منذ سيطرة تنظيم "القاعدة" على مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، شرقي اليمن في الثاني من إبريل/نيسان الماضي، تجنّبت السلطات اليمنية أية مواجهة معه. ولم ينل حدث بحجم هذه السيطرة اهتماماً كافياً من السلطات، مقارنة بأهمية محافظة حضرموت محلياً وإقليمياً.
ولم تتوقف الأمور عند هذا الحدّ، بل إنه لم يُصدر أي بيان رسمي حتى اللحظة، يوضح موقف السلطات من سيطرة "القاعدة" على المكلا، غير تصريح مقتضب لنائب رئيس الجمهورية خالد بحاح، الذي قال في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة السعودية الرياض، بعد أيام من سيطرة التنظيم على المدينة، إن "المسلّحين هم أبناء حضرموت". غير أن الزخم الإعلامي كان منصباً حينها على عمليات "عاصفة الحزم"، قبل أن يُرسّخ التنظيم جذوره في مدينة المكلا.
ويبدو أن السلطات الشرعية المقيمة في الرياض، مصممّة على القضاء على الحوثيين، قبل الدخول في أي معارك أخرى، ربما تشتت جهدها وتزيد من أعباء استعادة الشرعية، التي انقلب عليها الحوثيون بمساعدة قوات موالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
وتُبيّن الضربات الجوية التي تشنها طائرات "الدرونز" (طائرات من دون طيار) الأميركية ضد "القاعدة" من دون تدخل من التحالف العربي أو السلطات الشرعية، أن الأميركيين يخوضون الحرب ضد التنظيم بمفردهم حتى اللحظة، على الأقلّ.
لكنّ مراقبين يرون أن "تعيين عتيق شكلي أكثر منه فعل إرادة من السلطات لاستعادة المدينة ودحر القاعدة"، مستدلين بكبر سن عتيق، الذي تجاوز الـ 70 عاماً. كما أن مقرّ قيادة المنطقة الثانية، لا يزال تحت سيطرة التنظيم، في ظلّ فرار الآلاف من الجنود".
وفور سيطرة "القاعدة" على المكلا، تحرّك "حلف قبائل حضرموت"، أكبر تجمّع قبلي في المحافظة، صوب المدينة لحمايتها، لكنه توقف في الضواحي الشرقية للمدينة، بحجّة "وجود كمائن وتمركز في الجبال لمسلّحي القاعدة"، قبل أن يعلن انسحابه وعدوله عن الدخول في المعركة. وترى أطراف محلية أن "دخول القاعدة المدينة، تمّ بصفقة وبإيعاز قوى داخلية وخارجية، وأن الدخول في معركة معه ستكون خاسرة وستزج المدينة في متاهة أمنية".
اقرأ أيضاً اليمن: "القاعدة" يستعد لانسحاب تدريجي من المكلا
وبعد مرور أكثر من 100 يوم على سيطرة القاعدة على مدن ساحل حضرموت، لم يُواجه التنظيم أي تحدٍّ أمني، سوى الضربات الجوية التي تشنّها طائرات الدرونز، عدا ذلك لم يعلن أي طرف محلي المواجهة مع التنظيم.
على الجانب الآخر، ارتفعت أخيراً المطالبات المتكررة سواء من المجلس الأهلي الذي يدير شؤون المكلا، أو من شخصيات اجتماعية ودينية، تطالب بضرورة انسحاب "القاعدة" من المدينة. وهو ما يضع التنظيم تحت ضغوط مجتمعية، قد تُجبره على الانسحاب، ولو تدريجياً من المدينة.
وطالب داعية ديني بمدينة المكلا في خطبة عيد الفطر التنظيم، بضرورة تنفيذ ما التزم به من أنه سينسحب من المدينة. وقال الداعية صالح باكرمان، إن "العلماء والأعيان والمجلس الأهلي وكل المكونات الحضرمية، لا زالت تطالب أنصار الشريعة بتنفيذ ما وعدوا به والتزموا به من تسليم الحكم ومؤسسات الدولة ومرافقها لأعيان البلاد، حفاظاً على بلدهم وأهلهم من الحصار والدمار، وحفاظاً على أرواحهم من الطائرات الأميركية".
ويرى سياسيون أن "تدخل التنظيم في تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين، ربما يُعجّل بثورة ضده، خصوصاً أن أفراد جهاز الحسبة التابع للتنظيم، أقدموا خلال الأيام الماضية على إفشال حفلة عيد، وأصدروا قراراً بمنع إقامة حفلات الطرب ". ويقول التنظيم إن "دخوله للمدينة أتى لحمايتها من التمدد الحوثي، بعد معلومات وصلته عن صفقة يعد لها الحرس الجمهوري الموالي لصالح لتسليم المحافظة للحوثيين".
وسبق لـ"العربي الجديد" أن علمت أن "القاعدة يستعد لانسحاب تدريجي من المكلا بعد إجازة عيد الفطر، بالتنسيق مع المجلس الأهلي الحضرمي"، إلا أن هذا الأمر ليس كما يتصوره البعض، فالتنظيم غَنَمَ سلاحاً ثقيلاً بفعل سيطرته على المكلا، ولن يتخلى عن المدينة بسهولة.
وفي السياق، ذكر المتحدث الرسمي باسم المجلس ربيع العوبثاني، أن "المجلس سيتولى إدارة أمن مدينة المكلا، من خلال قوة مدرّبة حديثاً، بالإضافة إلى أفراد أمن سابقين، بقيادة ضباط مشهود لهم بالنزاهة". وعلى الرغم التفاؤل بانسحاب "القاعدة"، إلا أن التوجس لا يزال قائماً، خصوصاً أن التنظيم لم يفِ بالكثير من الالتزامات التي تعهّد بها سابقاً.
ومن المرجح عدم انسحاب "القاعدة" من المكلا، من دون فرض شروط مسبقة على من يتسلم أمنها وحمايتها، وربما يدفع ببعض أفراده للانخراط في أي قوة جديدة تتولى حماية المدينة، هذا إذا لم تدخل السلطات في معركة حاسمة مع التنظيم لاستعادة المدينة.
اقرأ أيضاً: "الدرونز" تنهي مسيرة منشد "قاعدة اليمن"