الموصل.. قيعان الخراب

11 ديسمبر 2018
+ الخط -
عام مضى على إعلان العراق الانتصار على تنظيم داعش، ونحو عام ونصف العام على تحرير مدينة الموصل، واستعادة السيطرة عليها بعد قرابة العامين ونصف العام من سيطرة تنظيم داعش عليها، وما زالت الأوضاع في تلك المدينة المنكوبة تزداد سوءًا، فلا إعمار، ولا إعادة كاملة للنازحين، ولا حتى إغلاق لملف سقوط المدينة بيد التنظيم في يونيو/ حزيران 2014.
شهدت الموصل أعنف المعارك التي دارت بين القوات العراقية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وعناصر تنظيم داعش التي سيطرت على المدينة، وأعلن منها أبو بكر البغدادي دولة الخلافة. معارك أدت إلى طمس معالم المدينة، وخصوصا في جانبها الأيمن، بعد عمليات قصف مكثفة نفذها طيران التحالف، أحالت أحياءها إلى خرائب ينعق فيها الغراب، وبدلاً من أن تبدأ حملة إعمار توازي حجم الخراب الذي حلّ بأرضها، تُركت المدينة، بعد تحريرها، قاعاً صفصفاً، فلا إعمار ولا تعويض للأهالي، بل ولا حتى إعادة للنازحين.
ليس هذا فحسب، بل استكثرت حكومة بغداد على المدينة حتى القيام بحملةٍ لاستخراج جثث الأهالي التي ما زالت تحت أنقاض المنازل، وكأن التحرير ليس أكثر من طرد مقاتلي تنظيم داعش، حتى لو أدى ذلك إلى إحالة المدينة إلى تراب وأنقاض.
ما زالت الموصل، وعلى الرغم من مضي عام ونصف العام، بلا أدنى رعاية أو اهتمام، في وقتٍ يتساءل أهلها إن كان ما زال هناك من يتذكّر مأساتهم ومأساة ما حلّ بهم من موت وقتل وخراب، في ظل انشغال ساسة بغداد بصراع تقسيم مناصب الحكومة الجديدة التي لا يبدو أن أذان فجرها قد حان، في ظل صراعاتٍ على توزيع مقاعد ثماني وزارات شاغرة.
وإذا كان هذا حال بغداد، فإن من الأوْلى أن يكون نواب الموصل وسياسيوها في صدارة من يطالب بحق أهالي المدينة، أو من بقي منهم، بعد أن حصدت آلة الحرب آلافا منهم، غير أن ذلك لم يحدث، الأمر الذي زاد من وطأة الوضع المتردّي أصلا، والذي زاده سوءًا سوء الأحوال الجوية التي ضربت المنطقة، فكان أن شهدت المدينة سيولاً جرفت معها ما بقي قائماً من منازلها وأحيائها، في حين عاش سكان مخيماتها أوضاعاً غايةً في السوء، مع موجة الأمطار التي شهدتها المدينة في الأيام القليلة الماضية.

كان من أهم أسباب سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش الإهمال الحكومي لها، وتركها بيد قادة جيش وقوات مسلحة لم يراعوا في أهلها إلاً ولا ذمة، الأمر الذي فسح المجال لعناصر التنظيم بالتغلغل واحتلال المدينة، مع ما قامت به قيادة القوات العسكرية الموجودة في المدينة من انسحابٍ مفاجئ وغير مدروس أمام عناصر التنظيم. وعلى الرغم من ذلك، لم تستوعب حكومة بغداد الدرس على ما يبدو، وها هي اليوم تكرّر الأخطاء نفسها، وأكثر، فلم تشهد المدينة أي اهتمامٍ يوازي محنتها، ولم تمتد لها يد الرعاية والإعمار، لا بل إن ساسة المنطقة الخضراء لم يعودوا يذكرون ما تعيشه المدينة من واقع سيئ، اقتصادياً وخدمياً، ما يشيع الاعتقاد بأن تنظيم داعش وخلاياه النائمة قد تستغل أي فرصة للعودة إلى المدينة، ولو بطريقةٍ مختلفة هذه المرة.
تفيد أرقام رسمية بأنه تم انتشال جثث أكثر من ثلاثة آلاف مدني من تحت الأنقاض، بينهم قرابة 400 طفل. وعلى الرغم من ذلك، هناك إلى الآن قرابة التسعة آلاف آخرين في عداد المفقودين، ولا يبدو أن هناك أي بارقة أمل للعثور على جثثٍ بعد نحو عام ونصف العام من سكوت أصوات المدافع، وغياب أزيز الطائرات عن سماء المدينة.
وإذا كانت حكومة بغداد قد تخلت عن دورها، ليس في إعمار الموصل وحسب، وإنما حتى في إعمار مناطق لم تشهد قتالاً ولا اشتباكاً منذ 15 عاماً كالبصرة، فإن على المجتمع الدولي الذي يتحدث ليل نهار عن حربٍ ضد الإرهاب، أن يتصدّى لمهمة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فالمدينة تعيش واقعا سيئا للغاية، الأمر الذي دفع كثيرين من أهالي المدينة للترحم على تنظيم داعش، على الرغم من كل ما عاشته المدينة على أيدي عناصر التنظيم من أهوال.
هناك اليوم عوائل بأكملها تسكن بين بقايا جدران على أنقاض بقايا مدينة أو حي. هناك اليوم آلاف النازحين من المدينة ما زالوا في مخيمات نزوح تفتقر لأدنى شروط السكن الآدمي، لا تستطيع أن تعود بسبب الخراب الذي طاول ودمر كل شيء.
تقع المسؤولية على حكومة بغداد بالدرجة الأولى، وساسة مدينة الموصل ونوابها. وقبل هذا وذاك، على المجتمع الدولي الذي أحال، بطائراته ومدمراته، المدينة إلى أثر بعد عين، وإذا لم يتنادَ الجميع من أجل إعادة إعمار المدينة، وإعادة نازحيها، فإن "داعش" ومقاتليه يتربصون، وربما يعودون في أي لحظة.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...