14 مايو 2018
الواقع المسيل للدموع
فادي الحسني (فلسطين)
عند التسليم بفكرة أن استخدام غاز الطهي هو فقط للبوتاغاز أو الأفران، يكون ضرورياً استيعاب أهمية توفر مفتاح في كل بيت، لأجل إحكام إغلاق أسطوانة الغاز عند توصيلها بمواقد الطعام، غير أن من المفارقة انتقال هذه الورشة من المطبخ إلى تاكسي الأجرة!
للوهلة الأولى التي توقفت فيها السيارة، في ساعة متأخرة من الليل، وسط شارع معتم، ظننت أن عطلا أصابها، لولا أن السائق استماحنا عذراً، وقال "الأسطوانة نفذت.. انتظروا قليلاً حتى أستبدلها". وبالفعل، نزل السائق يحمل كشافاً ضوئياً خافتاً، يتحسس الحقيبة الخلفية، ويستعد لفك الإسطوانة، لولا أنه فجع بفقدان المفتاح.
ولما باءت محاولاته بالفشل، قرر أن يطرق أبواب أحد المباني السكنية، حتى يستلف مفتاحاً، ونحن نكاد نصاب بالاختناق، جراء تسرب الغاز إلى أنفونا، لعدم إحكام إغلاق الإسطوانة البديلة، فالقصة تمت على عجل، على حد قول السائق.
على مأساوية المشهد، إلا أنه شكل مدخلاً للكتابة عن واقعنا المبكي، نحن الفلسطينيين القاطنين في قطاع غزة، تحديداً، وعن كيفية التعايش مع أزمة الوقود، مثلاً، لنكون أمام سؤال: كيف تقود سيارة مشغلة على غاز الطهي، وأنت تعلم أنها قد تنفجر في أية لحظة، جراء الاهتزاز المتوالي بفعل المطبات، أو على الأقل، قد تصيبك بالاختناق؟
رد السائق متجهماً: لو تعاملنا مع المسألة بمنطق الخوف والحذر الذي تتحدث به، لما استطعنا الصمود على الحصار عشر سنين عجاف ولازلنا، ولما رأينا آلاف الشباب يتهافتون على الاشتباك مع الاحتلال بالحجارة على أطراف القطاع المحاذية للأراضي المحتلة، وهم يعلمون، سلفاً، أنهم إما أن يقتلوا أو يصابوا بالاختناق جراء قنابل الغاز.
اقتنعت بقول السائق، بعد أن عدت إلى بيتي سليماً من دون الحاجة إلى سيارة إسعاف، كما يجري مع المتظاهرين المختنقين جرّاء استنشاق القنابل، وأنا أفكر بأن البدائل السياسية يجب أن تكون حاضرة للتعامل مع الواقع، تماماً كما حصل مع السائق، وكما فعلنا حين حفرنا الأنفاق أسفل الحدود الفلسطينية-المصرية، بديلا عن المعابر التي أغلقت بفعل الحصار، ما يعني أننا نحتاج انتفاضة شعبية بديلة عن جهود الأقطاب السياسية المنقسمة على نفسها، والتي لم تثمر شيئاً على مدار عشرين عاماً، مضافا إليها استثمار الحراك السياسي، لأجل فرض نفوذ المنتفضين، وحماية ظهر الشباب الثائر ضد المحتل، وإلى قيادة وازنة تدير دفة الهبة الشعبية بعقلانية.
تتطلب المرحلة اليوم رئة رحبة قادرة على استنشاق مزيد من الغاز، من دون الاكتراث إلى حجم الألم، لاسيما وأن الدبلوماسية ما عادت تلبي طموحنا في نيل الحرية والاستقلال. لذا، لابد من استنهاض روح الكفاح الشعبي ضد الاحتلال، بما يخدم قضيتنا.
للوهلة الأولى التي توقفت فيها السيارة، في ساعة متأخرة من الليل، وسط شارع معتم، ظننت أن عطلا أصابها، لولا أن السائق استماحنا عذراً، وقال "الأسطوانة نفذت.. انتظروا قليلاً حتى أستبدلها". وبالفعل، نزل السائق يحمل كشافاً ضوئياً خافتاً، يتحسس الحقيبة الخلفية، ويستعد لفك الإسطوانة، لولا أنه فجع بفقدان المفتاح.
ولما باءت محاولاته بالفشل، قرر أن يطرق أبواب أحد المباني السكنية، حتى يستلف مفتاحاً، ونحن نكاد نصاب بالاختناق، جراء تسرب الغاز إلى أنفونا، لعدم إحكام إغلاق الإسطوانة البديلة، فالقصة تمت على عجل، على حد قول السائق.
على مأساوية المشهد، إلا أنه شكل مدخلاً للكتابة عن واقعنا المبكي، نحن الفلسطينيين القاطنين في قطاع غزة، تحديداً، وعن كيفية التعايش مع أزمة الوقود، مثلاً، لنكون أمام سؤال: كيف تقود سيارة مشغلة على غاز الطهي، وأنت تعلم أنها قد تنفجر في أية لحظة، جراء الاهتزاز المتوالي بفعل المطبات، أو على الأقل، قد تصيبك بالاختناق؟
رد السائق متجهماً: لو تعاملنا مع المسألة بمنطق الخوف والحذر الذي تتحدث به، لما استطعنا الصمود على الحصار عشر سنين عجاف ولازلنا، ولما رأينا آلاف الشباب يتهافتون على الاشتباك مع الاحتلال بالحجارة على أطراف القطاع المحاذية للأراضي المحتلة، وهم يعلمون، سلفاً، أنهم إما أن يقتلوا أو يصابوا بالاختناق جراء قنابل الغاز.
اقتنعت بقول السائق، بعد أن عدت إلى بيتي سليماً من دون الحاجة إلى سيارة إسعاف، كما يجري مع المتظاهرين المختنقين جرّاء استنشاق القنابل، وأنا أفكر بأن البدائل السياسية يجب أن تكون حاضرة للتعامل مع الواقع، تماماً كما حصل مع السائق، وكما فعلنا حين حفرنا الأنفاق أسفل الحدود الفلسطينية-المصرية، بديلا عن المعابر التي أغلقت بفعل الحصار، ما يعني أننا نحتاج انتفاضة شعبية بديلة عن جهود الأقطاب السياسية المنقسمة على نفسها، والتي لم تثمر شيئاً على مدار عشرين عاماً، مضافا إليها استثمار الحراك السياسي، لأجل فرض نفوذ المنتفضين، وحماية ظهر الشباب الثائر ضد المحتل، وإلى قيادة وازنة تدير دفة الهبة الشعبية بعقلانية.
تتطلب المرحلة اليوم رئة رحبة قادرة على استنشاق مزيد من الغاز، من دون الاكتراث إلى حجم الألم، لاسيما وأن الدبلوماسية ما عادت تلبي طموحنا في نيل الحرية والاستقلال. لذا، لابد من استنهاض روح الكفاح الشعبي ضد الاحتلال، بما يخدم قضيتنا.
مقالات أخرى
18 يناير 2018
21 مايو 2016
07 مارس 2016