النظام السوري يستكمل محاولة إطاحة سوتشي... وواشنطن تنعى أستانة

05 ديسمبر 2018
تتفاقم مأساة النازحين السوريين (عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -
تعكس التطورات الميدانية في ريف إدلب الجنوبي، حيث يصعّد النظام هجماته الجوية التي تستهدف المدنيين منذ أيام في المناطق الخاضعة لاتفاق خفض التصعيد، ما تسبب بموجة نزوح جديدة، بالتزامن مع استمرار استقدامه التعزيزات العسكرية، فضلاً عن فشل الجولة الحادية عشرة من محادثات أستانة المخصصة لتشكيل اللجنة الدستورية، إصراراً على محاولة إطاحة اتفاق سوتشي وتعطيل أي محاولة لتحقيق اختراق في المسار السياسي. ودفعت هذه التطورات المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري، لنعي مسار أستانة الذي تقوده الدول الضامنة، تركيا، وروسيا، وإيران، داعياً إلى العودة لمسار جنيف الأممي.

وواصلت قوات النظام السوري قصفها المدفعي على قرى وبلداتٍ في ريف إدلب الجنوبي. واستهدف القصف ليل الإثنين-الثلاثاء، مناطق تحتايا، والتمانعة، وخان شيخون، وحيش، وجرجناز، والتح، وقرى وبلداتٍ أخرى.



ووفقاً لخريطة المواقع المستهدفة، فإن قوات النظام تقصف قرى وبلدات قريبة من الأوتستراد الدولي (إم5)، الذي يقطع إدلب آتياً من حلب نحو حماة وصولاً لدمشق. وهو الاوتستراد نفسه الذي تحدث مسؤولون أتراك وروس بعد اتفاق "سوتشي"، أنه سيتم فتحه مع أوتستراد (إم4) الواصل بين حلب واللاذقية قبل نهاية هذه السنة، بدون وجود أي مؤشراتٍ تدل على أن ذلك قد يتم فعلاً.

نزوح وإغلاق مدارس

وتسبب تصعيد قوات النظام العسكري في ريف إدلب الجنوبي بحركة نزوح كبيرة من القرى والبلدات التي تتعرض للقصف، أبرزها التح وجرجناز التي هجرها معظم سكانها في الأسبوعين الأخيرين، نحو مناطق أكثر أمناً في عمق إدلب.

وفي هذا السياق، قال رئيس المجلس المحلي في جرجناز، حسين الدغيم، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "أعداد النازحين كبيرة جداً. ففي بلدة جرجناز التي يتجاوز عدد سكانها 23 ألف نسمة، بقي منهم حالياً نحو ألفي شخص فقط، وغالبهم من الشبان، أما بالنسبة لبلدة التح التي بلغ عدد سكانها 18 ألفاً، فما تبقى من سكانها حالياً لا يتجاوز الألف".
من جهتها، قالت الأمم المتحدة، إن أعداد النازحين من قراهم في إدلب، خلال الأيام الأخيرة، زادت عن العشرين ألف مدني.
وأعلن نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، أن هذا العدد يشمل مدنيين بما فيهم نساءٍ وأطفالٍ، وقد فروا من قراهم بسبب قصف قوات النظام.
وقال حق، في مؤتمر صحافي في مقر المنظمة الدولية في نيويورك، مساء الإثنين، إن العديد من العائلات النازحة حديثاً تقيم في العراء بسبب الافتقار إلى مأوى وهي بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية. ودعا جميع الأطراف، وأولئك الذين لديهم نفوذ عليهم، إلى ضمان حماية المدنيين والبنى التحتية المدنية بما يتماشى مع التزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي.
وكانت "مديرية تربية إدلب" أعلنت السبت الماضي تعليق دوام بعض المدارس في ريف إدلب الجنوبي، ومنها مدارس شهداء التح، وثانوية الإناث، والمحبة، وذلك على إثر قصف النظام العنيف لقرى ريف إدلب الجنوبي، قبل أن تعلن المديرية أمس الثلاثاء، تمديد تعليق الدوام يومين إضافيين، بسبب استمرار القصف.

تعزيزات عسكرية

ودان الائتلاف الوطني في بيان له الخروقات والجرائم التي ترتكبها قوات النظام والمليشيات الإيرانية شمال غربي سورية، بما في ذلك قصف بلدتي جرجناز والتح، والذي أسقط عشرات الضحايا المدنيين بين قتيل وجريح، خلال الأيام القليلة الماضية. وشدد بيان الائتلاف على أن جميع أطراف المجتمع الدولي مسؤولون عن تطبيق الاتفاق الروسي – التركي لمنع وقوع كارثة إنسانية في إدلب، وطالب بالضغط على النظام للالتزام بالاتفاق وتحريك العملية السياسية.
ومع تواصل قصف قوات النظام شبه اليومي منذ أسبوع على بلداتٍ وقرى قريبة من الأوتستراد الدولي (إم-5)، فإن تعزيزات عسكرية جديدة لقوات النظام وصلت إلى ريف اللاذقية الشمالي، قريباً من خطوط المواجهة، مع الفصائل العسكرية المتعددة، التي تسيطر على الجانب الآخر من ريف اللاذقية، والمتصل بباقي مناطق محافظة إدلب.
في المقابل، قالت "هيئة تحرير الشام"، التي تُشكل "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً) عمادها الأساسي، إنها حشدت قوات عسكرية لها في بعض نقاط التماس مع قوات النظام على أطراف إدلب.

