المواقع الفيروسية: أزمة وجودية

16 ابريل 2019
صرف "بازفيد" مئات الموظفين (درو أنغيرير/Getty)
+ الخط -
مع صعود مواقع التواصل الاجتماعي وانتشارها، ظهر "نوع" جديد من الصحافة الإلكترونيّة، أُطلق عليه اسم "الصحافة الفيروسيّة" (viral)، أي وسائل الإعلام التي تعتمد على الانتشار الكثيف للأخبار لدى مستخدمي مواقع التواصل، كعاملٍ أساسي في صلب عملها الإعلامي. تستمدّ تلك المواقع طاقتها وأفكارها ممّا يجذب هؤلاء المستخدمين، فانتشرت حينها أساليب صحافيّة تعتمد بشكلٍ أو بآخر على طريقة طرح عموم المستخدمين لأسئلتهم على "غوغل"، أو مناقشتهم للقضايا على "فيسبوك" و"تويتر"، بدلاً من سيرها على خطّ معايير الصحافة التقليديّة.

وجد جمهورٌ كبير في تلك المواقع ملجأ، كون سقف حريّتها كان أعلى، ولمناقشتها قضايا تهمّه، وتنقل المعلومات بسرعة عبر تغريداتٍ أو منشورات قبل التوسّع فيها، أو حتى نشرها مقاطع فيديو قصيرة تُلخّص القصص وتسرّع عمليّة كسب المعرفة بالنسبة للمتابع، نظراً طبعاً إلى عملها الحثيث على استقطابه أصلاً.

مع بداية العام 2019 الحالي، بدا أنّ أزمةً ضربت تلك المواقع. انضمّ هذا القطاع أيضاً إلى قطاعات الصحافة الأخرى التي تعاني من اضطراباتٍ من حيث استقطاب الجمهور أو الحصول على إيرادات. هكذا، بدأت عدّة مواقع بطرد موظّفين، أملاً في تخفيف مصروفها، أو قامت شركات مالكة لها ببيعها مقابل مبالغ أقلّ من المتوقع.

قبل أيام، توصلت شركة "يونيفيجين كوميونيكيشنز" إلى صفقة لبيع عدد من المواقع التابعة لها، إلى شركة الأسهم الخاصة "غرايت هيل بارتنرز" (التي ستؤسس شركة جديدة باسم G/O Media Inc)، هي "غيزمودو"، "جالوبنيك"، "جيسبيل"، "ديد سبين"، "لايف هاكر"، "كوتاكو"، "سبلينتر" و"ذا روت"، بالإضافة إلى "ذا أونيون" والتي تتضمّن موقعها الساخر ومنصاتها "آي في كلوب" و"كليك هول" و"ذا تايك آوت". بيعت كلّ تلك المنصّات التي يزورها حوالى 100 مليون شخص شهرياً، مقابل مبلغ 50 مليون دولار، بحسب ما كشف موقع "ريكود"، أي حوالى ثلث ما دفعته "يونيفيجين" مقابل المنصات تلك قبل 3 سنوات فقط، إذ إنّه منذ ذلك الحين، واجهت الوسائط الرقمية صعوبات عدة وكافحت كي تُبقي على جمهور كبير مبني على "فيسبوك" و"تويتر".

أعادت هذه الصفقة القلق حول مصير تلك المواقع، وهو ما ترجمته صحيفة "ذا غارديان" البريطانيّة التي قالت إنّ "الصفقة تعكس المخاوف المتزايدة في هذا المجال من أن العديد من شركات الوسائط الرقمية قد تمت المبالغة في تقديرها. فقد كانت شركات مثل (باز فيد) و(فايس) و(فيريزون ميديا غروب)، المالكة لشركة (هاف بوست)، قد اضطرّت إلى إجراء تخفيضات كبيرة في مستويات التوظيف من أجل تقليل التكاليف وطمأنة المستثمرين العصبيين بأن الشركات لها مستقبل مستدام".

وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلن موقع "بازفيد" تسريح 250 موظفاً في الولايات المتحدة الأميركية، أو 15 في المائة من قوته العاملة، ضمن خطّة تقليص عدد الموظفين عالمياً، والتي تتضمّن أيضاً صرف 200 آخرين من العاملين في الموقع حول العالم، 11 منهم في أستراليا.

تزامناً، صرّحت شركة "فيرايزون" بأنها ستسرح 7 في المائة من عدد الموظفين، (حوالي 800 شخص)، من وحدتها الإعلامية، والتي تضم "هاف بوست" و"ياهو" و"أميركا أون لاين". كما أعلنت شركة "وارنر ميديا" أنها ستغلق الذراع الاستثمارية الرقمية "وارنر ميديا للاستثمارات".

وقالت صحيفة "غارديان" آنذاك إنّ مقاطع الفيديو القصيرة لم تؤدِّ إلى تحقيق إيرادات جديدة كما كان مرجواً. وبالنسبة للكثيرين في القطاع، فإنّ الصحافة الإذاعيّة عبر الإنترنت، المعروفة باسم "البودكاست"، هي التوجّه الحالي. ففي الأسبوع الماضي، قالت مجلة "الإيكونوميست" إنها تقوم بتوسيع فريقها الصوتي إلى ثمانية موظفين، فيما تقوم "وول ستريت جورنال" بمبادرة مماثلة. هذا بينما تتّجه صحف عالمية شهيرة إلى نظام الاشتراكات كـ"نيويوركر" و"فانيتي فير" و"وايرد" و"تايمز" و"نيويورك تايمز" التي تعدّ الأبرز في هذا المجال، أو حتى نظام تمويل القرّاء الذي تنجح تجربته تحديداً مع صحيفة "ذا غارديان" البريطانيّة.

يبقى كلّ هذا خططاً متغيّرة قد تخضع للتغيير بحسب تغيّر المشهد التكنولوجي وتزايد سرعته. لكنّ الأزمة الصحافيّة، في الوقت الحالي، آخذة في التوسّع، ما أرجعته مجلة "نيويوركر"، في تحليل لها قبل شهرين، إلى أنّ "الصحافة كحقل صارت هزيلة، ضائعة، ومضطربة. صارت أسرع مما كانت عليه. سريعةً جداً، وأكثر حزناً وغضباً".
دلالات
المساهمون