المواجهة السعودية الإيرانية عبر حزب الله

15 أكتوبر 2017
+ الخط -
تطورت حدة المواجهة بين السعودية وحزب الله، إثر اشتعال التراشق الكلامي بين وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان وزعيم الحزب حسن نصرالله، ووصل إلى حد التجريح الشخصي. وواضح أن هذا السجال العنيف هو انعكاس لما يجري من تطورات إقليمية متسارعة ومتشابكة على أكثر من صعيد وفي غير اتجاه. إذ كان نصرالله يترقب بقلق، على ما يبدو، المواقف التي أعلنها لاحقا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وتحديدا ما يخص زيادة العقوبات المالية، وتشديدها على حزبه، وفي ما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران. فيما تبدو السعودية غير متأكدة من جذرية خطوات الإدارة الأميركية، وتعتبر الإجراءات ضد حزب الله غير كافية. وترافقت هذه الشكوك مع زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز، وهي الأولى التي يقوم بها ملك سعودي إلى موسكو.
وقبل أن يبدأ نصرالله خطابه بشن هجوم على أميركا والسعودية، وهي خطابات تتكرر بشكل لافت هذه الأيام، غرد السبهان على حسابه على "تويتر" إن "العقوبات الأميركية ضد الحزب المليشياوي الإرهابي في لبنان جيدة، لكن الحل بتحالف دولي صارم لمواجهته، ومن يعمل معه لتحقيق الأمن الإقليمي". وكان السبهان قد كلف بالملف اللبناني، وزار بيروت مرات، والتقى عددا من السياسيين، في محاولة لشد العصب ضد حزب الله، وإعادة تقريب وجهات النظر بين قوى "14 آذار" سابقا. وقد سبق تغريدته هذه بأخرى، وصف فيها حزب الله بأنه "حزب الشيطان". وجاءه الرد سريعا من نصرالله الذي قال إن "حزب الله أكبر من أن يواجهه السبهان وقادته بتحالف محلي. ولهذا هو يدعو إلى تحالف دولي لمواجهة حزب الله". ما بدا أنه تنويه وتباه من نصرالله بقوة حزب الله، وبدوره الإقليمي. ثم أردف واصفا السبهان بالزعطوط.

وانهالت التساؤلات مستفسرةً عن المعنى الذي يعكس، بطبيعة الحال، استخفافا بالشخص. وقد عثرنا في القاموس على تفسيرين متقاربين، الأول باللغة الآرامية يعني الشخص الراشد الذي يتصرف مثل طفل، وتصدر عنه سلوكيات غير مقبولة. والثاني باللهجة المغربية، ويعني قردا صغيرا يتمتع بوبر كثيف وحجم صغير. وقد بدا نصرالله في بداية الخطاب منفعلا ومتوترا بعض الشيء، فقد صب غضبه على الإدارة الأميركية "أصل كل الشرور، وهي مع السعودية صاحبة مشروع التآمر على المنطقة، والآخرون ملحقون". وأطال نصرالله الحديث عن الوضع اللبناني الداخلي، معلنا ومؤكدا أن لبنان سيبقى في مأمن عن أي تطورات سلبية في المنطقة. وكانت لافتةً إشادته بالحكومة، وبكل ما تقوم به من إجراءات اقتصادية ومعيشية، وتحسين أجور الموظفين والمتقاعدين ورواتبهم، وتصميمه وتأكيده على إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها (مايو/ أيار 2018). وأشاد برئيس الجمهورية، ميشال عون، من باب الرد أيضا على ما تسرب عن الإدارة الأميركية أن واشنطن تعتبره عميلا لحزب الله. وقد نفى نصرالله التهمة قائلا إن "الأميركان يريدونه عميلا لهم وتابعا لسفارتهم". وقد فسر مراقبون هذه الإشادة وهذا "الاحتماء" بالوضع الداخلي بأنه يعكس ريبة الحزب من التطورات المقبلة التي يمكن أن تعني عودة المواجهة والتوتر بين أميركا وإيران، وربما عودة العقوبات مجددا على طهران. في الوقت الذي يبدو فيه قرار تشديد العقوبات على حزب الله ومضاعفتها مؤكدا، بهدف تجفيف كل منابع (وقنوات) تمويله، عبر منع أي متمول أو رجل أعمال له مصالح أو متعاطف مع الحزب، في أي دولة أو قارة وجد. ترافقها إجراءات لوجستية وتهديد بعقوبات على أي مصرف أو مؤسسة مالية تتجرأ بتحويل (أو نقل) أموال للحزب، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
ويبدو نصرالله غير مرتاح جدا لتطور الميدان في سورية، على الرغم من تظاهره وإعلانه عكس ذلك، فها هي تركيا أصبحت في إدلب، ورجاله غارقون في صحراء البادية السورية، وقتلاهم بالعشرات. وهو يحاول في المقابل أن يضغط على الحكومة اللبنانية، لكي تفتح حوارا رسميا مع النظام السوري، بحجة تأمين عودة النازحين السوريين، وإذ بهؤلاء يرفضون حتى من هم موالون للنظام، والحكومة اللبنانية ترفض، لأن رئيسها سعد الحريري لم يتبقّ له إلا هذا الملف، لكي يشد به عصبيته، ويحافظ على شعبيته المعادية لبشار الأسد. كما أن الانتخابات باتت على الأبواب والخصوم في الشارع السني كثيرون.

ما ينتظر طهران وحزب الله إذا حصار خانق. وقد اعترف نصرالله بأن العقوبات ستكون قاسية ومؤلمة، وسترهب أصدقاء ومتبرعين كثيرين، لكنه أكد أنها "لن تدفعنا إلى تغيير موقفنا مهما كلف الأمر". ولكن هل ترامب جاد فعلا في ما يقول أو يخطط له أم أنه يشيع مجرد تهويل، و"فشة خلق" هنا وهناك، كما فعل إلى الآن تجاه كوريا الشمالية وتجاه بشار الأسد؟ تجاه موسكو أم بالتواطؤ معها؟ أو حتى مع إيران؟ وربما هذه الأسباب وغيرها ما يجعل السعودية غير واثقة أو غير مرتاحة لطريقة الإدارة الأميركية بشأن الأزمة السورية، وموقفها المتراخي وترددها في دعم المعارضة، ما يسهل انتشار إيران وتوسعها عراقياً وسورياً ولبنانياً، وغزلها مع تركيا. وقد تعانقت الطورانية والفارسية في أول زيارة يقوم بها رئيس تركي لطهران. وهي السياسة نفسها التي دفعت أنقرة إلى أحضان موسكو. هل يمكن القول إن السعودية قد خدعتها سياسة ترامب، على الرغم من كل ما أغدقته عليه من دعم مالي وسياسي واقتصادي؟ أم أن رزانة الملك سلمان، وبعد نظره كما يقول العارفون، يدفعانه إلى التمهيد لخلافة ولي العهد محمد بن سلمان، وهو من جيل العائلة المالكة الثالث، عبر السعي إلى ترتيب الأمور الخليجية أمامه، ثم العربية، بالتصدّي للتوسع الإيراني في المنطقة العربية. ثم ينفتح شرقا على الخصم التاريخي، بحثا عن توازن في العلاقات مع "الدب الروسي" الذي يمسك بزمام أمور الساحة السورية، وبالتالي الإقليمية؟ وهل تحمل هذه الخطوة، في طياتها أيضا، رسالة امتعاض إلى الحليف الأميركي؟
5231ACF6-F862-4372-9158-B1655EE52A60
سعد كيوان

صحافي وكاتب لبناني، عمل في عدة صحف لبنانية وعربية وأجنبية.