الوفد الأردني في سورية الأسد.. ما الذي تغيّر؟

24 نوفمبر 2018

نواب أردنيون في ضيافة الأسد (موقع وكالة الأنباء السورية)

+ الخط -
جاءت زيارة الوفد النيابي الأردني إلى "سورية الأسد"، كي تثير أسئلة عديدة بشأن توقيتها وغايتها، خصوصا في ظل صمت الحكومة الأردنية عنها، والذي يُعتبر علامة رضا وموافقة عليها، وجاءت بعد أسابيع قليلة على لقاءات بين مسؤولين أمنيين من الأردن ونظام الأسد وفتح معبر نصيب الحدودي، لكن الأهم أنها تندرج في سياق ترويج انتصار نظام الأسد على غالبية السوريين، وأنه يتعافى على حساب قتل مئات آلاف منهم، وخرج غانماً سالماً بعد أن هجّر أكثر من نصف سكان سورية، فضلاً عن الدمار الهائل الذي لحق بمدنها وبلداتها وقراها، ويُذكّر بدمار المآسي الإغريقية القديمة.
ويعلم النواب الأردنيون التسعة الذين مدّوا أيديهم لمصافحة الأسد أنهم يصافحون مجرماً، أقرّت تقارير أممية وحقوقية عديدة بارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وتتقاطع زيارتهم مع الزيارات المتكررة لوزراء ومسؤولين لبنانيين وعراقيين، وزيارات مسؤولين أمنيين في النظام، أيديهم ملطخة بدم السوريين، إلى القاهرة وعواصم عربية أخرى، وكذلك الخطوات التي كشفت تقرّب الأنظمة العربية مع نظام الأسد، وخصوصا اللقاءات على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في سبتمبر/ أيلول الماضي، بين وزير خارجية النظام، وليد المعلم، وكل من وزيري خارجية الجزائر، عبد القادر مساهل، والسودان الدريدري محمد أحمد الدخيري، ولقائه مع وزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد آل خليفة، الذي قال إن لقاءه بوزير خارجية النظام ليس الأول من نوعه، إضافة إلى الزيارة العلنية لوزير خارجية النظام إلى سلطنة عمان، وافتتاحه مقرا جديدا لسفارة النظام في مسقط.
ويكشف واقع الحال أن معظم الأنظمة العربية لم تقف مع ثورة الشعب التي اندلعت في 
منتصف مارس/ آذار 2011، بسبب طبيعة تكوينها وسياساتها وممارساتها، وقد اضطرت في بداية الثورة، وتحت ضغط المجتمع الدولي، وبعض دول الخليج، إلى تجميد عضوية نظام الأسد في جامعة الدول العربية، فاضطر بعضها إلى اتخاذ خطواتٍ شكلية ضد نظام الأسد، مثل سحب السفراء أو استدعائهم للتشاور، لكن الأمور لم تصل إلى حدّ القطيعة معه، وكانت تتحيّن الفرص لوصل ما انقطع معه، وبدأت بخطوات سرية وعلنية في هذا الاتجاه.
وكان موقف الحكم في الأردن حيال نظام الأسد حذراً بُعيد اندلاع الثورة، مع أن علاقاته مع النظام قبلها لم تكن في أفضل حال، ثم مال إلى سياسة "النأي بالنفس" حيال ما يحدث في سورية، إلا أن استقبال الأردن مسؤولين وضباطا سوريين منشقين عن النظام جعله في موقع هجوم من مسؤولي النظام السوري، ثم بدأ الموقف الأردني بالموازنة بين الحفاظ على علاقاته الدبلوماسية مع النظام، من خلال الإبقاء على السفير السوري السيئ الصيت، بهجت سليمان، والذي طرد فيما بعد، والاعتراف بالمعارضة السورية، ممثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. ومع تطور الأحداث في سورية، وخصوصا مع بداية العام 2013، بدأت الأجهزة الأمنية والعسكرية الأردنية التنسيق مع فصائل عسكرية سورية معارضة، عبر ما كانت تسمّى "غرفة الموك"، وهي غرفة عمليات استخبارات دولية مشتركة، تأسست عام 2013 باتفاق وتنسيق بين ما كان يُعرف باسم مجموعة "أصدقاء سورية"، واتخذت من الأردن مقراً لها. ولعبت الاستخبارات الأردنية دوراً كبيراً في توجيه وإدارة ما كانت تسمى فصائل الجبهة الجنوبية، التي سلمت المنطقة الجنوبية للروس والنظام، وكان الأردن يفضل وجود قوات النظام على حدوده الشمالية.
وقد أحدث الموقف من الثورة السورية انقسامات في المواقف السياسية للقوى والأحزاب الأردنية، وتناقضات في المواقف داخل النقابات المهنية والمنظمات الحقوقية وروابط المثقفين والكتاب. وعلى إثر هذه الانقسامات بين تأييد الثورة ومطالب ناسها وتأييد نظام الاستبداد، بدأت، منذ العام 2014، وفود أردنية ضمت كُتاباً ومثقفين ومحامين وعسكريين متقاعدين بالتوافد إلى دمشق، والتهافت للقاء الأسد ومسؤولي نظامه، لكن تلك الزيارات قيل إنها كانت تحمل صفة "الشخصية"، أما زيارة الوفد البرلماني الأردني أخيرا، فهي أقرب إلى الزيارة الرسمية. وهي لا تنفصل عن الدعوات المتهافتة التي بدأت أخيرا ترويج "التطبيع" مع نظام الأسد وإعادة العلاقات معه، وتنادي بضرورة إرجاع نظامه إلى الحضن العربي "الدافئ"، الممثل بجامعة الدول العربية المشلولة والمترهلة من زمن بعيد، أو إلى ما يسمى كذباً وبهتاناً "النظام العربي".
ويروّج أصحاب دعوات إعادة نظام الأسد إلى الحضن العربي أن المقاطعة العربية له أفضت إلى تغلغل نظام الملالي الإيراني وتركيا في سورية، وبالتالي من الأجدى إعادة العلاقات 
العربية معه، كي يتم تخليصه من الأيدي الأجنبية، وهي دعواتٌ زائفة، ذلك أن القوى السياسية وراء مثل هذه الدعوات، سواء في لبنان أم العراق أم الجزائر وسواها، والتي تحكمها قوى سياسية، بعضها لا يخفي تبعيته العلنية للنظام الإيراني، ويعمل على تنفيذ أجندته التوسعية والتخريبية في المنطقة، وبعضها الآخر، كالجزائر ومصر، ليس معادياً لإيران. وبالتالي، فإن أصحاب هذه الدعوات يجدون اليوم الفرصة مناسبةً لوقوفهم مع نظام الاستبداد، في ظلّ المواقف الدولية التي تغيرت حيال الأسد ونظامه، وإطلاق يد روسيا في سورية، لكن الأمر لم ينته بعد، ولم يحسم، فالأمور متغيرة في سورية، وما زالت خمس قوى دولية تتصارع على ما تبقى من الجسد السوري، إذ تسيطر الولايات المتحدة على أكثر من ثلت مساحة سورية، بالتحالف مع مليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، وتمثل روسيا قوة احتلال في سورية من خلال تحكمها بالوضعيْن، السياسي والعسكري، ووجود قواتها في قواعد عسكرية عديدة، وهناك إسرائيل التي تضرب ما تشاء من المواقع الإيرانية في سورية، إضافة إلى التغلغل الإيراني الواسع في مختلف مفاصل الوضع السوري، وهناك أيضاً الوجود التركي في الشمال السوري.
5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".