01 نوفمبر 2024
النخب والمستقبل السوري
مع كلّ نشاط ثقافي سوري، يقام في دول اغتراب السوريين، ينفتح المجال لأسئلة تتعلق بدور الثقافة والإبداع في هذه المرحلة، وقدرتهما على الفعل التغييري في ظل حالة الغموض التي تحيط بالمستقبل السوري، حتى تكاد تخنقه، ولعل في الأسئلة التي يطرحها الشباب السوريون ممن كانوا في الصف المدني الأول للثورة، بشأن دور النخب الثقافية وأهمية تحرّكها، الآن، ما يشي بالتمسك بأي متكأ مدني، يمكن لهؤلاء الاستناد إليه، بعد أن حوصروا بين حافتي هاوية: النظام الذي اعتقل وقتل وشرد ونفى غالبيتهم العظمى، والتشكيلات الإسلامية المسلحة المسيطرة على المشهد (الثوري) الحالي، والتي تعتبر أهداف الثورة الأولى والمطالبة بالدولة المدنية بمثابة كفر مبين، وقتل المطالبين بها واجب شرعي، مشابه لواجب قتل عناصر النظام.
والحال أن شعوراً كهذا يكاد يكون عاماً، ولا يختص فقط بالفئة العمرية الشابة من السوريين، فحالة الاستعصاء في إيجاد حلّ سياسي، واستمرار حالة العنف والمقتلة اليومية، وتبادل التطرف على الأرض بين النظام وحاملي السلاح ضده، أعادت إلى السوريين حالة فقدان الأمل واليأس من كل شيء، تلك الحالة التي كانت رفيقتهم قبل 2011 ، وتتزامن حالياً مع حالة الخوف من فقدان الوطن نهائياً، وتحوّل القضية السورية إلى قضية فلسطينية جديدة، من حيث عدد اللاجئين في الخارج، ومن حيث انتظار الحل الدولي الذي يعيدهم إلى بلادهم، ومن حيث تمسكهم بحق عودتهم، ومن حيث تأثير القضية على الثقافة والإبداع، لإبقائها حاضرة في المشهد الدولي العام، عبر الإبداع، إلى جانب حضورها السياسي، وإبقائها متقدة في ذاكرة أبنائها عبر الشغل على الوعي الجمعي العام، بأدوات إبداعية سهلة التوغل في الذاكرة السورية، كالفن والشعر والرواية والموسيقى والمسرح، وإلى ما هنالك من أنواع الفنون الإبداعية.
على أن ما يقترحه الشباب السوري على النخب الثقافية يتجاوز فكرة الإبداع الفردي إلى تشكيل ظاهرةٍ مدنيةٍ ثقافيةٍ في الخارج، تمكنهم من استعادة زمام الثورة، واستعادة شعاراتها وإعادة طرح أهدافها بوصفها ثورة شعبية سورية ذات أهداف وطنية، تلملم ما شرذمه السلاح والعنف بين السوريين كأفراد ومجتمع، لاسيما مع فشل كل التيارات السياسية الموجودة حالياً، وعجزها عن تقديم خطاب وطني سوري جامع، وعجزها عن السيطرة على الفوضى المنتشرة في الداخل السوري وفي المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بشكل خاص.
وعلى قدر أهمية طرح كهذا، وضرورته في هذه المرحلة، إلا أن ثمة ما يجب الاعتراف به أولاً، في الحال الثقافي السوري، وهو أن المثقفين السوريين جزء من تركيبة المجتمع السوري الذي يعاني، في عمومه، من أمراض أكثر من خمسين سنة من الاستبداد والديكتاتورية، وهي الأمراض التي ظهرت أعراضها بوضوح، أولاً على النخبة السياسية المعارضة، ثم ميزت سلوك السوريين جميعاً في السنوات الثلاث الماضية، وبنسب متفاوتة. وبالتالي، من المستبعد جداً أن تنجو شريحة المثقفين من عدوى هذه الأمراض، بل يقول منطق الأمور إن هذه الشريحة هي الأكثر عرضة للتأثر، بسبب التهميش الذي مورس عليها، والنمطية التي قدمت فيها إعلامياً، وافتقار المنابر الثقافية السورية التي تتيح لها النمو بشكل صحي، واقتصار المنابر على المقربين من أصحاب القرار والسلطة، والبحث عن خلاص فردي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الروح المبدعة، وسط خراب عام.
هذا كله سينعكس حتماً على أداء النخبة الثقافية، سواء في علاقتها كمجموع مع الثورة ومجرياتها وافتراقاتها وتحولاتها، أو علاقتها كأفراد ضمن مجموع عام. ولعل في التشكيلات المدنية الثقافية التي ظهرت في العامين الماضين ما يدل على ذلك، مثل تجربة رابطة الكتاب السوريين المستقلين، وما رافقها من اتهامات وتخوين لأعضائها، وتشكيل اتحاد كتاب مستقل موازٍ لها، وتجربة رابطة الصحافيين الأحرار، وتجمع الفنانين السوريين، وإلى ما هنالك من تجمعات مدنية ثقافية، ترافق ظهورها مع كمّ من التشكيك والاتهامات والإساءات من مثقفين سوريين أيضاً، جعل من إمكانية إجهاض أي تجربة وليدة شبيهة أمراً شبه مؤكد ومحسوم.
