النفط أمام اختبار الأسعار

20 يونيو 2016
ارتفاع في أسعار النفط (Getty)
+ الخط -
سجل سعر النفط الخام أخيراً، ارتفاعاً ملحوظاً منذ تدهوره إلى أدنى مستوياته في وقت سابق من هذا العام. فبعد انزلاقه إلى ما دون مستوى الثلاثين دولاراً للبرميل مطلع العام الحالي، واصل النفط الخام صعوده متجاوزاً الخمسين دولاراً للبرميل خلال الأسبوعين الماضيين، رغم أن أعضاء منظمة "أوبك" لم يقوموا بإجراء جوهري لمساعدة سوق النفط على تحقيق التوازن المنشود.
في الواقع، ساهمت مجموعة من العوامل في ارتفاع سعر برميل النفط، مؤخراً، من بينها الانقطاعات المؤقتة للإمدادات وتزايد التوقعات بشأن وصول أسواق النفط إلى التوازن بين العرض والطلب قبل نهاية العام نتيجة توقعات بانخفاض حاد للإنتاج العالمي. وما لم تُظهر هذه المحفزات تماسكاً خلال الفترة المقبلة، فمن الممكن جداً أن يتخلى النفط الخام عن بعض مكاسبه التي حققها أخيراً.
ألقى واقع وفرة المعروض النفطي في السوق بظلال قاتمة على الأسعار خلال العام الماضي، يعود ذلك، جزئياً، نتيجة عدم حدوث تعطل كبير للإمدادات العالمية من النفط. لكن هذا الواقع قد تغير هذا العام مع تزايد الاضطرابات السياسية في أماكن مختلفة من العالم مثل ليبيا وفنزويلا ونيجيريا، والتي أدت إلى تعطل الإنتاج في تلك البلدان بشكل كبير. تضررت صناعة النفط بشدة في نيجيريا على وجه الخصوص، بعدما فجر مسلحون عدداً من آبار النفط وخطوط أنابيب رئيسية.

واليوم، فإن ما يقرب من نصف إنتاج نيجيريا، البالغ مليونين ونصف مليون برميل يومياً، أصبح خارج خط الإنتاج نتيجة الهجمات المسلحة المتكررة على منشآت النفط مع تزايد تهديدات المسلحين بخفض إنتاج النفط في نيجيريا إلى الصفر.
إضافة إلى العوامل الجيوسياسية التي أدت إلى تعطل الإمدادات، تسببت حرائق الغابات في كندا في تقليص ثلث إنتاج النفط في هذا البلد، أو ما يزيد على مليون برميل يومياً. ورغم استئناف بعض تلك المرافق تشغيلها لخطوط إنتاجها، مثل شركة "كونوكو فيليبس" التي تمكنت أخيراً من إعادة تشغيل واحد من مرافقها الرئيسية، إلا أنه قد يستلزم شهراً إضافياً قبل أن تتمكن "كونوكو فيليبس" ونظيراتها من العودة إلى مستويات إنتاج ما قبل اندلاع الحرائق. علاوة على ذلك، لا يزال العديد من منتجي النفط يفضلون التريث قبل إعادة تشغيل مرافق الإنتاج إلى أن يتم التأكد، تماماً، من إطفاء جميع الحرائق في منطقة الغابات.
لقد كان لتعطل الإمدادات تأثير واضح على أسعار النفط هذا العام، لكن ما إن تعود صناعة النفط في كندا إلى ذروتها الإنتاجية السابقة، فإنها قادرة على إضافة المزيد من الإمدادات إلى سوق لا تزال تعاني من وفرة في المعروض. وبالمثل، ما إن تبدأ هجمات المسلحين في نيجيريا بالتوقف، أو على الأقل تخف وتيرتها، فإن هذا البلد يمكن أن يستأنف إنتاج بعض من إمداداته التي فقدها خلال الأشهر الماضية. بعبارة أخرى، إن تعطل الإمدادات قد لا يستمر لفترة طويلة ما قد يبقي أسعار النفط تحت الضغط.
ساعد عامل أساسي آخر في ارتفاع أسعار النفط هذا العام، وهو الاعتقاد بأن إنتاج النفط العالمي سينخفض نتيجة ضعف كبير في الاستثمار العالمي في الصناعات النفطية، إضافة إلى تزايد التوقعات، بأن يشهد إنتاج الولايات المتحدة من النفط تراجعاً كبيراً خلال العامين المقبلين. في أحدث تقرير لها حول أسواق النفط، رفعت وكالة الطاقة الدولية مراجعتها لتوقعات الإنتاج من خارج منظمة "أوبك"، حيث باتت تتوقع، اليوم، تراجعاً بمعدل 800 ألف برميل يومياً، بنهاية العام الحالي، بعد توقعات سابقة بأن لا يتجاوز الانخفاض مائة ألف برميل يومياً فقط.
في هذا الصدد، قالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية الأسبوع الماضي إنها تتوقع تراجع إنتاج الولايات المتحدة من الخام بواقع 830 ألف برميل يوميا إلى 8.6 ملايين برميل يومياً في عام 2016، في حين سينخفض إنتاج 2017 بمقدار 410 آلاف برميل يوميا إلى 8.2 ملايين برميل يومياً.
يحمل الارتفاع الملحوظ لأسعار النفط الخام خلال الأسابيع الأخيرة في طياته مخاطر هبوطيه لا تزال قائمة، إذ إن الارتفاع الأخير جاء، بشكل أساسي، نتيجة انقطاع مؤقت في الإمدادات. أما في ما يتعلق بتوقعات تراجع إنتاج النفط العالمي، في المدى المنظور، فإن بيانات أسواق النفط المستقبلية كفيلة بالإجابة على هذه التوقعات لتحدد، تبعاً لذلك، المسار المقبل لأسعار النفط. بعبارة أخرى، لا تزال مخاطر عودة أسعار النفط إلى وتيرة التراجع، مجدداً، مرجحة بشكل كبير، وقد يكون سبباً كافياً، أيضاً، لإبعاد المستثمرين عن أسهم شركات النفط الأكثر خطورة في الوقت الراهن.
(باحث اقتصادي أردني)
المساهمون