لبنان". وأقرّ المصدر بأن هناك معسكراً سياسياً في لبنان داعمٌ لحكومة دياب، دفع إلى هذه الزيارة بالتنسيق مع قوى عراقية، من دون أن يقدم توضيحات حول هذا المعسكر.

كان الجانب اللبناني يطمح للحصول على وديعة عراقية في مصارف لبنان

وكشف المسؤول في مكتب الكاظمي أن "الجانب اللبناني كان يطمح للحصول على وديعة عراقية في مصارف لبنان، لكن العراق ليس أفضل حالاً اليوم من لبنان"، معتبراً أن بلده "لا يملك غير النفط حالياً، وقد تكون هناك مشكلة حتى بالنسبة لهذا الأمر، لجهة تمرير النفط عبر الأراضي السورية بالتنسيق مع نظام الأسد، بسبب مخلفات قانون قيصر، ولذلك فقد يجرى التمرير عبر موانئ البصرة فقط".
وفي السياق، علمت "العربي الجديد"، من مصادر حكومية عراقية، أن وفداً وزارياً لبنانياً سيصل إلى العراق أيضاً خلال أيام قليلة، وهو ما ذكرته وكالة الأنباء العراقية الرسمية. وبحسب المصادر، سيفتح الوفد اللبناني ملف ديون لبيروت على بغداد تقدر بأكثر من نصف مليار دولار مع فوائدها، يقول الجانب اللبناني إنها مستحقات شركات لبنانية وأفراد منذ العام 1990، توقفت بسبب حرب الخليج والعقوبات الدولية التي فرضت على العراق آنذاك. وأشارت المصادر إلى أن الحراك الحالي قد يفضي في أقصى نجاح له إلى شحنات نفط عراقية تذهب عبر ميناء البصرة أو برّاً عبر سورية إلى لبنان، مقابل منتجات زراعية أو مواد إنشائية، لكن "لا ينبغي التعويل كثيراً عليها، لأن الجانبين لا يملكان المال".
من جهتها، قالت عضوة البرلمان العراقي ندى شاكر، لـ"العربي الجديد"، إن "الزيارة غير واضحة المعالم، وقد سبقتها زيارة إلى الأردن في فترة حكومة عادل عبد المهدي، ولم تكن مفهومة أيضاً، وهي لا تعبّر سوى عن أن الخطوات العراقية باتجاه دول الجوار غير مدروسة، وتنم عن قصور بفهم الوضع الداخلي في البلاد". وأوضحت شاكر أن "لبنان بلد منهار اقتصادياً، ولا نعرف جدوى التوجه إليه ومحاولة عقد شراكات معه، خصوصاً أن ما أشيع حول الزيارة أنها تهدف إلى مقايضة النفط العراقي بالمواد الغذائية، وكأن العراق لا تتوفر فيه أي دعائم لتطوير الإنتاج المحلي من المواد الغذائية والمحاصيل الزراعية"، مطالبة حكومة الكاظمي بتقديم شرح حول ذلك.
إلى ذلك، أشار المحلل السياسي العراقي هشام الهاشمي إلى أن "العراق لا يحتاج لشيء من لبنان، لأن الطرفين لا يملكان المال وتكاليف سداد حاجتهما، كما أن العراق ليس بحاجة إلى المواد الغذائية اللبنانية، ولا حتى إلى السياحة". ورأى الهاشمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الزيارة تحمل طابعاً سياسياً بدوافع غير منتجة، المراد منها أن يقف العراق إلى جانب لبنان في أزمته الحالية وانخفاض سعر عملته الوطنية، كما أن الرسالة المرجوة من هذه الزيارة لا قيمة لها، لأن أياً من البلدين لا يملك القدرة على سداد تكاليف نقل النفط أو المواد الغذائية".


 

المساهمون