المواطن المغربي وخطابات السياسيين

22 مايو 2014
+ الخط -
تجد في خطابات السياسيين والبرامج الحزبية أن المواطن المغربي في قمة الأولويات، وأن هدف أصحابها إيجاد الحلول له، والبحث عن كل ما ييسر حياته في المجتمع والبحث عن تحقيق العدل والمساواة ومحاربة الفساد والاستبداد، وتوفير متطلبات الحياة التي يحتاجها المغاربة.المواطن المغربي هو النوطة الأبرز التي تعزف في كل حملة انتخابات، وفي كل مغازلة تلفزية، أو خطاب سياسي، فيتفنن السياسي في المديح وإلقاء قصائد الحب والعشق في المواطن، والتوسل، بقبلاته ونظراته الرومانسية، عبر شاشة التلفاز إلى مرسول السلطة  الذي سيضمن له الجسر الذي سيمر به إلى الحب الحقيقي، ومعانقة الكراسي المريحة وميزانيات الحسابات الخاصة في صالونات مخملية، بعيدة عن الأضواء، وتوفر للعاشق ملاعبة دفاتر الشيكات، كما يحلو له ويصرفها كما يشاء، وخدمة لصالح البلد والخوف على الذهاب به إلى العنف والفوضى نتسامح معه، ونقول له عفا الله عما سلف، ويتسلى في خدرها بكل ما طاب من شوكولاتة فرنسية فاخرة من نوع "الكروج"، وباقات وروود بملايين الدراهم، واقتناء شقتين في باريس، على الذوق الفاسي الراقي، لزيارتها إن أتيحت لهم الفرصة، وكعربون محبة، المعشوقة تملأ حساباً سرياً للعاشق المتيم في سويسرا، خلسة عن أبنائها البررة الذين ينتظرون عطفها منذ ولادتهم، وتتخذ له من عرصة "الليمون" مكان إقامته الميمونة ليكون قريباً من قلبها، وتصرف له راتباً شهرياً مغرياً.
المواطن المغربي المسكين الذي يكون قنطرة الوصول إلى الغنائم التي يتسابق عليها السياسيون، يصبح قنطرة مشؤومة في نظرهم، والعودة إليها، تذكرهم بأيام الزلطة والفقر السياسي، ولا يتورعوا دائماً إن وجدوا فرصة سانحة للزيادة في معاناته، ليظل دائماً إنساناً يلهث وراء إيجاد لقمة العيش لأولاده، ولا يجد الوقت لمحاسبتهم، وانتقاد سياساتهم الفاشلة.بئيس جداً منظر المترشحين في حملاتهم الانتخابية، كيف يقفون في حر الشمس، ويوزعون منشوراتهم اللعينة التي تبقى شاهداً على كذبهم، ويطرقون الأبواب، ويستعطفون الفقراء، ويتقربون بكل ما يمكن أن يجلب لهم الأصوات المؤهلة إلى التنافس الأخير، والحصول على الكرسي الكبير.
حملة الاغتصاب الانتخابي على الأبواب، وسيعاد السيناريو مثل كل سنة، وسيخرج المواطن من جديد خاسراً، وننتج من جديد طبقة سياسية، تكسب الثروة وتربط العلاقات وتنهب ثروات وممتلكات البلاد، وهكذا دواليك، إلا أن نعزم عن تغير ما بأنفسنا لنستطيع تغيير واقعنا.
لابد للتغيير أن يمر من مشرحة الشعب، أولا، وأن يهيئ على نار العلم والفكر والتؤدة والحلم الهادئة، بعيداً عن العنف والتسرع في جني الثمار، والتسابق نحو الكراسي، والشهرة والاستوزار، ومعاقبة الخونة الوصوليين ومصاصي الميزانيات، بعقاب التخلي الإرادي، وتركهم يموتون موتاً سريرياً، على فراش سياستهم الحزبية المقيتة والخبيثة، وبعد أن يعزف المواطن عن القطع مع بطائق الاغتصاب، وعدم زيارة صناديق العار والتزوير، وهجران مواسم الركوع، والتخلي عن أفكار العبيد والخنوع، وكنس الاستبداد الجاثم على العقول، وطرد قطاع الطرق السياسي، المشعوذين الدجالين من مخيلة المشهد السياسي، وعدم تصديق تخاريفهم، وهجر زواياهم اللعينة التي تمدد في حياة الغول اللعين، بوصفاتهم الحزبية الممزوجة بالتسويف والأماني المعسولة والتخويف من المستقبل، والركوع للواقع والقبول بالفتات والرضي بأنصاف الحلول.
التغيير لا يكون في لحظة زمنية مؤثثة بأحداث وتغييرات طارئة، تعم بها نسائم الحرية وعبق العدالة الاجتماعية، وتوزع بها ورود الكرامة، بل التغيير الحقيقي ليس لحظة زمنية معزولة، ولا فرصة تاريخية مجردة عن بناء الأساسات القادرة على توفير إمكانيات استثمارها الحكيم، فهو نمط وسيرورة تاريخية، لا تعرف بداية محددة، وليس لها نهاية، تبدأ من نفوس تواقة للعدل والكرامة، وبذل الغالي والنفيس، وتستشرف المستقبل بعين الحالم والمؤمن بغد أفضل، تطرد الخوف من النفوس، وتشيد صرح العمران الأخوي، الكفيل بإنهاض الأمة من نكستها.
 
FF4B04B3-CB72-4AE3-8C0D-56C7195A3587
FF4B04B3-CB72-4AE3-8C0D-56C7195A3587
يوسف أريدال (المغرب)
يوسف أريدال (المغرب)