النسور تكتشف التسرّب في أنابيب النفط

26 مارس 2019
لدى النسور حاسة شم متطوّرة (يوري سميتيوك/ Getty)
+ الخط -

تشتهر بعض الحيوانات بقدراتها القوية على اكتشاف الروائح. تستجيب أسماك القرش لجزء واحد من الدم إلى مليون جزء من الماء - أي ما يعادل ملعقة صغيرة في حمام سباحة متوسط. والكلب لديه أكثر من 220 مليوناً من المستقبلات (وليس جينة مستقبلات) ضمن حاسة الشم في أنفه، في حين أن لدى البشر 5 ملايين فقط. وفي الوقت الذي تحظى الطيور بالإعجاب بسبب ريشها الملون وحلتها الرشيقة، فإن براعتها في الشم لا تتم مناقشتها في كثير من الأحيان.

لفترة طويلة، كان الاعتقاد السائد أن الطيور لا يمكن أن تشم وأن النسور تحدد موقع الطعام من خلال الرؤية وحدها. لكن الأبحاث التي نشطت بعد الحرب العالمية الثانية أظهرت أن معظم الطيور يمكنها اكتشاف الروائح التي تهمها. وفي وقت مبكر من ستينيات القرن الماضي، بينت دراسات الشم في مجموعة متنوعة من الطيور أنه حتى العصافير العادية الصغيرة كالشرشور والحسون يمكنها من خلال حاسة الشم اكتشاف وتفادي الحيوانات المفترسة. على كل حال، تتراوح قوة الشم لدى الطيور بين جنس وآخر بل بين نوع وآخر.

أظهرت الأبحاث المتقدمة في حواس الطيور أن النسور والطيور البحرية والكيوي والببغاوات لديها غدد حاسة شم جيدة التطور. ولعل الأكثر تفوّاً بالشم هو الببغاء النيوزيلندي الكبير الذي يسمى "كاكابو". يحتوي الكاكابو على 667 جينة مستقبلات شمية وظيفية، مقارنة بنحو 400 جينة عند البشر. وهو ليلي وعملاق وهو الببغاء الوحيد الذي لا يطير. ويسمى أحياناً الببغاء البومة بسبب وجهه الذي يشبه وجه البومة؛ ولكونه ليليا، لديه حواس متطورة بشكل جيد وله رائحة قوية ومُسكية ربما تكون إشارة جذب إلى كاكابو آخر.

أما الطيور البحرية التي تعيش في أعالي البحار، مثل القطرس وجلم الماء وطائر النوء، فهي ذات حاسة شم قوية تمكنها من تحديد مكان غذائها على بعد أكثر من كيلومتر ونصف منها في عرض البحر. بينما طائر الكيوي لديه حاسة شم متطورة جداً (يحتوي على جينات شمية عددها 600، مقارنة بـ 200 لدى العصافير الصغيرة التي تنتمي للفصيلة الشرشورية على سبيل المثال). هذا الطائر الليلي يستخدم منقاره الطويل مع فتحته في الطرف للبحث عن الطعام من الديدان وغيرها بين الأعشاب، ويحصل عليه بقوة الشم التي تساعده في حلكة الظلام.

لعل الجميع يعلم كيف أن طائر دليل العسل يتعرف من خلال الرائحة على مكان وجود عسل النحل، فيأكل يرقات النحل وشمع العسل الدافئ. من ناحية أخرى، إن طائر الأوك الصغير المتوج هو طائر بحري له عرف غريب المظهر ومنقار برتقالي لامع في موسم التكاثر. كما أن له رائحة اليوسفي المميزة التي هي أقوى خلال موسم التكاثر، حيث تساعد هذه الرائحة الذكور والإناث المتشابهة ليتعرف بعضها على البعض الآخر، فيقوم كل منها خلال احتفال التزاوج باستنشاق مناطق الرقبة المعطرة بشدة عند الشريك الآخر وتحرك الرائحة لديهما دوافع التزاوج.

أما النسور التي تتغذى على الجيف والتي يفوق نظرها ثمانية أضعاف نظر الإنسان، فإنها لم تكن تعتمد فقط على نظرها كما كان يظن الكثيرون، بل كانت تشم رائحة الجيفة وهي في كبد السماء فتنزل على شكل لولبي باتجاه الجيفة، مطيلة بذلك فترة الهبوط لكي تعطي فرصة أكبر للنسور الأخرى بمشاهدتها فتعلم أن هناك جيفة فتنزل إلى الأرض بشكل لولبي مائل باتجاه النسر المكتشف للجيفة نظراً لقدومها من مسافات بعيدة. وتتحلّق حول الجيفة ويبدأ الأكثر جوعاً تقدمه نحوها ليأكل منها، بينما تصدر النسور الأخرى أصواتا كأنها تقول له "كفى فلقد أصبح الدور لنا"، فيتراجع بعد أن يأكل قليلاً وتخف جرأته بعض الشيء فيتقدم نسر آخر بقوة الجوع، وهكذا يمر الدور على الجميع على شكل تعاون منظم في ما بينها وبعيداً عن الأنانية.




لو كانت النسور أنانية لما قدر لها من دون التعاون في ما بينها الحصول على وجبات يومية. والجدير ذكره أن النسر التركي قد تفوق على باقي أنواع النسور بقوة حاسة الشم التي لديه، ففقهت شركة غاز أميركية لهذه الميزة فحقنت أنابيب الغاز الطبيعي العديمة الرائحة بمادة ethyl mercaptan التي تنتجها الجيف الحيوانية وراقبت النسور، فوجدت أن النسور تتجمع بأعداد لافتة للنظر عند نقاط معينة على طول خط الأنابيب الذي امتد لمسافة 65 كيلومتراً. وبالفعل كانت هذه الأماكن مواقع تسرّب للغاز الطبيعي الممزوج برائحة الجيف التي جذبت النسور من دون أن تكون هنالك جيف، وهكذا تم إصلاح الأنابيب ووقف التسرب.

*اختصاصي في علم الطيور البرية
دلالات
المساهمون