الوفاق وجرائم حفتر

06 اغسطس 2020
زُرعت عشرات الألغام في الأحياء المدنية جنوب طرابلس (حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -

كثيراً ما يتهم قادة في حكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دولياً، المجتمع الدولي، بعرقلة جهود السلام بسبب التدخل "السافر" في الشأن الداخلي، وتعامله مع أطراف موازية غير شرعية. لكنّ رأياً آخر تبدو ملامحه تتشكل في كتابات الليبيين وتعليقاتهم على أحداث ومستجدات البلاد، يتجه إلى فضح الدور الغامض الذي تلعبه أوساط نافذة داخل الحكومة طالما اتهمت باتصالها بأطراف داعمة لمشروع العسكر، من دون أن تنبس الحكومة وقادتها ببنت شفة عنها.
بالأمس فقط، تراجع اللواء المتقاعد خليفة حفتر عن تجاهله للقضايا المرفوعة ضده في محاكم أميركية، وتناقلت صحف دولية أنباء عن تعاقده مع مكتب محاماة للرد على هذه القضايا. وقبلها، أعلنت محكمة الجنايات الدولية ومجلس حقوق الإنسان الأممي التجاوب مع نداءات للتحقيق في انتهاكات وجرائم الحرب التي اقترفها حفتر ومليشياته في ليبيا. لكن كثيراً من المراقبين الليبيين وأصوات وطنية لا تزال تتساءل عن المرحلة التي وصلت إليها تحقيقات الحكومة بملفات الجرائم التي اقترفها حفتر خلال حربه على طرابلس لأكثر من سنة، وقد كانت تنشر البيانات عن جمعها أدلة تؤكد صلة حفتر بمقتل مئات المدنيين جراء قذائفه العشوائية وصواريخه العمياء.

لا تبدو طريقة حديث قادة حكومة الوفاق عن تعامل المجتمع الدولي مع قضايا حقوق الإنسان في ليبيا صحيحة، فمقابل صمتها "المريب" حيال جرائم حفتر، بادرت منظمات الأمم المتحدة إلى إرسال فرقها للتحقيق في هذه الجرائم تزامناً مع استنكار دولي واسع أبرزته بيانات سفارات الدول الكبرى. وآخر تلك التحركات الدولية برز حديث صحافي، الأسبوع الماضي، للمدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية فاتو بنسودا، التي أشارت إلى عدم حصول تجاوب كبير من جانب مسؤولي الحكومة في التعامل مع جهود المحكمة للتحقيق في هذه القضايا.

قد يجد المواطن الليبي مبرراً يتعلق بسياسات الحكومة في التعامل مع الملف في دهاليز وكواليس التسويات في العواصم الإقليمية والدولية، وتحديداً بشأن إعلان موقفها من دول جاهرت بدعم حفتر واتصلت بشكل وثيق بتلك الجرائم، ومنها الإمارات على سبيل المثال، لكن ما المبرر الذي يمكن أن تقدمه وزارتا العدل والخارجية في الحكومة اللتان لم تسميا حتى الآن مندوباً عن الحكومة في محكمة الجنايات. هذا فضلاً عن التساؤل عن مصير الملفات التي أكدت عليها الوزارتان، ولا سيما حول الأدلة عن تورط حفتر في قتل أكثر من 400 مدني وإصابة مثلهم، وإلى أين انتهت؟ وماذا عن الأدلة التي قيل إن الحكومة جمعتها بشأن تورط مقاتلي شركة "فاغنر" الروسية في زرع العشرات من الألغام في الأحياء المدنية؟

عشرات من الأسر لا تزال تنظّم الاحتجاجات والوقفات كل يوم أمام مقرات الوزارات وتطالب بالكشف عن مصير أبنائها المفقودين في حرب حفتر. وعلى الرغم من مرور أكثر من شهرين على هزيمة اللواء المتقاعد والانتهاء من اكتشاف كل المقابر الجماعية وتفريغ السجون التي أقامتها مليشياته، إلا أنّ نتائج التحقيقات في هذه القضايا لا تزال غامضة، فمن يعرقلها ويخفيها؟

المساهمون