خلّفت معارك السنوات الثلاث الماضية دمارا واسعا في نحو 60 في المائة من مدن ومحافظات العراق الشمالية والغربية والوسطى، طاولت البنى التحتية والخدمات العامة وممتلكات المواطنين، وفقا لآخر تقديرات صادرة عن الحكومة العراقية.
ويلقي الدمار الواسع بظلاله على المدنيين الذين يعودون من خيامهم في الصحراء إلى منازلهم في المدن المحررة ليجدوها مدمرة.
يروي أبو فاتن، العائد إلى قرية الكرمة التابعة لبلدة الفلوجة غرب بغداد، لـ"العربي الجديد" قائلا: "عدت إلى الكرمة منذ 20 يومًا، بدَت القرية وكأن إعصاراً ضربها وهدم منازلها. كان علينا الاعتماد على أنفسنا وننسى أن هناك حكومة عليها أن توفر لنا الخدمات وتعطينا التعويضات لنعيد تأهيل قريتنا. وجدنا أن محولات الكهرباء، ومقتنيات المنازل التي لم تُهدم، أُحرقت وسُرقت كلها".
وأضاف "في قرية الكرمة أكثر من 500 بيت أغلبها مهدم، وهذا يجعل المنطقة في حالة إعمار حتى بسواعد أبنائها العائدين، ما زاد الطلب على اليد العاملة ومواد البناء. ولا أنكر أن هناك من يقدم يد العون، في حين يستغل بعضهم الوضع ويضاعف الأسعار. الواقع في قريتنا كان صادما، مع قلة الإمكانات المادية، في ظل أزمة النزوح التي أتت على الأخضر واليابس".
ويتابع "ليس أمامنا غير بناء غرفة تؤوينا، أو ترميم أخرى قبل حلول الشتاء، وهذا أفضل من العيش في المخيمات".
ويقول ماجد الجبوري، أحد العائدين إلى قرية العالي التابعة لبلدة المقدادية في ديالى، لـ"العربي الجديد": "قبل أشهر عدت إلى المقدادية التي تعرضت قراها للتخريب، وأُحرقت بساتينها وسُرق أثاث منازلها، ووجدت أن جزءاً كبيراً من بيتي مهدم. بدأت بإعادة ترميمه وبناء الباقي، لكن الصعوبة تكمن في ارتفاع أسعار مواد البناء وكلفة العمل، إضافة إلى الخوف المتواصل من المليشيات المتربصة بنا، والتي تقيم نقاط تفتيش، وتراقب من عاد ومن بدأ بإعمار منزله ومن يملك المال".
نازحون لم يعودوا إلى مناطقهم، لكنهم تركوا مخيمات النزوح في إقليم كردستان العراق، وبدؤوا حياة جديدة في مدن أخرى قريبة من مدنهم الأصلية.
يقول المقاول أبو ماهر الشمري، الذي يملك مكتبا عقاريا في مدينة بعقوبة عاصمة محافظة ديالى: "اشتريت بستانا بهدف تحويله إلى قطع أرضٍ سكنية، وأغلب من تقدّم لشراء تلك الأراضي نازحون أو فارون من مناطقهم، أو مهددون من المليشيات ولا يمكنهم العودة إلى مدنهم، بالرغم من أنها آمنة وخالية من عناصر داعش".
ويعتبر أن ذلك سبب في جعل حركة الإعمار تنشط في بعض مناطق بعقوبة، ومنها القاطون وسبعة نيسان وغيرها.
ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن كلفة سعر الأرض الزراعية، والتي لا تسجل في الشهر العقاري تتراوح بين 20 و40 مليون دينار عراقي، أي نحو 30 ألف دولار. في حين تبلغ تكلفة بناء منزل بمساحة 100 متر مربع نحو 35 ألف دولار، بمواد بناء ليست من الدرجة الأولى.
ويؤكد أن 30 في المائة من الأراضي التي عرضها للبيع ابتاعها نازحون وفارون من مدنهم، خاصة النازحين من بلدة المقدادية وناحية جلولاء.
وكان رئيس جمعية المصارف الإسلامية العراقية، الأكاديمي صادق الشمري، أشار، في تصريحات سابقة، إلى أنّ العراق بحاجة إلى 40 مليار دولار كلفة إعادة إعمار المناطق المحرّرة. جدير بالذكر أن إعادة إعمار تلك المناطق لم تبدأ لغاية اللحظة، ما ضاعف من معاناة العائدين الذين ينتظر بعضهم تنفيذ وعود الحكومية العراقية.