أصدر مكتب الإحصاء الأميركي مؤخراً بيانات جديدة عن أكبر مسح أجرته الحكومة، تم فيه جمع بيانات مباشرة من أكثر من مليوني أسرة خلال العام الماضي 2016، وكان من أكثر الأرقام المعبرة فيه، وصول عدد المهاجرين إلى 43.7 مليون مهاجر.
بعدها قدرت وزارة الأمن الداخلي أن الرقم المذكور يقل عن العدد الحقيقي بنحو 1.9 مليون مهاجر، أي أن عدد المهاجرين الحقيقي هو 45.6 مليون مهاجر، يشكلون حوالي 14.1% من إجمالي السكان.
وهذا العدد هو الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة، كما أنه يقترب من أعلى نسبة وصل إليها، وكانت 14.7%، وسجلت في 1910، إبان موجة النزوح الإيرلندي والإيطالي.
وقبل عام 1965، سادت في الولايات المتحدة سياسات حدّت من فرص الهجرة والتجنيس للقادمين من مناطق خارج أوروبا الغربية، حيث حظرت قوانين تم سنها، في وقت مبكر من عام 1880، الهجرة من آسيا، أو قيدتها بصورة كبيرة.
كما شُرِّعت في عام 1920 قوانين أخرى حدّت من الهجرة من أوروبا الشرقية. لكن حركة الحقوق المدنية في الخمسينيات والستينيات استبدلت الحصص العرقية بحد أقصى لكل بلد على حدة. ومنذ ذلك الحين، تضاعف عدد المهاجرين من الجيل الأول الذين يعيشون في الولايات المتحدة أكثر من أربع مرات.
ومع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، في يناير/كانون الثاني 2017، انخفض عدد اللاجئين بصورة كبيرة، واستقبلت الولايات المتحدة، خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أول شهر في السنة المالية الأميركية، 1242 لاجئا فقط، بانخفاض حوالي 87% عن نفس الشهر من العام الماضي، والذي وصل فيه عدد اللاجئين إلى 9945 لاجئا، نصفهم تقريباً من الدول ذات الأغلبية الإسلامية التي يحاول ترامب تثبيت قراره بحظر دخول مواطنيها إلى البلاد.
قوة دفع للاقتصاد
وسمحت سياسات ترامب لأصوات أخرى بالتعبير عن رفضها للسياسات السابقة المشجعة للهجرة، واعتبر البعض أن الولايات المتحدة تقبل عدداً أكبر من اللازم، واعتبروا أن العديد من الأميركيين المولودين في أميركا يشعرون على نحو متزايد بأنهم "غرباء في أرضهم". وفي ذلك قال ستيف كينغ، السيناتور الجمهوري، من ولاية أيوا في تغريدته الشهيرة على موقع تويتر، "لا يمكننا استعادة حضارتنا بأطفال أناسٍ آخرين".
لكن الواقع يقول إن المهاجرين مثلوا، ومازالوا، قوة دفع كبيرة للاقتصاد الأكبر في العالم. وفي البلدان التي تواجه تحديات سكانية حادة، تشكل الهجرة حلاً للمشكلات التي يفرضها تزايد الشيخوخة في البلاد المُهاجَر إليها.
ويساعد ما يدفعه المهاجرون من ضرائب في تمويل المعاشات التقاعدية المحلية، كما أنهم يساعدون في تخفيف النقص في العاملين في مجال الرعاية الصحية.
ولا يقتصر دور المهاجرين على العمل بالوظائف الدنيا، فمع ازدهار الجيل الأول من المهاجرين إلى البلدان الغنية، يصبح هؤلاء وأبناؤهم أكثر قدرة على المساهمة في العلوم والفنون والابتكار، وما حالة ستيف جوبز منا ببعيدة، المؤسس الشريك والمدير التنفيذي السابق لشركة آبل، حيث أنشأ شركة أقل ما توصف به أنها ساهمت في تغيير العالم، وكان ابناً لرجل مسلم سوري، هاجر إلى الولايات المتحدة في شبابه واستقر بها.
ويقول مايكل شيرتوف، وزير الأمن الداخلي في إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، عن اللاجئين "لقد حققوا الكثير من القيمة الاقتصادية. لا أعتقد أنهم يأتون لأخذ الوظائف الأميركية".
