النظام السوري يدفع اتفاق سوتشي للانهيار... والمعارضة تستعد للرد

07 مارس 2019
يواصل النظام تصعيده العسكري في إدلب (أنيس دياب/الأناضول)
+ الخط -

يواجه اتفاق سوتشي، المبرم بين الطرفين التركي والروسي في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، لتجنيب محافظة إدلب ومحيطها عملاً عسكرياً، تحدياً قد يكون الأكبر له، ليصبح على حافة الانهيار، مع التصعيد العسكري واسع النطاق من قبل قوات النظام السوري في شمال غربي البلاد، الأمر الذي دفع المعارضة السورية إلى الدعوة إلى مؤتمر عام يجمع القوى السياسية والعسكرية المعارضة لاتخاذ قرارات "مهمة جداً"، بحسب ما يكشف قيادي بارز في الجيش السوري الحر، لـ"العربي الجديد". وجاء تصعيد النظام، المدعوم بحديث روسي متواصل عن أن اتفاق سوتشي مؤقت ولم يُنفذ بشكل كامل، مقابل سعي تركي لإزالة أي مبررات أمام هذين الطرفين لتهديد الاتفاق، عبر تطبيق المطلوب منها بمنع أي خروق للتهدئة، وأخيراً سعيها لفتح الطرق الدولية المغلقة منذ ثماني سنوات في شمال غربي سورية، الأمر الذي يُتوقع أن يؤجل بعد التطورات العسكرية، على الرغم من أن اتفاق سوتشي كان نصّ على إعادة فتح هذا الطرف نهاية العام الماضي.

وبعد تمادي قوات النظام في تجاوز التفاهمات التركية الروسية الخاصة في محافظة إدلب ومحيطها، والذي وصل إلى درجة قصف مناطق بالقرب من نقاط مراقبة تركية في محيط محافظة إدلب، أكد قيادي بارز في الجيش السوري الحر، فضّل عدم ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المفاوضات بين موسكو وأنقرة حول تنفيذ اتفاق سوتشي بكل بنوده "لم تثمر عن نتائج"، مضيفاً: "الوضع بات معقداً جداً بين كل من تركيا وروسيا، على ضوء القصف الجوي والمدفعي الذي لا يكاد يهدأ في شمال غربي سورية، في تجاوز سافر لاتفاق سوتشي". وكشف القيادي أنه يجري الإعداد لـ"عقد مؤتمر عام يجمع القوى السياسية والعسكرية السورية المعارضة برعاية من الحلفاء"، مردفاً بالقول: "الاجتماع سيعقد على الحدود السورية التركية، وسيكون مهماً جداً جداً". وأوضح القيادي أن الاجتماع "سيضم وفد قوى الثورة العسكري إلى مفاوضات أستانة، وقيادة الجيش الوطني، وقيادة الجبهة الوطنية للتحرير، والائتلاف الوطني، وهيئة المفاوضات، والمجلس الإسلامي السوري، وأهم الشخصيات الفاعلة"، متوقعاً انهيار اتفاق سوتشي برمته "في حال لم يتوقف القصف من قبل النظام وحلفائه".

وتؤكد تصريحات القيادي المعارض أن الموقف في شمال غربي سورية يتجه إلى التصعيد، وربما فتح الجبهات بين المعارضة والنظام، خصوصاً أن الأخير لم يوقف محاولاته لإسقاط اتفاق سوتشي، الموقّع في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، بين الطرفين التركي والروسي، وتم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تراوحت بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. وبدأت قوات النظام، منذ مطلع فبراير/شباط الماضي، تصعيداً عسكرياً على المنطقة منزوعة السلاح الثقيل، ما أدى إلى مقتل وإصابة المئات من المدنيين، وتهجير نحو 100 ألف مدني آخرين من ريفي إدلب وحماة. ودأب النظام، منذ أشهر، على الترويج لعمل عسكري واسع النطاق، ضد محافظة إدلب، متحدثاً عن "حشود عسكرية كبيرة في ريف حماة الشمالي". وتوعّد بـ"فتح كل الجبهات"، في سياق حرب نفسية وإعلامية وضغط على الحاضن الاجتماعي للمعارضة السورية.