اقتتال "الهيئة" و"الجبهة"

وإلى جانب التصعيد العسكري للنظام في إدلب، فإن اقتتالاً جديداً نشب في ريف المحافظة الغربي بين "هيئة تحرير الشام" و"الجبهة الوطنية للتحرير"، إذ دارت مواجهات مسلحة بين الطرفين أدت إلى سقوط قتلى.
وسيطرت "هيئة تحرير الشام" ليلة الثلاثاء على قريتي جدرايا وإنب في ريف إدلب الغربي، بعد مواجهات مع "حركة أحرار الشام" المنضوية في "الجبهة الوطنية للتحرير". وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن الهيئة استقدمت تعزيزات إلى القريتين بعد تمركز "أحرار الشام" فيها، لتدور مواجهات عنيفة أسفرت عن انسحاب عناصر الأخيرة منهما.
وبحسب المصادر فإن المواجهات أسفرت عن سقوط نحو 10 عناصر من الطرفين بين قتيل وجريح، إضافة إلى عطب العديد من الآليات نتيجة أعمال الاستهداف بالرشاشات الثقيلة.
وكانت المواجهات بين الجانبين، اندلعت الإثنين، بعد إقامة "حركة أحرار الشام" مقراً لها على أطراف قرية جدرايا، القريبة من محاور المواجهة مع النظام في جسر الشغور وسهل الغاب، إلا أن "هيئة تحرير الشام" اعترضت على ذلك، وهاجمت القرية المذكورة، ومنعت إقامة المقر.

مصير "آستانة" بعد أسبوعين

وتثير التحركات العسكرية الأخيرة في محيط إدلب، تساؤلاتٍ حول مصير الاتفاق التركي-الروسي في "سوتشي" يوم السابع عشر من أيلول/سبتمبر الماضي، ولو أنه لا مؤشرات كبيرة على نية طرفيه الأساسيين إنهاءه.
وفي السياق، ومع تكرار التصريحات الروسية، عن أن الاتفاق لم يتم تطبيقه حتى الآن بالصورة التي تريدها موسكو، كان نائب وزير خارجية النظام السوري، فيصل مقداد، قد قال منذ يومين في تصريحاتٍ لموقعٍ لبناني، إن نظامه لا يرى بأن الاتفاق التركي-الروسي حول إدلب قد سقط ولكن "نحن نقول إن الاتفاق لم يطبق بالشكل الذي كان يجب أن يطبق عليه… نحن على تنسيق تام مع الجانب الروسي".
وتحدث المقداد عن دفع النظام "باتجاه إنجاح دور أستانة في عملية رحيل القوات الأجنبية غير الشرعية من سورية"، وذلك بعد يومين من انتهاء اجتماعات النسخة الحادية عشرة من مسار أستانة، الذي قالت الولايات المتحدة إنها قد تسعى لإنهائه قريباً، في حال فشلت مساعي المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في المضي قدماً بمسألة تشكيل اللجنة الدستورية.

وجاء الكلام الأميركي على لسان المبعوث إلى سورية، جيمس جيفري، في مؤتمر صحافي عقده في مقر الخارجية الأميركية، عقب اجتماع لممثلي المجموعة الغربية المصغرة حول سورية، وتضم كلا من أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، إضافة إلى مصر والأردن والسعودية. كما شارك في الاجتماع رئيس هيئة التفاوض السورية التابعة للمعارضة نصر الحريري.
وأشار جيفري إلى أن الولايات المتحدة ستنتظر يوم الرابع عشر من الشهر الحالي، حيث سيقدم دي ميستورا تقريراً لمجلس الأمن، بخصوص مسار تشكيل اللجنة الدستورية. وأوضحت أنه في حال تبين وصول هذا المسار لأفق مسدود، فإن الولايات المتحدة، ستعمل إلى عودة المحادثات الدولية حول سورية إلى جنيف برعاية الأمم المتحدة.
ويعترض النظام السوري، على القائمة الثالثة من قوائم اللجنة الدستورية، وهي القائمة التي من المفروض أن يعينها دي ميستورا، وتضم مستقلين من المنظمات المدنية، وحقوقيين وسياسيين سوريين مستقلين، وسيكون عددهم مماثلاً لأعداد قائمتي المعارضة والنظام.