المنعطف الخطر للبورصات...الشكوك مستمرة رغم الحديث عن تسوية الحرب التجارية

04 نوفمبر 2018
ترامب حريص على ارتفاع وول ستريت (Getty)
+ الخط -

عادت أسواق المال العالمية إلى الارتفاع خلال الأسبوع الماضي، بعد انتكاسات متواصلة طوال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي دعت مصارف استثمار عدة للقول إن "فقاعة وول ستريت" على وشك الانفجار، وإن الأسواق تتجه نحو أزمة مالية شبيهة بالأزمة المالية في عام 2008.
وجاء التحسن في أداء الأسهم الأسبوعي على الرغم من خسارة مؤشر "داو جونز"، أكثر من 109 نقاط. 

لكن ما هي العوامل التي جعلت السوق تعود للارتفاع وتدفع كبار المستثمرين للعودة إلى وضع أموال جديدة في أسهم الشركات بعد الهروب الكبير طوال شهر بأكمله؟
يرى محللون في موقع "ماركت ووتش" الأميركي الذي يراقب تحركات سوق "وول ستريت"، أن العامل الرئيسي وراء ذلك هو تصريحات الرئيس دونالد ترامب عن قرب التوصل إلى اتفاق تجاري مع الصين، وأن هناك تفاهماً بينه وبين الرئيس الصيني جين بينغ شي حول الرسوم المتبادلة بين البلدين.

لكن ثمة عوامل أخرى دفعت المستثمرين نحو العودة إلى وضع أموال في أسهم الشركات الأميركية، وإن كانت أقل تأثيراً في السوق من احتمال التوصل لاتفاق تجاري بين الصين وأميركا. من بين هذه الأسباب أرقام البطالة التي كشفت عنها الإحصاءات الأميركية يوم الخميس الماضي وجاءت أفضل كثيراً من توقعات المحللين.

وحسب محللي "ماركت ووتش"، مساء السبت، فإن احتمال وضع نهاية للحرب التجارية المدمرة للاقتصاد العالمي ولصادرات العديد من الشركات العالمية، قد أضاف نحو 900 نقطة إلى مؤشر "داو جونز" خلال أربعة أيام ومنذ يوم الإثنين الماضي وحتى إغلاق الأسبوع يوم الجمعة. 

وكان ترامب الذي يسعى بكل ما يملك إلى كسب الانتخابات المحلية في أميركا قد أدلى بعدة تصريحات، فهم منها أنه في طريقه لعقد صفقة تجارية مع الصين تُنهي الحرب التجارية. من بين هذه التصريحات قوله يوم الإثنين الماضي "إنه سينفذ صفقة تجارية ضخمة مع الصين بشأن الرسوم الجمركية"، كما قال ترامب يوم الخميس إنه أجرى مكالمة جيدة مع نظيره الصيني جين بينغ شي.


كما نفى مستشاره الاقتصادي لاري كادلو، يوم الأربعاء، صحة تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ، قالت فيه إن الإدارة الأميركية بصدد فرض تعرفة جمركية على كل البضائع الصينية، ولكنه في الوقت ذاته أكد أنه ليس هناك مسودة اتفاق أعدها البيت الأبيض، كما أشيع في السوق ونشرتها بلومبيرغ خلال الأسبوع الماضي.

ولكن السؤال المحير الذي طرحه العديد من المعلقين على تصريحات ترامب، بشأن احتمال تسوية مع الصين، هو: هل فعلاً يصدق المستثمرون ترامب، وهم يعلمون أنه في أمس الحاجة إلى بقاء سوق المال مرتفعة خلال هذا الشهر الذي تجرى فيه انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، أم أنهم يساعدونه على الفوز خوفاً من سيطرة الحزب الديمقراطي على الكونغرس؟.

وحسب مراقبين فإنه عادة ما تهيمن المواضيع المحلية، وعلى رأسها الاقتصاد والهجرة، على انتخابات الكونغرس.
ويرى المستثمرون أن الحرب التجارية مع الصين وتداعياتها هي الموجه الرئيسي لأسواق المال في الوقت الراهن، إذ إن النمو الاقتصادي بالصين وحجم الصادرات الأميركية ذو تأثير كبير على نمو العديد من الشركات الأميركية. 

في هذا الصدد يقول التاجر الأميركي الذي يصدر بضائع للصين لوكالة بلومبيرغ، "الصين تمثل الرقم الصعب للسوق في الوقت الراهن... وكم ستستمر الحرب التجارية لنا مع الصين". 
من جانبها، تقول جينغوا لين، المحللة في شركة "كابيتال سيكيوتز" الأميركية، في تعليق لقناة بلومبيرغ، "لم يصل الناس إلى هذا المستوى من التشاؤم منذ عقد من الزمان، وثمة ضعف في الثقة الاستهلاكية، وهذا الضعف يرسل إشارة خطرة إلى السوق. وبالتالي، فإن موضوع تسوية الحرب التجارية بين واشنطن وبكين يبدو القضية الكبرى للمستثمرين في أسواق المال في الوقت الراهن.