ولم يستطع الطرفان التركي والروسي تطبيق كامل بنود اتفاقهما في مدينة سوتشي، والذي أعلن عنه رئيسا البلدين، خصوصاً إعادة فتح الطريقين حلب-اللاذقية، وحلب-حماة، قبل نهاية العام الماضي، بسبب عدم التزام النظام بالاتفاق، وعدم الضغط الروسي الكافي عليه للالتزام، فيما تواجه أنقرة أزمة حل ملف "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) ومجموعات متشددة أخرى، وهو من الملفات الشائكة التي حاول الأتراك التعامل معه بـ"قفازات ناعمة"، خشية انزلاق المنطقة التي تضم نحو 4 ملايين مدني إلى صراعات متشعبة يصعب السيطرة عليها.
وكانت قد ظهرت، في الأيام الأخيرة، مؤشرات على قرب فتح الطرق الدولية في شمال وشمال غربي سورية المغلقة منذ نحو ثماني سنوات، إذ أعلن معبر "باب السلامة" الحدودي مع تركيا السماح بدخول الشاحنات التركية التجارية المحمّلة بالبضائع إلى الأراضي السورية، ابتداء من مطلع الشهر الحالي. وينص اتفاق سوتشي على استئناف النقل عبر طريقي حلب-اللاذقية، وحلب-حماة، قبل نهاية العام الماضي، ولكن تطورات الموقف العسكري والأمني حالت دون ذلك. وينص الاتفاق على أنه "ستجري استعادة طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب-اللاذقية) وإم 5 (حلب-حماة) بحلول نهاية عام 2018". وتسيطر المعارضة السورية على أوتوستراد حلب-اللاذقية من منطقة الراشدين في ريف حلب الغربي، والتي تعتبر منطقة اشتباك، مروراً بمدينتي سراقب وأريحا ثم ريف جسر الشغور في ريف إدلب، إلى ريف اللاذقية الشمالي عند منطقة الناجية.

ومن الواضح أن السيطرة على الطريقين الدوليين هي أحد أهداف النظام من التصعيد العسكري المتواصل، وهو ما يفسر تركيز القصف على ريف إدلب الجنوبي الذي يمر به الطريقان اللذان يسهم استئناف النقل عبرهما في إعادة الحياة إلى مدينة حلب، المدينة الصناعية الأولى في سورية والتي يسيطر عليها النظام. ويبدو أن النظام يسعى إلى انتزاع السيطرة على كامل المنطقة منزوعة السلاح الثقيل، في خطوة لوضع يده على الطريقين الدوليين لتسجيل انتصار إعلامي، خصوصاً أن الجانب الروسي ترك الباب موارباً أمام احتمال شن هجوم على محافظة إدلب، إذ زعم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، منذ أيام "أنّ بنود الاتفاق الذي توصّلت إليه روسيا وتركيا حول إدلب، لم تنفّذ بشكل كامل بعد"، متناسياً خروقات النظام للاتفاق، وهو ما أدى إلى توتير الموقف في شمال غربي سورية، وطرح أسئلة حول جدية الجانب الروسي في الحفاظ على الوضع في محافظة إدلب ومحيطها بعيداً عن التصعيد.

وجددت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، القول، أمس، إن "الوضع الحالي في سورية، بشكل عام، يمكن تقييمه بأنه مستقر، وتبقى بؤر التوتر الرئيسية قائمة في محافظة إدلب، في شمال شرقي سورية وجنوبها، والوضع خطير للغاية في منطقة خفض التصعيد في إدلب". وأعلنت أن "ممثلي وزارتي الدفاع في روسيا وتركيا واصلوا عملهم، للتوافق على مجموعة من التدابير من أجل التنفيذ الفعال والكامل لمذكرة سوتشي"، مؤكدة أن "روسيا تتطلع إلى أن يؤدي تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين العسكريين، إلى انعطاف واستقرار الوضع في إدلب وحولها، وكذلك إلى تحييد التهديد الإرهابي القادم من هناك".

في المقابل، تؤكد المعارضة السورية المسلحة أنها قامت بما عليها لإنجاح الاتفاق الروسي التركي، ولكن النظام هو من يصر على التصعيد العسكري للإطاحة بالاتفاق، متوعداً باسترجاع محافظة إدلب سلماً أو حرباً، وهو ما تدرجه المعارضة في خانة المستحيل.
وفي هذا الصدد، قال القيادي في الجيش السوري الحر، العقيد فاتح حسون، "إن القصف الشديد والممنهج الذي تقوم به قوات النظام والمليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني تارة، والذي يقوم به الفيلق الخامس والمليشيات المرتبطة به المحسوبة على روسيا تارة أخرى، لم يبدل في موقف بعض الفصائل الرافضة لتنفيذ فقرة فتح الطرق الدولية من اتفاق قمة سوتشي حول إدلب"، في إشارة منه إلى "هيئة تحرير الشام"، ومجموعات تدور في فلكها. وأشار حسون إلى "أن القصف والتهجير المتسبب فيه للآلاف من المدنيين من عشرات البلدات والقرى في أرياف إدلب وحماة، لم يولد سوى الإصرار على القتال وتنفيذ عمليات انغماسية ضد العدو المصمم على قتل وتهجير المدنيين بلا وازع أخلاقي، ولا ضمير"، مضيفاً: "بات هذا القصف الإجرامي أداة ضغط على تركيا تستخدمها روسيا وإيران لتحقيق مصالحهما شرق الفرات، وليس من أجل تطبيق اتفاق قمة سوتشي حول إدلب".