النار..فاكهة الشتاء

26 يناير 2016
فاكهة الفقراء أيضاً (Getty)
+ الخط -
الكل يعرف كيف تم اكتشاف النار لتصبح هي الخير والشر في حياة البشرية، ويزداد خيرها وشرها في الشتاء حين يشتد البرد ويهطل المطر؛ ولذلك عكف الإنسان عليها لتكون وسيلة دفاعه الأولى في فصل الشتاء، وحولها حينما تكون في الموقد أو المدفأة التي تحتل جزءا من الجدار تعيش الأسرة أحلى لحظاتها، تلك اللحظات التي عادة ما تكون ذكريات قديمة باسترجاع ما مضى، وذكريات جديدة سيتحدث عنها الجالسون في السنوات القادمة.

النار كما يقال عنها خاصة بالنسبة للفقراء، هي فاكهة الشتاء، ولا أحد يستغني عنها، كتقليد وعادة محببة وكوسيلة لاجتلاب الدفء، ولكن علماء الاجتماع لهم رأيهم بالنسبة لاجتماع العائلة حول الموقد، حيث يؤكدون أن التفاف العائلة في الليالي الباردة التي يطرأ فيها تغيّر كبير في الأجواء يزيد من الروابط الحميمية بين أفرادها، ويحسن من العلاقات بينهم وخصوصا بالنسبة للنساء.

الحديث عن ذكريات مفرحة يعتبر دافعا ومحفزا للمضيّ قدما نحو الأمام في المستقبل، وتعتبر أجواء الشتاء فرصة للتكافل الاجتماعي أيضا، فيتعاون الجميع لتدبير الحياة مثل تخزين مؤونة كافية، وتوفير وسائل التدفئة حيث يتعذر الخروج من البيوت، وهذه المهمة التي يقوم بها الذكور من العائلة تعمل على تقريب القلوب، سيما أن الأنثى تحب أن تشعر بالحماية الودودة وليس الطاغية ممن تحب، وتتفنن على ذلك بإعداد الأكلات الصغيرة فوق الحطب مثل تحميص الخبز المقرمش وغلي الشاي، والذي يكتسب نكهة لا توصف بسبب اختلاط رائحة حطب النار مع رائحته.

النار التي يفتخر الفندق الريفي البريطاني بتوفيرها لزبائنه في الشتاء، لأنها تكون متوفرة في كل غرفة مع نوعية حطب جيدة لا تسبب الدخان ولا روائح كريهة أو تحسسا مثلا، تنقسم حسبما قسمها العرب إلى نار القرى أي الكرم ونار الحرب وقديما كان العرب يعتبرون اشتعال النار من بعيد يعني الاستعداد لأمرين لا ثالث لهما، وغالبا ما تكون النار للكرم في فصل الشتاء، حيث يقبل على مصدرها الملهوف والبردان وضال الطريق.

تحتفظ الكثير من البيوت العربية ذات المستويات المتفاوتة من حيث الدخل بمساحات خاصة يتم تجميع الحطب فيها بعد شرائه وتقطيعه لقطع مناسبة ليست طويلة ولا قصيرة، بحيث يمكن إشعالها بسهولة ولا تسبب الخطر لمن حولها وتمثل عملية الاحتطاب مهنة قاربت على الانقراض، بسبب توفر محلات متخصصة لبيع الحطب وأفضله حطب شجر الزيتون لأن له رائحة زكية مع عدم تصاعد الدخان عند اشتعاله، ولكن عيبه الوحيد هو ارتفاع ثمنه.

وأخيرا إذا كانت ليالي الشتاء طويلة فلا يزينها إلا النار التي إن توافرت في البيت فهناك الكستناء والبطاطا المشوية، ولكن الحذر منها واجب لما تسببه من حوادث وحروق في كل عام تتناقلها وسائل الإعلام طيلة المواسم، وتتكرر ولا تنقطع لعدم توخي الحذر منها، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها: إن هذه النار إنما هي عدو لكم فاذا نمتم فاطفئوها عنكم".

أما أحد الشعراء فقد قال واصفا أهميتها معتمدا الكناية في وصفه بقوله:
كنا لكم حطبا في كل نازلة ............فلا تكونوا لنا حمالة الحطب

إقرأ أيضاً: (فيديو) نساء الطوارق يعدن الحياة لآلة إمزاد الموسيقية
دلالات
المساهمون