من جانبه، يرى مصرف "جي بي مورغان" الأميركي، في مذكرة لعملائه، أن من بين الأسباب الأخرى في ارتفاع السوق خلال الأربعة أيام الأولى من الأسبوع الماضي، عودة الشركات الأميركية لتنفيذ صفقات إعادة شراء لأسهمها.

ويقول المصرف الأميركي، وحسب ما نقلت عنه صحيفة "وول ستريت"، إن حجم مشتريات الشركات لأسهمها قفز من 12 مليار دولار في 19 أكتوبر/ تشرين الأول إلى 39 مليار دولار في 29 أكتوبر/ تشرين الأول، أي خلال 10 أيام.

وفي هذا الوقت، الذي يشهد العالم فيه اضطرابات سياسية وشكوكاً حول النمو الاقتصادي العالمي، تسعى الشركات الأميركية عبر هذه المشتريات إلى دعم أسهمها ومنعها من الانهيار، وفي الوقت ذاته شرائها بسعر رخيص مقارنة بوقت الذروة. 

ومن خلال عمليات إعادة الشراء، تبعث الشركات في المستثمرين الأمل في أن أداء هذه الشركات جيد على الرغم من الظروف الحرجة التي يمر بها السوق، وبالتالي تحتفظ بجزء من جاذبيتها.

ولاحظت مؤسسات ومصارف استثمارية، من بينها "جي بي مورغان" ومؤسسة نومورا اليابانية في تحليل لأسواق المال العالمية، أن أسواق المال العالمية خسرت نحو 6.7 ترليونات دولار خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. فيما خسرت سوق وول ستريت وحدها نحو 4 ترليونات دولار.

وتقدر القيمة السوقية لأسواق المال العالمية بنحو 88 ترليون دولار، أكبرها سوق المال الأميركي الذي تفوق قيمته حالياً أكثر من 29 ترليون دولار.

ومنذ يناير/ كانون الثاني، حين شهدت البورصات العالمية أكبر حركة تصحيح في قيمة الأسهم العالمية وحتى نهاية الأسبوع قبل الأخير من شهر أكتوبر/ تشرين الأول، خسرت أسواق المال العالمية نحو 15 ترليون دولار، أي حوالي 17% من قيمتها، فيما انخفضت أسواق المال في الاقتصادات الناشئة في 20 جلسة تداول خلال الشهر الماضي، ومنذ مايو/ أيار 2012.

ورغم الارتفاع الذي حدث في البورصات العالمية الأسبوع الماضي، فهناك شكوك واسعة حول إذا ما كانت سوق المال ستواصل التماسك وتتفادى عمليات تصحيح مؤلمة خلال ما تبقى من العام الجاري، خاصة أن ثمة توجهاً لشراء الذهب من قبل العديد من المصارف المركزية العالمية. وعادة يرتبط شراء الذهب بالتحوط للانخفاض في الموجودات الأخرى، وعلى رأسها أسواق المال.

ويضاف إلى العوامل التي لا تدعم تماسك أسواق المال ارتفاع الدولار وقوته التي تؤثر بشكل مباشر على الاقتصادات الناشئة وترفع من كلفة شراء الوقود وتسديد أقساط الديون المقترضة بالعملة الأميركية في سنوات الفائدة الصفرية. والآن يشهد العالم ارتفاعاً في نسبة الفائدة الأميركية، وبالتالي تهديد العديد من دول العالم المثقلة بالديون.

وكان مصرف "جي بي مورغان" قد رصد 5 مؤشرات قال إنها يمكن أن تفجّر فقاعة الأسهم الأميركية خلال الأشهر المقبلة، كما توقع استمرار التصحيح الجاري في سوق "وول ستريت".
وقال استراتيجي الاستثمار في البنك، نيكولاس بانيجرت زوغلو، في تحليل الشهر الماضي، إن هناك خمسة مؤشرات تدل على أن التصحيح سيتواصل في سوق المال الأميركي.

وهذه المؤشرات هي أولاً تدني جاذبية الأسهم الأميركية خلال العام الجاري، إذ يرى معظم المستثمرين أن الأسهم الأميركية بلغت ذروة ارتفاعها، وأنها ستتجه إلى التراجع، وبالتالي تزداد عملية البيع مقارنة بالشراء، وثانياً ارتفاع معدلات التحوّط وسط كبار المستثمرين من مؤسسات وصناديق لموجوداتهم المقيّمة بالأسهم. وتقدر موجودات الصناديق وحدها في سوق وول ستريت بحوالي 1.5 تريليون دولار. أما المؤشر الثالث فيكمن في ارتفاع معدل الرهونات على مؤشر المخاطر على العقود والخيارات المستقبلية.

والرابع هو ارتفاع حجم ديون متاجر التجزئة في أميركا إلى رقم قياسي. أما المؤشر الخامس فهو تباطؤ عودة الأموال الأميركية من الخارج إلى أميركا، إذ لاحظ خبير "جي بي مورغان" أنها بلغت 105 مليارات دولار فقط في الربع الثاني مقارنة بمعدلاتها المرتفعة في الفترات السابقة.
المساهمون