في المقابل، يبدو مطلب الشباب السوري محقاً وضرورياً، ويضع هذه النخب أمام تحد كبير واستثنائي، ويجعلها تقف في مواجهة الخراب، فإما تثبت نفسها مشروعاً ثقافياً وطنياً سورياً، تقع عليه مسؤولية كبيرة في عملية استعادة البلد من بين أنياب العنف والتطرف، لصالح الاعتدال والمدنية والتغيير الديموقراطي، أو الاكتفاء بالندب على بلد ضاع، وعلى مستقبل تحول تراباً.
والحال أن شعوراً كهذا يكاد يكون عاماً، ولا يختص فقط بالفئة العمرية الشابة من السوريين، فحالة الاستعصاء في إيجاد حلّ سياسي، واستمرار حالة العنف والمقتلة اليومية، وتبادل التطرف على الأرض بين النظام وحاملي السلاح ضده، أعادت إلى السوريين حالة فقدان الأمل واليأس من كل شيء، تلك الحالة التي كانت رفيقتهم قبل 2011 ، وتتزامن حالياً مع حالة الخوف من فقدان الوطن نهائياً، وتحوّل القضية السورية إلى قضية فلسطينية جديدة، من حيث عدد اللاجئين في الخارج، ومن حيث انتظار الحل الدولي الذي يعيدهم إلى بلادهم، ومن حيث تمسكهم بحق عودتهم، ومن حيث تأثير القضية على الثقافة والإبداع، لإبقائها حاضرة في المشهد الدولي العام، عبر الإبداع، إلى جانب حضورها السياسي، وإبقائها متقدة في ذاكرة أبنائها عبر الشغل على الوعي الجمعي العام، بأدوات إبداعية سهلة التوغل في الذاكرة السورية، كالفن والشعر والرواية والموسيقى والمسرح، وإلى ما هنالك من أنواع الفنون الإبداعية.
على أن ما يقترحه الشباب السوري على النخب الثقافية يتجاوز فكرة الإبداع الفردي إلى تشكيل ظاهرةٍ مدنيةٍ ثقافيةٍ في الخارج، تمكنهم من استعادة زمام الثورة، واستعادة شعاراتها وإعادة طرح أهدافها بوصفها ثورة شعبية سورية ذات أهداف وطنية، تلملم ما شرذمه السلاح والعنف بين السوريين كأفراد ومجتمع، لاسيما مع فشل كل التيارات السياسية الموجودة حالياً، وعجزها عن تقديم خطاب وطني سوري جامع، وعجزها عن السيطرة على الفوضى المنتشرة في الداخل السوري وفي المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بشكل خاص.
وعلى قدر أهمية طرح كهذا، وضرورته في هذه المرحلة، إلا أن ثمة ما يجب الاعتراف به أولاً، في الحال الثقافي السوري، وهو أن المثقفين السوريين جزء من تركيبة المجتمع السوري الذي يعاني، في عمومه، من أمراض أكثر من خمسين سنة من الاستبداد والديكتاتورية، وهي الأمراض التي ظهرت أعراضها بوضوح، أولاً على النخبة السياسية المعارضة، ثم ميزت سلوك السوريين جميعاً في السنوات الثلاث الماضية، وبنسب متفاوتة. وبالتالي، من المستبعد جداً أن تنجو شريحة المثقفين من عدوى هذه الأمراض، بل يقول منطق الأمور إن هذه الشريحة هي الأكثر عرضة للتأثر، بسبب التهميش الذي مورس عليها، والنمطية التي قدمت فيها إعلامياً، وافتقار المنابر الثقافية السورية التي تتيح لها النمو بشكل صحي، واقتصار المنابر على المقربين من أصحاب القرار والسلطة، والبحث عن خلاص فردي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الروح المبدعة، وسط خراب عام.
هذا كله سينعكس حتماً على أداء النخبة الثقافية، سواء في علاقتها كمجموع مع الثورة ومجرياتها وافتراقاتها وتحولاتها، أو علاقتها كأفراد ضمن مجموع عام. ولعل في التشكيلات المدنية الثقافية التي ظهرت في العامين الماضين ما يدل على ذلك، مثل تجربة رابطة الكتاب السوريين المستقلين، وما رافقها من اتهامات وتخوين لأعضائها، وتشكيل اتحاد كتاب مستقل موازٍ لها، وتجربة رابطة الصحافيين الأحرار، وتجمع الفنانين السوريين، وإلى ما هنالك من تجمعات مدنية ثقافية، ترافق ظهورها مع كمّ من التشكيك والاتهامات والإساءات من مثقفين سوريين أيضاً، جعل من إمكانية إجهاض أي تجربة وليدة شبيهة أمراً شبه مؤكد ومحسوم.
في المقابل، يبدو مطلب الشباب السوري محقاً وضرورياً، ويضع هذه النخب أمام تحد كبير واستثنائي، ويجعلها تقف في مواجهة الخراب، فإما تثبت نفسها مشروعاً ثقافياً وطنياً سورياً، تقع عليه مسؤولية كبيرة في عملية استعادة البلد من بين أنياب العنف والتطرف، لصالح الاعتدال والمدنية والتغيير الديموقراطي، أو الاكتفاء بالندب على بلد ضاع، وعلى مستقبل تحول تراباً.