النشاط الإقليمي حول سورية: أولويات تركية حاسمة لصياغة حلّ

17 اغسطس 2016
حلب حاسمة في شكل التفاهمات السياسية (ابراهيم أبو ليث/الأناضول)
+ الخط -
بات الملف السوري مفتوحاً على كل الاحتمالات، بعد سلسلة الخطوات السياسية التي تلاحقت في الأسبوعين الأخيرين. تغيُّر المناخ العام في سورية والمنطقة بدأ بعد الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مطلع شهر أغسطس/آب الحالي إلى مدينة سانت بطرسبورغ الروسية، ولقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين. واستُتبعت بزيارة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى أنقرة، ما أعاد الآمال لإمكان فك الاستعصاء في هذا الملف. وبالإضافة إلى الآلية الثالثة التي تم تشكيلها بين أنقرة وموسكو للتنسيق (آلية مشكّلة من جيشي البلدين وجهازي استخباراتهما ووزارتي خارجيتهما للتنسيق بشأن سورية)، بدأ يلوح في الأفق محور إيراني ـ روسي ـ تركي، لتقاسم النفوذ في سورية، بما يضمن مصالح الجميع مع محاولة إرضاء القوى الإقليمية الأخرى. الأمر الذي بدا واضحاً من خلال تصريحات الموفد الروسي، نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، الذي بدأ جولة شرق أوسطية، يوم الاثنين، تشمل كلاً من قطر والسعودية والأردن وإيران.

في هذا الإطار، أكد بوغدانوف، بعد لقائه ظريف، في تصريحات لوكالة "سبوتنيك" الروسية، أن "لقاءً ثلاثياً بين كل من تركيا وروسيا وإيران، سيتم في وقت قريب لمناقشة الوضع السوري"، مضيفاً أنه "تمّ الاتفاق مع إيران على عقد لقاءات ثنائية مع تركيا من قبل إيران وروسيا، لمناقشة قضايا الشرق الأوسط، تحديداً سورية، كما أنه من الممكن عقد لقاء مشاورات ثلاثية تجمع وزراء خارجية تلك الدول".

يبدو المحور الجديد مريحاً لجميع الأطراف، علماً أنه لطالما دفعت الإدارة الأميركية الأتراك والمعارضة السورية للتفاهم مع الروس، فبالنسبة لواشنطن ما يعنيها في سورية هو ضرب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بأسرع وقت ممكن، أو على الأقل لتحقيق تقدم يرفع من أسهم الحزب الديمقراطي ومرشحته هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية المقررة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

ولا ترى الولايات المتحدة نفسها في حالة مواجهة مع أحد، وذلك بينما تُجمع الأطراف الثلاثة الباقية، أي إيران وتركيا وروسيا، على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، كلٌّ لأسبابه. الإيرانيون والأتراك قلقون من صعود حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني) بمشروعه الفيدرالي، الذي قد يكون له تأثير بالغ على أكراد البلدين. أما الروس فيرون في الاتحاد الديمقراطي، مجموعة براغماتية متحالفة مع الأميركيين، بل تشكّل العلاقة مع الاتحاد "عائقاً" في وجه تحالفهم مع أنقرة.

وبينما تستمر المحادثات التركية الإيرانية الروسية، تتخذ الدول العربية دوراً أقرب للمتفرج، وتبدو غارقة في أزماتها ودمارها. وفي غضون ذلك، تتسرّب إلى وسائل الإعلام عدد من الخطط والقضايا المطروحة للحوار بين الروس والأتراك، وتحدثت وسائل إعلام روسية عن طلبات روسية من تركيا بإغلاق الحدود مع المعارضة لخنقها. مطالب تبدو منطقية من قبل روسيا، ولكن ضمان مصالح أنقرة المتمثلة بحماية نفوذها في كل شمال سورية وبالذات في حلب، تقف في وجه تحققها، وكذلك ضمان بناء الدولة السورية بما لا يدع مكاناً للاتحاد الديمقراطي ومشروعه الفيدرالي.




يحصل ذلك في الوقت الذي أرسلت فيه أنقرة بعض الإشارات التي توحي بالتراجع عن موقفها الحاد من ضرورة مغادرة الرئيس السوري بشار الأسد منصبه مع بداية المرحلة الانتقالية. الأمر الذي أشار إليه رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، في تصريحات لجريدة "قرار" التركية، يوم الاثنين، بقوله: "لن تكون الدولة السورية الجديدة مستندة إلى أي بنية مذهبية أو عرقية أو مناطقية، أي أنه ستتم إعادة هيكلة الدولة السورية في سبيل اقتلاع المشكلة الدموية الحالية. وبما أن بنية الدولة الجديدة لن تكون مذهبية، فإن هذا يحمل معنى ألا يكون هناك وجود للرئيس السوري بشار الأسد على المدى البعيد". وأضاف أن "الحل سيكون بالتأكيد قائماً على مبدأ الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، لذلك فإنه لن يسمح بوجود بنية دولة، كتلك التي يسعى إليها حزب الاتحاد الديمقراطي في البلاد".

