النظام السوري جنّ: "الاتصالات للجميع"

18 ابريل 2016
ارتفاع أسعار المكالمات في سورية (Getty)
+ الخط -
لا شيء يمكن أن يوضح انفصام النظام السوري عن الواقع أكثر من المرسوم الرئاسي الصادر حديثاً، والمتعلق بقطاع الاتصالات في سورية. إذ تم استحداث ما يسمى "صندوق دعم الخدمة الشاملة" وفق المرسوم. ويهدف الصندوق إلى الارتقاء بدولة الرفاهية والاستقرار التي يحكمها النظام السوري عبر "إتاحة خدمات اتصالات عمومية إلى جميع أفراد المجتمع أياً كان موقعهم الجغرافي حتى في الأماكن غير المجدية اقتصادياً بحيث تكون مناسبة من حيث السعر والجودة". لا يكمن الانفصام عن الواقع حصراً بأن ملايين السوريين يفتقدون إلى ما هو أكثر إلحاحاً من خدمة الاتصالات، منها الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية، بل أيضاً في أن سياسات الحكومة بالتحديد هي ما "منع الخدمة" عوضاً من إتاحتها إلى مئات آلاف السوريين، كما أدت إلى تدني جودتها وارتفاع أسعارها على نحو يصفه كثيرون بأنه "مذهل".
يؤكد مهندس الاتصالات خير الدين عماش أنه لا يمكن تحديد القيمة الفعلية للمرسوم الجديد، إذ يبدو أنه يحاكي خطوات تحديثية اتخذتها قطاعات الاتصالات في دول عديدة. ويقول: "على سبيل المثال، تم إنشاء "صندوق الخدمة الشاملة" في السعودية قبل نحو عشر سنوات وهو مسؤول عن فض العروض التي يقدمها مقدمو الخدمة بشفافية وفي أجواء تنافسية وحيادية. ولذلك لا يعرف إن كان ذلك مقدمة لإتاحة المجال لدخول مشغل خليوي جديد إلى السوق إلى جانب الشركتين القائمتين".
وتعود وعود الحكومة السورية فيما يتعلق بكسر الاحتكار في قطاع الخليوي إلى العام 2010، وقد بقيت تردد هذا الوعد في كل عام تقريباً وحتى وقت قريب. وعادة ما يكون الهدف الرئيسي من إحداث "صندوق الخدمة الشاملة" بحسب عماش هو "تحقيق أكبر قدر من المساواة والعدالة الاجتماعية، والإسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عبر إتاحة الخدمة للمناطق النائية وقليلة الكثافة السكانية". يعتبر الباحث الاقتصادي رياض سرحان هذا الهدف، وضمن الظروف الحالية، "مجرد دعاية إعلامية أو عبارة عن أوهام في أحسن الأحوال. إذ دمرت سياسات الحكومة قطاع الاتصالات، ولا يعرف مدير الاتصالات أساساً، وفق تصريح علني له، حجم الخسائر التي تعرض لها القطاع الذي يديره. هذا فضلاً عن أن أكثر من 60 % من الأراضي خارج سيطرة النظام ومعظمها قطعت عنه الخدمة بصورة متعمدة كجزء من سياسة الحصار والعقاب الجماعي".


لم تكتف شركات الاتصالات بقطع الخدمات عن مناطق شاسعة في سورية، ولكنها رفعت الأسعار وبشكل خاص أسعار المكالمات الخارجية مع دول يتواجد فيها ملايين السوريين مثل لبنان والأردن وتركيا. فقد حدث ذلك قبل نحو عامين من اليوم، عندما أدركت شركات الاتصال إمكانية تحقيق أرباح طائلة من معاناة ملايين السوريين، حيث رفعت الشركات السورية أسعار الاتصال للدقيقة الواحدة إلى تركيا التي استقبلت أكبر عدد من اللاجئين (نحو 3 ملايين لاجئ سوري) أكثر من أربعين ضعفاً من 30 ليرة إلى 1214 ليرة سوريةكما ارتفعت أسعار أجهزة الهاتف الخليوي (الموبايل) بصورة "مذهلة" كما يقول فريد المقيم في العاصمة دمشق لـ "العربي الجديد". إذ "لم يعد ممكناً بالنسبة لغالبية السوريين شراء جهاز موبايل جديد وخصوصاً بعد الانهيار الأخير لسعر صرف الليرة". ويضيف فريد "مع تذبذب سعر الصرف خلال الشهر الماضي، باتت متاجر بيع أجهزة الخليوي تعرض سعر الجهاز وبجانبه ملاحظة مفادها "السعر عرضة للتبدل في أية لحظة"
تقول رنا ساخرة "إنه عليها اليوم إذا أرادت شراء جهاز موبايل حديث وبسعر متوسط أن تدخر راتبها الشهري كاملاً لمدة نصف عام". وتضيف: "أسعار الموبايلات الحديثة والفاخرة كانت تقدر قبل عامين بعشرات آلاف الليرات أما اليوم فيصل سعرها إلى مئات الآلاف. ولم يرتفع الراتب الشهري للمواطن السوري بصورة موازية، أو حتى مقاربة، لارتفاع الأسعار الهائل الذي نشهده". ولتوضيح الصورة، فإن المبلغ الذي يحتاجه السوري اليوم لشراء ثلاثة أجهزة موبايل حديثة كان يتيح له شراء منزل صغير في منطقة شعبية في العاصمة دمشق قبل اندلاع الثورة.
وتتضاعف المشكلة عندما يدفع المواطن أسعاراً مرتفعة لقاء خدمة سيئة. فرغم حديث "الشركة السورية للاتصالات" المتكرر عن "حل مشكلة البطء في سرعة الإنترنت" احتلت سورية المركز 186 عالمياً والمركز الأخير عربياً ضمن 16 دولة، بما يخص سرعة الإنترنت وفق تقرير حول توجهات الإنترنت العالمية أصدره معهد الأبحاث الألماني.
انقطاع الخدمة أو ترديها وارتفاع أسعارها، دفع الكثير من السوريين الذين يعيشون في مناطق محاذية للحدود، الاعتماد على شبكات الاتصالات التي تعمل في الدول المجاورة والتي "قامت بتوسيع نطاق تغطيتها ليشمل بعض المناطق السورية وخصوصاً الشركات التركية" بحسب ما يقول رياض سرحان. ويعتبر سرحان أن من بين أهم أسباب سوء الخدمة وارتفاع الأسعار هو "انعدام المنافسة، حيث تسيطر شركتان فقط على سوق الخليوي ولديهما مجلس مشترك ينسق الأسعار والعروض وكل شيء وكأنهما شركة واحدة".
المساهمون