النقابات والسلطة خارج الحكم

17 ابريل 2018
+ الخط -
نزل الاتحاد العام التونسي للشغل بثقله إلى الشارع، بدءاً من مدينة صفاقس، أحد معاقله الرئيسية، وفي ذلك رسالة قوية إلى رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، ومن ورائه صندوق النقد الدولي. أراد أن ييرهن على كونه لاعباً رئيسياً يجب أن يقرأ له الجميع ألف حساب. ولهذا عندما يتحدث أمينه العام، نور الدين الطبوبي، فالجميع ينصتون ويحللون كلماته ونياته. وعندما كان الباجي قايد السبسي وزيراً أول بعد الثورة، استجاب لمطالب الاتحاد، وأقدم على زيادة في الأجور تعتبر استثنائية، ولا تزال الميزانية العامة للدولة متأثرة بتداعيات ذلك القرار، في مقابل هدوء اجتماعي مؤقت، مكّن السبسي من إنجاز انتخابات المجلس التأسيسي، كما ساهم ذلك في التمهيد لانتخابه رئيساً للبلاد، بعد تجربة حكم الترويكا المتعثرة وفشل حركة النهضة في الاحتفاظ بالسلطة.
عاد الاتحاد بقوة، إذ بعد اقترابه من يوسف الشاهد، الأمر الذي فاجأ المحللين، وقد سبق لكاتب هذه السطور أن جاء على ذلك في زاوية سابقة، واعتبره تقارباً مؤقتاً، ها هو اليوم يجد نفسه وجهاً لوجه مع الحكومة، فالإصلاحات الرئيسية التي أعلن عنها الشاهد، وشرع في التمهيد لتنفيذها اعترض عليها الاتحاد، وأعلن أنها لن تمر، وفي مقدمتها بيع بعض المؤسسات العمومية.
هناك سبعة إصلاحات كبرى، تحدث عنها رئيس الحكومة، لكنه توقف خصوصاً عند المالية العمومية، والصناديق الاجتماعية، وإصلاح الوظيفة العمومية، ومؤسسات القطاع العام. ولا يرفض اتحاد الشغل مبدأ الإصلاح، بل ويطالب به، لكنه يختلف مع الحكومة بشأن ماهية الإصلاح، وأدواته ومراحله. ونظراً لأهمية هذه الإصلاحات التي رحب بها صندوق النقد الدولي، بحكم كونها تنسجم مع شروطه ورؤيته الليبرالية الجديدة، أكد الشاهد على تمسكه بهذه الإصلاحات "مهما كان الثمن السياسي الذي سيدفعه".
فعلاً قد يكون هذا الثمن منصب يوسف الشاهد رئيساً للحكومة، مثلما حصل مع سلفه الحبيب الصيد، إذ قال بوضوح إنه "لن يكون شاهد زور للمحافظة على موقعه". لقد قرّر بوعي أن ينتحر سياسياً، وأن يواجه النقابيين بكل إصرار وتحدٍّ. هل يصمد؟ وكم سيبقى قادراً على الصمود.. أسبوعاً أو بعد الصيف؟.
يمارس الاتحاد هذه الأيام استراتيجية مزدوجة، فهو من جهة يده ممدودة نحو رئاسة الجمهورية والأطراف المشاركة في صياغة اتفاق قرطاج الثاني، بما فيها أحزاب الائتلاف الحاكم. لكنه من جهة أخرى يعتمد على استراتيجية السلطة المضادة أو الموازية. وهو إذ يرفض الاعتراف بهذا الدور، لكنه عملياً أصبح يحكم من دون أن يكون شريكاً في الحكم، يؤثر على سياسات الدولة من خارج السلطة. هذا ما يلاحظه الجميع، حتى لو لم تعترف القيادة النقابية بذلك.
قبل أشهر، دخل وزير التربية السابق، ناجي جلول، في صراع مفتوح مع نقابة التعليم الثانوي والأساسي. هدّدوا بإسقاطه، استخفّ بالأمر ظناً منه بأنه في حماية رئيس الجمهورية، لكنه سمع بإقالته، قبل أن تصل إليه رسمياً. واليوم ينزل وزير التربية الجديد بكامل ثقله للتصدي للنقابة نفسها، معلناً أيضاً أنه مستعد للتضحية بمنصبه، لكنهم لم يتراجعوا، وقد يطيحون به خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة.
أكثر من ذلك، أعلن الأمين العام للاتحاد أنه، بعد وضع الأولويات التي ضبطتها هيئة قرطاج، سيقع الشروع في مناقشة قائمة الوزراء الذين يجب استبدالهم، وليس من خيارٍ للشاهد سوى تنفيذ الأولويات التي وضعت له، من دون أن يشارك في ضبطها، وأن يغير الوزراء غير المرغوب فيهم، واستبدالهم بمن سيقع تسميتهم. إن لم يفعل ذلك، عليه أن يرحل، وسيقع التوافق بين الأطراف، وفي مقدمتهم الاتحاد، لاختيار رئيس حكومة جديد.
ليس هذا الاشتباك الأول من نوعه. إذ كلما حاولت السلطة السيطرة على الاتحاد أو إبعاده عن المجال السياسي، حصل الصدام بين الطرفين. وعندها إما أن تكون السلطة قويةً فتنجح في مهمتها بوسائلها القمعية، أو أن تكون الدولة ضعيفةً مثلما هو الحال اليوم، فإن النتيجة خضوعها واستسلامها لرغبة النقابات ومطالبها. هذا هو التحدّي، وهذا وجه من وجوه المأزق الذي تتخبط فيه تونس اليوم.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس