"النهوة العشائرية"... جريمة قتل شائعة في العراق

26 مارس 2019
+ الخط -
"النهوة" عرف عشائري قديم جداً يقضي بمنع الفتاة من الزواج برجل غريب عن العشيرة، ويُمكّن هذا العرف ابن العم أو العم من النهي على الفتاة بغية تزويجها بأحد أقاربها.

لم يفلح التطور الاجتماعي وانفتاحه في إنهاء النهوة، وما زالت المحاكم تروي قصص طلاق غريبة، وحالات انتحار شائعة وحكايات قتل بشعة، بسبب "النهوة العشائرية" التي لم يفلح القانون في الحد منها أو استئصالها من المجتمع حتى هذه الأيام، فهي فيروس متفش في المجتمعات العشائرية، وكبت لحرية المرأة واستلاب لحق الاختيار.

إن تقليد "النهوة العشائرية" عرف سائد وموروث في المجتمعات التي تحكمها القبيلة، ونعرف أن بعضاً من تلك التقاليد متخلف، بل وحتى يتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف، وهذا بسبب قلة الوعي لدى أبناء العشيرة أو المجتمع بشكل عام، وأن المرأة في المجتمع العشائري ربما تكون ضحية الأب أو الأخ أو ابن العم، لذلك من الضروري مراعاة حقوقها المشروعة، فالبعض من أبناء العشائر غالبا ما يحاولون منع أي شخص غريب من أن يتزوج ابنة عمه، ويصرّون هم على زواجها بغض النظر عما إذا كان هناك تفاهم بين بنت العم وابن عمها، وإن كان يكبرها بعدّة سنين، فالفارق العمري والتفاهم ليس مهما بالنسبة لهم، فضلا عن رضا الفتاة أيضا، حيث يجبر الأهل الابنة دائما على الزواج من أقاربها استنادا إلى الصلة الاجتماعية بين أبناء البيت الواحد أو العشيرة الواحدة حيث تستمد تواصلها من هذه الزيجات، كما أننا في الغالب نرى أن مصير هذه الزيجات في النهاية هو الفشل، وبالتالي تنتهي إلى الطلاق وقسم منها ينتهي بزواج الرجل من زوجة ثانية، أو ثالثة وتصبح ابنة العم ضحية.


وهنالك ظواهر اجتماعية أخرى لا تقل أهمية عن النهوة، فهناك زواج "الكصة بالكصة"، وهناك أيضا زواج "الفصلية"، وفي كلتا الحالتين تكون الضحية أيضا المرأة التي يتم تزويجها بالإكراه، وهذه من الظواهر العشائرية المعروفة التي يجب استئصالها من المجتمع لما لها من أضرار على تكوين الأسرة، وأسلوب التعايش بين الطرفين.

إن موضوع النهوة شائك ومتعدد الأطراف، فهناك أسباب، وظروف ساعدت على النهوة في المجتمع العربي خاصة وسببها هو العادات العشائرية، وقد حث الدين الإسلامي على محاربة هذه الصفات الذميمة لتعيش المرأة في ظل الإسلام محترمة ومصونة ولها شخصيتها المميزة، فهي نصف المجتمع وهي الأخت، والأم، والزوجة، والبنت.. فكيف يمكن أن تعامل بهذه الطريقة التي سلبت من شخصيتها وحرمتها من أبسط الحقوق، ألا وهو حق اختيار الزوج الذي شرعه الله لها لكي تخلق جيلا جديدا، فكيف يمكن لابن العم أو الأخ أن يمنع زواج أخته وتركها لفترات طويلة حتى يمر عليها الزمن وهي التي تحتاج إلى أن تكون زوجة مخلصة، وأماً حنوناً وتكون أسرة لبناء المجتمع.

لا بد من التفكير في النتائج من هذه الظاهرة السلبية وما تسببه من مشاكل اجتماعية خطرة تخص المجتمع، فهي تؤثر على البنت، وعلى الولد، اللذين يتم الاتفاق على زواجهما، ومن ثم "النهوة" وما يترتب من مشاكل صحية قد يسببها ذلك الشخص المنهي على ابنة العم وعلى الأخت، فقد يسبب لها عقدة نفسية أو حالات كآبة هي في غنى عنها، ربما كان الزواج هو الأصلح لها لكي لا يتغلغل الفساد في المجتمع الإسلامي.

جاء في المادة التاسعة من قانون الأحوال الشخصية العراقي، الفقرة الأولى: "لا يحق لأي من الأقارب إكراه أي شخص، ذكراً كان أم أنثى على الزواج دون رضاه، ويعد عقد الزواج بالإكراه باطلاً، إذا لم يتم الدخول، كما لا يحق لأي من الأقارب، منع من كان أهلا للزواج، بموجب أحكام هذا القانون من الزواج".. لكن القانون لم يضع العقوبة القانونية لمن يفرض النهوة ويعمل بها وتحديداً في المجتمعات العشائرية والقبلية.

أما الفقرة الثانية من المادة التاسعة فتقول: "يعاقب من خالف أحكام الفقرة (واحد) من هذه المادة، بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا كان قريبا من الدرجة الأولى، أما إذا كان المخالف من غير هولاء فتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، أو الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات".

فظاهرة تزويج المرأة بالإكراه، ظاهرة موجودة قديماً وحديثاً، وهي ظاهرة مؤلمة ومؤسفة، لها آثارها وتداعياتها السلبية، وتقود في غالب الأحيان إلى عواقب وخيمة، من أبرزها تفكك الأسرة، فالمرأة في المجتمعات العشائرية التي تقضي بأن أبناء العشائر غالبا ما يحاولون منع أي شخص غريب من أن يتزوج ابنة عمه ويصرون هم على زواجها بغض النظر عما إذا كان هناك تفاهم بين بنت العم وابن العم. وإن مثل هذه الزيجات لم ينجح أكثر من 70% منها، ولأسباب كثيرة، أهمها عدم القبول بالآخر الذي فرض نفسه بالقوة، ولذلك فإن مستقبل هذا الزواج يكون محفوفا بالمخاطر المتنوعة التي قد تصيب الأسرة، وأخطرها انتقام الزوجة بطرق ووسائل شتى، ونشوء أسرة غير متوازنة ومفككة، وأغلبية زيجات أبناء العم القسرية التي تستند إلى مبدأ -هذا ابن عمك وهو زوج لكِ-، تؤدي إلى انهيار الحياة الزوجية كما تتسبب بتعدد الزيجات لعدم وجود توافق بينهما، وهو ما يفسر تعدد الزوجات في المناطق العشائرية مقارنة بالمدينة، وإن هناك الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية التي تظهر بعد شهرين أو ثلاثة أشهر، ومن أبرزها الاكتئاب، لذلك يجب تثقيف تلك المجتمعات المتخلفة التي تكون المرأة فيها ضحية للعرف العشائري القاسي.

ومن الناحية الاجتماعية، إن هذا النوع من الزواج أي "النهوة العشائرية" يتم على أساس العادات والتقاليد السلبية المنتشرة في مجتمعنا "القبلي" ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين، وهذا النوع من الزواج معمول به إلى الآن في المدن وليس في القرى والأرياف فحسب، وهذا قصور واضح في الوعي لدى أبناء المجتمع ويسيطر تماما على تفكيرهم ويمنعهم من التطور، أو التوجه نحو أي فكرة بديلة من هذا المبدأ أو إلغائه من أجل احترام المرأه التي يجب مراعاة حقوقها المشروعة الدينية والدنيوية، فالبعض من أبناء العشائر غالبا ما يحاولون منع أي شخص غريب من أن يتزوج ابنة العم ويصرون على زواجها بغض النظر عما إذا كان هناك تفاهم بين بنت العم وابن عمها، وإن كان يكبرها بعدة سنين، فالفارق العمري والتفاهم ليسا مهمَين بالنسبة لهم، وتصبح البنت ضحية وامرأه هامشية في حياة الرجل، مما يستوجب بقاءها في البيت؛ لأداء واجباتها المنزلية فقط.

طالب جامعي في الرمادي يسقط ضحية "النهوة" العشائرية

قبل فترة، لقي شاب جامعي مصرعه بعدما قامت مجموعة من الشباب بالاعتداء عليه وقتله نتيجة "النهوة العشائرية" في مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار.

وقالت مديرية شرطة المحافظة في بيان لها: "إن الشاب هو طالب جامعي، لقي مصرعه متأثرا بجراحه إثر إطلاق النار عليه من قبل أحد أفراد عشيرته إثر خلاف بسبب النهوة، وإن الضحية كان يروم عقد قرانه على إحدى بنات عشيرته، إلا أن خلافا نشب بينه وبين أحد أبناء عم الفتاة تطور إلى استخدام السلاح ومن ثم إصابته بجروح توفي على أثرها بعد نقله للمستشفى".

إن القيم الاجتماعية الموروثة التي ما زالت سائدة في مجتمعنا إلى اليوم على الرغم من التطور والثقافة والانفتاح على ثقافة مجتمعات أخرى، ودخول التكنولوجيا بكل أشكالها وأنواعها، إلا أن هذه العادات أخذت تنخر جسد المجتمع والدخول في تفاصيله الدقيقة، وتتزايد بشكل كبير جداً، وهذه التفاصيل أثرت بشكل سلبي على التعامل مع المرأه ككيان مهم وعمود من أعمدة المجتمع، ويجب أن يأخذ القانون دوره في معاقبة مرتكبي تلك الجرائم، أو حتى من يصدر منه تهديد "النهوة" ليكون الجزاء عادلاً بين أفراد المجتمع، وتسود حالة الطمأنينة بين من يرومون الزواج وفق ما أمر به ديننا الحنيف والسنة النبوية الشريفة وما وثقته القوانين الوطنية.