المناهج الدينية الأردنية.. دعوات إصلاحية تحت حراب الحرق والإرهاب

26 فبراير 2015
تظاهرة في إربد ضد الإرهاب (أ.ف.ب)
+ الخط -

لم يستفق الشارع الأردني بعد من مشهد قتل الطيار في الجيش الأردني، معاذ الكساسبة، حرقاً على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، فقد طرحت الكثير من علامات الاستفهام، خصوصاً في الأوساط الشبابية.

أسلوب الجريمة الصادم، والذي بات جزءًا من آلة الإرهاب الإعلامية، كان له الأثر البارز في جعله أكثر وقعاً وتأثيراً على المجتمع، وردود الفعل الأولية على الحادثة، رسمياً وشعبياً، كانت مسيرات ووقفات احتجاجية وإضاءة شموع في العاصمة عمان، وبحضور شخصيات من القصر والعائلة المالكة شخصيا، تبعها إعدام ثأري لإرهابيين معتقلين منذ أكثر من عشر سنوات في سجون النظام الأردني، وتحركات عسكرية كان واضحاً أن هدفها هو امتصاص النقمة الشعبية وتحويل الأنظار عن الأسئلة الداخلية الملحّة، بحسب البعض.

أما على مواقع التواصل الاجتماعي، تويتر وفيسبوك، فقد كانت بعض الأصوات لا تقل عنفاً، من خلال دعوات لحرق بعض الكتب الدينية، بوصفها سببا في الانحراف، ومطالب للثأر من قتلة معاذ، وصلت إلى حد المطالبة بحرق علني لمعتقلين إرهابيين في السجون الأردنية اقتصاصاً. ما يدعو إلى القلق أن دعوات الحرق والقتل تلك صدرت عن ناشطين ومثقفين شباب يفترض أنهم كانوا طليعة الحراك المطالب بالعدالة والديمقراطية والإصلاح إبان "الربيع العربي"!

تناقض إن دل على شيء فإنما يدل على عمق الأزمة داخل المجتمع الأردني، حيث بات العنف وسيلة تعبير عن الرأي حتى بين الشباب أنفسهم، يقابله تواطؤ حكومي هدفه الخروج بمظهر البطولة.

لا يعي القيمون على الحكم خطورة تكريس الثأر والعنف وسيلة انتقام في بلد ينوء تحت ثقل القيود الاجتماعية والسياسات الخاطئة التي وقفت لعقود حائلاً أمام انتقال المجتمع والفرد نحو مفاهيم الحداثة، وتبني قيم العدالة، والتحلي بالمسؤولية الأخلاقية والحضارية. لطالما كان الهم الأكبر في الأردن- كما حال معظم الأنظمة العربية- هو حماية جسد النظام ومؤسساته من الشباب ومطالبهم وتطلعاتهم وأحلامهم، حتى أصبحت دوائر المخابرات أهم من وزارات التعليم والثقافة، وترك الشباب فريسة الأفكار المتطرفة، في البيت والشارع وأماكن العبادة، فضلاً عن المدرسة والجامعة.

يرى مطلعون على المشهد أن المطلوب من الدولة السير باتجاه رؤية مستقبلية تفرض تغييراً في السياسات الاقتصادية والتعليمية، فضلاً عن التغيير السياسي، مما يسهم في تمهيد الطريق أمام إصلاح الفرد، وبالتالي المجتمع. يعتبر الكثير من التربويين في المملكة أن الإصلاح على المستوى الشبابي يبدأ من التعليم، وأن محاربة الأفكار المتطرفة والعنفية تتطلب مراجعة شاملة للمناهج الدراسية، لا سيما الدينية منها، وهو أمر أكد عليه وزير التربية والتعليم الأسبق، إبراهيم بدران، في افتتاح مؤتمر بعنوان "نحو استراتيجية شاملة لمحاربة التطرف"، مشدداً على "أن التربية هي المصنع الرئيسي لتكوين العقلية المجتمعية والفردية". وأضاف "إن البلاد دخلت مرحلة لا تستطيع الاستمرار فيها في المواربة والتهرب من الإجابة عن الكثير من الأسئلة"، مؤكدا "أنه عندما نتحدث عن الإرهاب والعنف، فإننا نتحدث عن عقلية شكلت لتكون مستعدة للتجاوب والخروج عن القانون والدولة والأعراف الإنسانية".

من جهته، أشار رئيس الوزراء الأردني، عبدالله النسور، إلى "أن أولى الخطوات لمواجهة التطرف، تكون بإعادة النظر في المناهج الدراسية، بما يبني الشخصية المعتدلة الوازنة". تصريحات توحي بأن الدولة الأردنية تتجه نحو فرض مزيد من الرقابة على المؤسسات التعليمية والدينية، وصولاً إلى إعادة النظر في المناهج، وهو طرح دونه تحديان: الأول يأتي من القوى الإسلامية المختلفة، حيث يرفض هؤلاء المساس بجوهر الثقافة الإسلامية، وهو ما يتفق عليه مختلف الطيف الأردني، وصولاً إلى مفاهيم خلافية، كالجهاد ونظرة الإسلام إلى الحداثة والديمقراطية. والتحدي الآخر، هو السير في الإصلاح بعيداً عن الرغبات الخارجية، والإملاءات الأميركية خاصةً، حيث يشير البعض إلى أن تغيير المناهج هدفه تمرير بعض الأفكار التطبيعية، وهو ما تقف في مواجهته القوى الإسلامية واليسارية على حد سواء.

قد يرى البعض أن الإصلاح في البنية التعليمية مطلب هامشي، في ظل ما تشهده المنطقة من انهيار أمني وسياسي وتفكك دول وإضعاف أخرى، وهو ما أتى في مصلحة تزايد نفوذ المليشيات الطائفية على حساب الدولة، كما في اليمن. ويعزز ذلك الشعور باليأس عند فئة الشباب، خاصة في ظل ما آلت إليه نتائج الثورات العربية، التي لطالما رأوا فيها أملا للمستقبل. هؤلاء لطالما عانوا من الإقصاء والبطالة والتهميش السياسي والاجتماعي، ودفعوا ضريبة ذلك سقوطهم في مستنقع العنف والتطرف. الظروف نفسها ستؤدي حتماً إلى ثورات قادمة بلا شك، إذا لم يتدارك القيمون على الحكم ضرورة أن تبدأ عجلات التغيير عند القمة وفي القاع بشكل متوازٍ.


(الأردن)

المساهمون