يُفضّل أحمد عبد السلام البقاء في خيمته مع زوجته وأطفاله بدلاً من العودة إلى الموصل، على الرغم من سوء وضعهم المعيشي وارتفاع درجات الحرارة. يتمسك عبد السلام بخياره هذا، على غرار رجال آخرين في مخيم الخازر القريب من الموصل. جميعهم يريدون العودة إلى ديارهم، "لكن الوضع داخل المدينة غير آمن والقتل أسهل بكثير من الحصول على مياه صالحة للشرب"، يقول عبد السلام.
وعلى الرغم من مرور ثلاثة أسابيع على انتهاء معركة الموصل، لا تزال جثث من قتل حديثاً، تنتشر على الطرقات وفي الساحات العامة، أو على طرفي نهر دجلة، كما أن الخطف لا يتوقف.
في الساحل الأيسر للمدينة، والذي عاد إليه نحو 200 ألف شخص وفقاً لبيان حكومي عراقي، يبدو الوضع غير آمن. الاعتقالات مستمرة ليلاً ونهاراً من قبل القوات الحكومية والمليشيات، وتتم من دون مذكرات قضائية أو تهم محددة. والاشتباكات المتكررة بين المليشيات هي مشكلة أخرى تقلق النازحين. وقد تم تقاسم النفوذ بين المليشيات وكل فصيل يمسك بملف ثلاثة إلى أربعة أحياء سكنية. أما القوات العراقية فتؤدي دور "الجوكر" كما بات يطلق عليها الآن من قبل بعض السياسيين، إذ يمكنها الدخول إلى أي حي، وتقوم بدور الوسيط في فضّ الخلافات التي تقع بين الفصائل المسلحة.
وأكد سكان محليون قيام عناصر من القوات العراقية ومليشيات "الحشد الشعبي" بتنفيذ عمليات إعدام ميدانية لأشخاص يقولون إنهم على صلة بتنظيم "داعش". وذكر السكان لـ"العربي الجديد" أن الإعدامات الميدانية في الموصل تثير الرعب في نفوس المدنيين الذين بدأ عدد منهم بمغادرة المدينة خشية تعرضه للاعتداء. وأشاروا إلى وجود فوضى أمنية في الموصل بسبب تعدد الجهات التي تدعي أنها مسؤولة عن الملف الأمني، ما تسبب في اعتقالات عشوائية طاولت العشرات لم يعرف ذووهم مصيرهم لغاية الآن. وعبّر أكثر من مواطن عن الخشية من تعرض المعتقلين لمصير مشابه لسابقيهم الذين اختطفوا قبل أن يتم العثور عليهم جثثاً ملقية على الطرقات.
وكشف عضو مجلس الموصل (الحكومة المحلية)، محمد الحمداني، عن مفاتحة رئيس الوزراء حيدر العبادي، بوجوب سحب المليشيات من الموصل والإبقاء على القوات الحكومية فقط. وأضاف الحمداني في حديث لـ"العربي الجديد" أن الوضع بالمجمل في الموصل مرتبك، إذ إن ثلث السكان عادوا إلى المدينة وهناك خوف لدى الآخرين من العودة، بسبب ما يسمعون ويشاهدون من جرائم في المدينة وعمليات اعتقال وجثث مجهولة تنتشر كل صباح في طرقات الموصل.
وأشار إلى عودة الحركة والحياة من جديد إلى الساحل الأيسر ونحو 25 في المائة من الساحل الأيمن للموصل، فقط، لكن المؤشرات لا تشجع على استقرار الأوضاع، ليس بسبب الدمار وانعدام الخدمات وحسب، إنما بسبب الاعتقالات والخطف والجثث المجهولة والتنافس بين المليشيات الذي تحول لتناحر أكثر من مرة خلال هذا الشهر، واستخدم فيه السلاح وسقط عناصر من الطرفين، وفق قول الحمداني.
وهدد عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى، محمد نوري العبد ربه، باللجوء إلى المجتمع الدولي لطلب المساعدة المباشرة لإعادة النازحين المدمرة منازلهم، إذا استمرت الحكومة بمماطلتها في هذا الملف. وأوضح خلال تصريح صحافي أمس الخميس، أن الحكومة لا تمتلك أية رؤية في هذا المجال. وأشار إلى وجود آلاف المنازل المهدمة التي لا يمكن لأهلها أن يعودوا إليها، لافتاً إلى إهمال الحكومة العراقية في إيجاد حلول فعلية لمشكلة النازحين.
وعلى الرغم من إعلان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، عن تحرير الموصل بالكامل في العاشر من الشهر الحالي، إلا أن ما أكدته مصادر محلية عدة بشأن استمرار ظاهرة القتل والعثور على الجثث المجهولة في جانبي المدينة، فضلاً عن العثور على آلاف الجثث لمدنيين تحت أنقاض المنازل المهدمة، كلها أمور تضفي حالة من عدم اليقين على مرحلة ما بعد تحرير الموصل.