النموّ أو التنمية؟ تلك هي المسألة

08 ديسمبر 2014
+ الخط -
أحمد الحفناوي، الرجل التونسي البسيط صاحب الصرخة المدوية "هرمنا"، ‏والتي أصبحت، في ما بعد، إحدى الصور البارزة التي عُلِّقت بذاكرة الربيع العربي ‏وهي في مهدها، أتى به الزمن، من نور الشمس، ليمسح عن كاهله غبار سنوات ‏من الظلم والأسى، تماماً مثلما مسح على شعره الأبيض حينما قال بنبرة تحمل ‏الكثير من المشاعر الجياشة مقولته الشهيره، ثم بكى. ‏
وما قاله الرجل يغني عن كلام الكثير من المحرومين الذين يتكدسون على بقاع هذه ‏الرقعة الممتدة من المحيط إلى الخليج. فهو بصرخته العفوية هذه، قد اختزل ‏مشاعر الملايين من الشعوب العربية الذين هرموا قبل أن يجدوا رغيفاً يأكلونه. هؤلاء الملايين الذين هرموا وهم يحلمون بقدوم غدٍ أخضر، ‏علّه ينهض من تحت الرماد لينفض عنهم عقوداً من تسلّط رغيف "العيش" على ‏حياتهم، وليحررهم من عهود الخوف والحرمان. لكنه لم يأت. ‏
لا شك بأن اندلاع الثورة التونسية قبل أربعة أعوم، والتي كانت بمثابة الشرارة ‏الأولى لإعلان انطلاق ثورات الربيع العربي، كان مؤشراً واضحاً بأن الأمور لم ‏تكن تتجه إلى الطريق الصحيح، لا سيما على الصعيد الاقتصادي. المسؤولون العرب كانوا منشغلين في تحقيق نمو اقتصادي سنوي لبلدانهم من ‏خلال رفع معدل النمو للناتج المحلي الإجمالي، الذي كان بالكاد يتحقق. وهم أنفسهم غفلوا ‏عن تبني سياسات لتحسين الرفاهية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لشعوبهم، ‏والتي لا تتحقق إلا من خلال نهضة تنموية اقتصادية شاملة.‏
فشل السياسات الاقتصادية العربية على امتداد العقود الماضية، والتي أدت إلى ‏نشوب أزمات اقتصادية طاحنة، كانت نتيجة الاهتمام المبالغ فيه بتحقيق نمو ‏اقتصادي، بحيث إن الأخير كان لا يعدو عن كونه مجرد زيادة كلية في ثروة المجتمع بغضّ النظر عن ‏تحسُّن مستوى رفاهية السكان. فقد كان مسؤولو الملف الاقتصادي في البلاد ‏العربية يفاخرون بارتفاع متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني من عام إلى ‏عام، غير عابئين بحقيقة تركُّز الثروة الوطنية في أيدي عدد قليل من الأفراد وعلى ‏نحو مناقض للمساواة والعدالة الاجتماعية.‏‎ ‎
لا غرابة من أن جميع مؤشرات التنمية الاقتصادية للدول العربية غير النفطية، ‏كالأردن مثلاً، كانت تقع ضمن المراتب الدنيا عالمياً، حيث أثبتت أرقام الفقر ‏والبطالة وارتفاع المديونية والعجز التجاري، مدى قصور نظرية النمو هذه. نظرية ‏تبدو مبتورة وغير مكتملة، بعد أن تم تطبيقها لعقود طويلة وعلى حساب التنمية ‏الاقتصادية المستدامة.‏
وحتى تتمكن الدولة من تحقيق التنمية المنشودة ورفع مستوى المعيشة للأفراد، فقد ‏أصبح من الضروري تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص ووضعها من ‏أولويات المرحلة المقبلة، وذلك للاستفادة من خبرات القطاع الخاص في خلق ‏مشاريع إنتاجية كبرى تملك فرص النجاح، وقادرة على خلق فرص عمل ذات ‏الإمكانات العالية. ‏
إذ تشمل مجالات التنمية نواحٍ متعددة مثل الصحة، والتغذية، والسكن، ‏والنقل، والتعليم. ومن المهم إدراك أن التركيز على تحفيز النمو في قطاعات ‏باتت مشبعة وظيفياً وغير قادرة على خلق فرص عمل جديدة إلا ضمن نطاق ‏ضيق، ساعد في إحداث أزمات اقتصادية متوالية، وما ترتب عليها من اختلالات ‏اجتماعية وسياسية.
المطلوب، اليوم، السعي إلى تنمية القدرات الإنتاجية للدولة ‏عبر الشراكة مع القطاع الخاص، القادر على توفير السيولة اللازمة لتمويل مشاريع ‏تساهم في تخفيف الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها الأردن.‏
وفي هذا الإطار، برز أخيراً عدد من المشاريع الكبرى المرتبطة بإنتاج النفط ‏من الصخر الزيتي المتوافر بكثرة في الأردن. وهي مشاريع ما كان لها أن ترى ‏النور لولا الشراكة الاستراتيجية التي تم تعزيزها مع القطاع الخاص، حيث من ‏المتوقع أن يُسهم الاستثمار في هذا القطاع الحيوي في إحداث فرق مهم في المستوى ‏المعيشي للفرد، وذلك من خلال تدريب أيدٍ عاملة محلية تكون جاهزة للمشاركة ‏في إنجاز هذه المشاريع.‏