المواطنة والوطن... نسخة عراقية لسطوة الحاكم

10 أكتوبر 2018
+ الخط -
في كتاب "المواطنة والوطن في الدولة الحديثة المسلمة" للكاتب علي الصلابي، ذكر أن الدولة الحديثة المسلمة تحرص على معالجة الصراعات الداخلية والبحث في جذورها ومعرفة أسبابها وإقامة العوامل التي تحول بين تطورها، ووضع الإجراءات والخطط والسياسات اللازمة لذلك.

وبيّن الصلابي أن من أهم مقومات وأسس بناء الدولة معالجة الصراعات الطائفية، من خلال عدة عوامل تتمثل بتعميق فكرة المواطنة عبر تفعيل الحوار وإيجاد الآلية اللازمة لإزالة الهواجس والمخاوف المتعلقة بما حدث من ظلم وتجازوات لأي فئة اجتماعية في السابق، وملاحقة مرتكبي العُنف والحرص على أمن المواطنين، وتعزيز مؤسسات المجتمع المدني، وتوضيح المغالطات الخطأ، والاستفادة من الخبرات العالمية والثقافة الدستورية وتفعيل مؤسسات الدولة وتأكيد المرجعية الوطنية لحل المشكلات والخلافات، والاهتمام بثقافة الإنتاج والاهتمام بتطوير المؤسسات العلمية والتعليمية.

في كل ما سبق ذكره نجد أن الوضع العراقي الراهن بعيد تماماً عن أي صفة مما سبق ذكره،  يمكن أن يحلم بها كل إنسان عراقي سواء كان عاقلاً أو مجنوناً، باستثناء الطبقة الحاكمة وشركائها في السلطة والمتنفذين أو المستفيدين منهم.


إذا اعتبرنا أن تحقيق وتعميق فكرة المواطنة هو حاجة أساسية ومهمة يمكن تطبيقها وتثقيف المجتمع تجاهها، يعمل المستفيدون من استمرار الفوضى وبقوة لعدم تحقيقيا، وإذا اعتبرنا ملاحقة مرتكبي العنف من أهم أساسيات تحقيق العدالة المجتمعية فلا بد أن نتذكر أن مرتكبي العنف هم نفسهم أدوات السلطة الحاكمة ومليشياتها.

أما إذا افترضنا أن أمن المواطنين يعتمد على توظيف الأجهزة الأمنية لخدمة هؤلاء المواطنين لا لتفريقهم أو على حسابهم من أجل تحقيق أمن الدولة، نجد أن القتل في الشوارع وعلى مرآى ومسمع وململس السلطة الأمنية، وفي وضح النهار دون أن يتغير شيء أو ينكمش أو يتقلص مستوى القتل والجريمة المنظمة، وهذا ما تسبب بالهجرة لفقدان المواطنين الأمل بالأمن، إضافة لفقدان الثقة بمن يتولون الأمن في عموم البلاد.

إذا أردنا فعلاً تعزيز المواطنة الحقيقية، يجب أن نعمل على توضيح المغالطات الخطأ على المستوى الداخلي والدولي بما يتعلق بالأديان كما هو منتشر في الفكر الغربي، ورؤيته أن الإسلام لا يحترم حقوق الإنسان ولا حقوق المرأة ولا الحرية ولا الكرامة الإنسانية. والسبب يعود للفكر السلطوي الحاكم في معظم البلدان الإسلامية، التي أرادت بكل الوسائل والحيل تحييد الأسس الإسلامية عن سموها ورسالتها السامية، والتمسك بالسلطة ومؤسساتها عن طريق الادعاء بالإسلام والدين ونشر الأفكار الطائفية وتوظيف تلك الأسس وفق سياساتها واستراتيجيتها.

أما في الداخل العراقي، فلا بأس أن تجد كل السلبيات المتمثلة بفوضى الأمن وانتشار السلاح خارج الأطر القانونية، وانفلات المليشيات وتفشي ظاهرة الخطف والاتجار بالبشر وتجارة المخدرات.. إلخ، كل ذلك تحت حماية الأحزاب المتنفذة في السلطة وتحديداً الإسلامية منها، هذا من جانب.

ومن جانبٍ آخر غياب دور مؤسسات الدولة وضعف المرجعية القانونية الوطنية، وانعدام ثفافة الإنتاج وعدم الاهتمام بالمؤسسات التعليمية والعلمية، وهذا نتاج لضعف السيادة وغياب الرؤيا السياسية والاستراتيجية وعدم التعامل بشكلها الصحيح.

العراق بعد 2003 ومع الغزو انتشرت فيه جميع أشكال الفوضى، أهمها السياسية والأمنية والمجتمعية والثقافية والاقتصادية، وغياب كامل لأبسط الخدمات ومقومات حياة الإنسان. ويأتي ذلك تزامناً مع الديموقراطية المزعومة التي جاءت مع حكم الأحزاب الصورية والشكلية والآخذة بما ينفعها من الدين، تلك التي اتخذت من نهج الإسلام ورسالته السامية غطاءً للوصول إلى مطامعها من أجل تفردها بالحكم ونشر الفوضى، كل ذلك والقادم أكثر سوءاً وأشر جمراً.

وعندما نبحث فعلياً عن الحكم وفق نهج الإسلام علينا أن نتذكر قول الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): "لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة لظننت أن الله تعالى سائلي عنها يوم القيامة".