وعاد يلدريم، أمس الثلاثاء، في كلمته الأسبوعية أمام كتلة حزبه "العدالة والتنمية" البرلمانية، للتأكيد على أن "المحرك الأساسي للدبلوماسية التركية لم يعد إسقاط النظام، بقدر ما بات ضرب مشروع الاتحاد الديمقراطي بالتعاون مع إيران". وأضاف أنه "لا بدّ من حماية وحدة الأراضي السورية. لا يُمكن لأحد أن يأتي ويقول سأمنح الغرب السوري لأحدهم والجنوب لآخر وسأمنح الشمال للأكراد. لا شيء كهذا سيحدث"، لافتاً إلى أن "على الجميع تجاوز هذه الطروحات، وعلى الجميع الابتعاد عن هذه الأفكار، التي تريد أن تصنع دولة كردية لتشكل حاجزاً بين الشرق الأوسط وتركيا، لأنها لن تأتي بالحل. وإن أكثر العارفين بمشاكل هذه المنطقة هم دول المنطقة، وإيران وتركيا هما أكثر العارفين بين هذه الدول، وهما من سيأتي بالحلّ". وتابع "أما الباقون، سواء الولايات المتحدة أو روسيا وباقي قوى التحالف، فإن أرادوا حلاً حقيقياً، فلا بدّ من أن يتم الحفاظ على وحدة الأراضي السورية".

وبينما يستمر التواصل التركي الروسي للتفاهم حول العرض التركي بالقيام بعمليات مشتركة في سورية، أكد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، يوم الاثنين، قرب التوصل لاتفاق مع واشنطن حول عمليات في حلب، قائلاً "دخلنا مرحلة نشطة من المفاوضات مع الشركاء الأميركيين في جنيف وعمان، كما أننا على اتصال دائم مع واشنطن". وتابع "نحن نقترب خطوة بعد أخرى من صيغة، وأنا أتحدث هنا فقط عن حلب، ستسمح لنا بأن نبدأ النضال سوياً من أجل استعادة السلام على هذه الأرض، لكي يتمكن الناس من العودة إلى بيوتهم". الأمر الذي رفضت وزارة الدفاع الأميركية التعقيب عليه.




في غضون ذلك، تبدو زيارة الطوارئ التي سيقوم بها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، لأنقرة في 24 أغسطس/آب الحالي، محورية للغاية، لناحية تحديد مصير هذا المحور الجديد، وما سينتجه من اتفاقات، سواء على شكل الدولة السورية المقبلة أو دور الاتحاد الديمقراطي فيها. وذلك في الوقت الذي تجنّبت فيه الدبلوماسية الأميركية التصعيد مع أنقرة، بعد التوتر في العلاقة بينهما، إثر المطالب التركية بتسليم زعيم حركة الخدمة فتح الله غولن، الذي تتهمه الدولة التركية بقيادة المحاولة الانقلابية.

في هذا السياق، أعرب وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، أمس، في بيان، عن شكره للحكومة التركية، لدعمها عملية تحرير مدينة منبج من سيطرة "داعش"، قائلاً: "أود انتهاز هذه الفرصة لأعبر عن تقديري لدعم الحكومة التركية لهذه العملية المهمة"، بينما وصفت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية إليزابيث ترودو، يوم الإثنين، عملية تحرير مدينة منبج، بأنها "تتمة للعمليات المستمرة التي ينفذها التحالف من أجل تقليل خطر داعش على تركيا، وذلك عن طريق دعم المعارضة السورية المحاربة للتنظيم، التي تم تدقيق في خلفياتها والموجودة قرب خط مارع، بريف حلب، المحاذي للحدود مع تركيا منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي".

وجاء ذلك رداً على دعوة وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، الإدارة الأميركية للالتزام بتعهداتها، في ما يخص انسحاب قوات الاتحاد الديمقراطي بعد الانتهاء من عملية منبج، وذلك بينما أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الرائد أدريان رانكين غالواي، الإثنين، التزام واشنطن بتعهداتها لأنقرة، بالقول"كنا واضحين مع جميع عناصر هذه العملية، بأن الهدف من هزيمة داعش في منبج هو إعادتها إلى سيطرة وحكم السكان المحليين". وأضاف: "الولايات المتحدة ممتنة ليقظة تركيا وشراكتها في معركة مكافحة داعش، ونحن ملتزمون بتنفيذ هذه العمليات بطريقة تتلاءم مع التعهدات التي اتفق عليها بلدانا، وسنستمر بالتواصل مع أنقرة في هذا المجال وغيره".

وعلى الرغم من التوتر الكبير بين كل من أنقرة وبروكسل، إثر المواقف الأوروبية المترددة في إدانة المحاولة الانقلابية، وكذلك بعد حرب التصريحات بين أنقرة وفيينا، والتهديد التركي بالانسحاب من اتفاقية إعادة قبول اللاجئين في حال لم يتم إلغاء تأشيرة الدخول عن المواطنين الأتراك بحلول أكتوبر/تشرين الأول المقبل، تجنب مسؤولو الاتحاد الأوروبي، التصعيد مع تركيا، في ما يخص مسيرة انضمامها إلى الاتحاد. كما بدأت الدبلوماسية التركية بإجراء اتصالات مع المسؤولين الأوروبيين لتخفيف التوتر، خصوصاً أن يلدريم تراجع عن المطالب الخاصة بإعادة حكم الإعدام لتنفيذه بحق الانقلابيين، الذي كان سيُشكّل، بحسب المسؤولين الأوروبيين، نهاية لمفاوضات انضمام تركيا للاتحاد. وقد اعتبر يلدريم في هذا الصدد، أن "الإعدام هو موت لمرة واحدة، ولكن هناك ميتات أكبر من الموت، ولتحقيق ذلك لا بد من محاكمات محايدة".

وكان جاووش أوغلو قد بحث العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي مع عدد من مسؤولي الاتحاد، مساء الاثنين الماضي، وأجرى اتصالاً مع وزيرة الخارجية الإستونية، مارينا كاليوراند، ومع رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الأوروبي، إلمار بروك، ليشرح له التدابير التي اتخذتها الحكومة التركية، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة.