النظام المصرفي الجزائري: واقع ومستقبل

11 فبراير 2015
القطاع المصرفي ينتظر الانطلاقة (فاروق باطيش/فرانس برس)
+ الخط -
تجمع العديد من الدراسات الاقتصادية الحديثة، على أن النظام المصرفي الجزائري لا يزال في مراحله الجنينية، وذلك بالنظر إلى حجم الاستثمارات التي تعرفها جميع القطاعات في البلاد، وبالنظر أيضاً إلى الوفورات المالية في الجزائر، منذ انتعاش أسعار النفط في السنوات القليلة الماضية. 

عجز احتواء الكتلة النقدية
ويلاحظ المتتبعون للشأن المصرفي الجزائري، أن المصارف الناشطة في البلاد، والبالغ عددها 20 مصرفاً وتسع مؤسسات مالية، عاجزة عن احتواء ما قيمته 40% من الكتلة النقدية الموجودة خارج الجهاز المصرفي، ما خلق لديها مشاكل عدة في التمويل. وقد تدخلت الدولة في الفترة الأخيرة في عمليات إعادة الرسملة لهذه المصارف.
ويؤكد رئيس جمعية المصارف والمؤسسات المالية الجزائرية، بوعلام جبار، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن هذا التأخر في مجال الخدمات المصرفية، وخاصة الإلكترونية منها، يرجع إلى اتساع شبكة المصارف العمومية والعدد الكبير من الزبائن. ويلفت جبار إلى أنه يوجد جهد من طرف هذه المصارف لتحسين الخدمات على كل المستويات، مما أدى إلى توسيع استعمال البطاقات الإلكترونية، لكن بقي استعمالها في عمليات الدفع ضعيفا جداً. ويحمّل جبار المسؤولية في ذلك للمصارف والمتعاملين معاً.
وفي الوقت ذاته، يلفت جبار إلى أن المصارف العمومية الجزائرية تقوم بنشاط كبير فيما يتعلق بمرافقة الاستثمارات وتمويل الاقتصاد الوطني بصورة عامة، وهذا يتضح جلياً من خلال الأرقام الرسمية المحصلة من طرف بنك الجزائر المركزي حول حجم القروض الممنوحة لتمويل الاقتصاد والتي تتعدى 58.13 مليار دولار. وتنمو هذه الأرقام بوتيرة معتبرة، حيث سجلت نسبة نمو قدرت بـ22% سنة 2013 مقارنة بـ2012، وتمت المحافظة على هذه الوتيرة أيضا سنة 2014.

تطور الخدمات المصرفية
ويرى الخبير في المصارف والمؤسسات المالية، عبدالرحمن بن خالفة، في تقييمه للواقع المصرفي والمالي الجزائري بصفة عامة، أن وسائل الدفع الكلاسيكية قد تطورت، إذ أصبح الشيك يعالج من ثلاثة أيام إلى سبعة أيام، بعد أن كانت مدة المعالجة قبل سنوات قليلة تصل إلى ثلاثة أشهر. ويؤكد بن خالفة على وجود فجوة كبيرة فيما يتعلق بالدفع الإلكتروني، فالبطاقات المصرفية الإلكترونية أصبحت تستعمل للسحب، لكنها لم تصل بعد إلى مستوى استعمالها في الدفع.
ويلفت بن خالفة في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أن المصارف والمؤسسات المالية الجزائرية، رغم تطورها، إلا أنها ما زالت تعاني من فجوة كبيرة بينها وبين حجم الاقتصاد. ويشير بن خالفة إلى وجوب أن يكون القطاع المالي صاحب الاستثمارات الكبيرة في السنوات المقبلة، بالإضافة إلى استثمارات جديدة للمصارف الدولية الكبرى، وذلك لأن السوق المصرفية في الجزائر ما زالت سوقاً ناشئة. ويدعو بن خالفة إلى ضرورة الإسراع في عصرنة المصارف العمومية، التي تستحوذ على ما نسبته أكثر من 85% من السوق، وأن يكون من بين الأولويات تطوير استعمال البطاقات المصرفية الإلكترونية.
وفي هذا السياق، يقول الأمين العام لمصرف البركة الإسلامي، ناصر حيدر، متحدثاً إلى "العربي الجديد"، إن المصرف الإلكتروني يحتاج إلى حماية معاملاته من التحويل والاختراقات، وهو الأمر الذي جعل السلطات تتأخر في إصدار نصوص تنظيمية تسمح للمصارف باستعمال هذه الخدمات، على الرغم من أنها تسمح ببعض الخدمات الإلكترونية، منها اطلاع العملاء على أرصدتها ومعاملاتها المصرفية إلكترونياً.
أما فيما يتعلق بتنفيذ الأوامر والتعاملات المصرفية، فيؤكد حيدر أن الأمر يحتاج إلى نص تنظيمي يسمح بها صراحة بذلك، كما أنه لا يوجد نص يمنع هذه التعاملات في الوقت نفسه. ويلفت حيدر إلى صدور نص قانوني أخيراً يسمح فقط بالتوقيع الإلكتروني، وهي الخطوة التي اعتبرها جداً هامة في مسار عصرنة القطاع المصرفي.
ويضيف حيدر ناصر، "إننا مضطرون وملزمون، عاجلاً أم آجلا، إلى ولوج هذا المجال ومواكبة التطور العالمي، لأنه مسار تطور طبيعي وعالمي حتمي".
ويتحدث مراقبون عن تردي نوعية الخدمات المصرفية المقدمة والبيروقراطية الثقيلة، خاصة فيما يتعلق بالمصارف العمومية. وهي الوضعية التي يقول بشأنها الخبير الاقتصادي عبدالمالك سراي، إنها أسهمت في نفور المواطن من هذه المصارف وتفضيله للادّخار المنزلي. ويدعو سراي في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى تحديث عمل هذه المصارف وفسح المجال للكفاءات الشابة للعمل فيها، وذلك لتطويرها وتقديم خدمات أفضل لزبائنها.
ويؤكد الخبير الاقتصادي، عبدالرحمن مبتول، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن ما نسبته 85% أو يزيد من التمويلات الخاصة بالمشاريع الاستثمارية، تستحوذ عليها المصارف العمومية، فيما تمول 15% المتبقية المصارف الخاصة. ويرجع مبتول ذلك إلى سياسة الدولة منذ الاستقلال، الرامية إلى تشجيع القطاع العام على حساب الخاص، حيث تخضع المصارف العمومية في كثير من الأحيان لقرارات سياسية تفرض عليها توجهات معينة، لا تتماشى مع مهمتها الاقتصادية، ما يؤكد أن مشكلتها هي مشكلة تسيير وليست مشكلة كفاءات.
دلالات
المساهمون