وفى رسالة إلى ترامب وكبار قادة الكونغرس قبل فترة، قام حوالى 1500 من الاقتصاديين بعدّ الفوائد الاقتصادية التي يجلبها المهاجرون للولايات المتحدة، وحثوا الكونغرس على "تحديث" نظام الهجرة في البلاد. وقال دوغلاس هولتز- إيكين، أحد الموقعين على الرسالة، والذي عمل بإدارة الرئيس جورج بوش الأب، إن "الهجرة ليست أمراً جيداً فحسب، وإنما ضرورة".
إيرادات كبيرة للحكومة
وفي دراسة أعدتها مؤخراً إدارة الخدمات الصحية والإنسانية التابعة للحكومة الأميركية، اطلعت عليها "العربي الجديد"، أشارت الأرقام إلى أن اللاجئين إلى الولايات المتحدة خلال العقد الأخير جلبوا إيرادات للحكومة تفوق ما تم إنفاقه عليهم بحوالي 63 مليار دولار. ولم تنشر الدراسة للعامة حتى الآن، رغم انتهاء إعدادها في يوليو/تموز الماضي.
ويعمل في الولايات المتحدة حالياً حوالي 27 مليوناً ممن وُلِدوا خارج البلاد، يمثلون حوالي 17% من قوة العمل، وفقاً لإحصاءات مكتب العمل التابع لوزارة العمل الأميركية، في وظائف مختلفة، من مهنة السباكة إلى مناصب عليا في وكالة ناسا، والبنك الدولي، وبرمجة الحاسب الآلي في أكبر الشركات.
وأشارت دراسة حديثة لإدارة الأعمال الصغيرة، التابعة للحكومة، إلى أن 10.5% من المهاجرين يمتلكون شركات، مقارنة بنسبة 9.3% من الأميركيين المولودين في البلاد. وهو ما يعني أن احتمالات تملّك الشركات تزيد عند المهاجرين بحوالي 10 %. كما وجدت الدراسة أيضاً أن من بين كل ألف مهاجر، تنشأ 62 شركات جديدة، وهو أكثر من ضعف المعدل عند المولودين بالبلاد.
وشارك المهاجرون في تأسيس ربع شركات الملكية العامة بين عامي 1990 و2005، وازدادت النسبة منذ ذلك الوقت، وفي ثلث الشركات التي تحولت إلى الملكية العامة بين عامي 2006 و2012، وُجد مؤسس واحد على الأقل من المهاجرين. وفي 87 شركة مملوكة للقطاع الخاص، وقدرت قيمتها بأكثر من مليار دولار، كان المؤسسون في 51% منها من المهاجرين.
وفي دراسة أعدها جون ماكلارن من جامعة فيرجينيا، وجيهون هونغ من جامعة هنديانا، أكد الباحثان أنه في الصناعات غير القابلة للتداول خارج الولايات المتحدة، وتشمل محلات التجزئة وشركات إنشاءات وتصنيع، فإن كل ألف مهاجر يصل إلى الولايات المتحدة، يخلق 1200 فرصة عمل، يستفيد في أغلبها المواطنون المولودون في هذا البلد.
كما أظهرت الإحصاءات أن 11% من المهاجرين السوريين، على سبيل المثال، هم أصحاب أعمال، مقارنة بنسبة 3% بين المولودين في الولايات المتحدة.
أغلب المحلات للصوماليين
وفي مدينة ويلمار بولاية مينيسوتا (وسط غرب الولايات المتحدة) يستحوذ الصوماليون على أغلب المحلات، مما يطلق عليه main street business، وهي المحلات التي تتكون منها سمات منطقة معينة أو مجتمع معين في مدينة ما.
ولا تعد ولاية مينيسوتا استثناء بين الولايات الأميركية، فأغلب المحلات التي تقع تحت هذا التصنيف في الولايات المتحدة يتملكها المهاجرون، وكان لهم بصمة واضحة في إحياء تلك النوعية من المحلات في مدينتي فيلادلفيا (أكبر مدن ولاية بنسلفانيا شمال شرق الولايات المتحدة) وناشفيل (عاصمة ولاية تينيسي جنوب شرق).
ففي ناشفيل يمتلك المهاجرون ما يزيد عن 13 ألفاً من هذه النوعية من المحلات، وفي مدينة ناشفيل يمتلك المهاجرون ثلاثة من كل عشرة من تلك المحلات. ولا يستطيع أحد إنكار دور المهاجرين العرب في إنقاذ ولاية ميتشيغان (غرب) بعد أزمة صناعة السيارات في مدينة ديترويت، التي أعلنت إفلاسها عام 2013، والتي كانت مدينة بنحو 15 مليار دولار.