المقاتلة العارية من ضفائرها

20 اغسطس 2015
قصّت ضفيرتيها وربطتهما على حجر شاهدة وهوية (مواقع التواصل)
+ الخط -
"روجيندا"، هكذا سمّاني صاحب النص لأنه لم يعرف لي اسماً، لو كان قد سألني لأجبته: امرأة بلا ضفائر، صبية بلا ذاكرة سوى ذاكرة الموت، مقاتلة بكامل دمعي، من مواليد "شنكال" وأكبرُ من مجزرتها، أحمل ثأري فوق صدري معلَّقاً بسلسلةٍ ذهبيةٍ فيها صورته، صورته بكامل ملامحه قبل المجزرة، المجزرة التي أنجبت ثأري جنيناً لم أرده يوماً، لكنّني الآن أخلص له، غاب اسمي وظلّت قصّتي وضفيرتاي وثأري، و غاب اسمه و ظلّت صورته وحجر يقول "هنا تسكن روحك"، غاب اسمه فسمّاه صاحب النص "بروسك" ولو سألني لأجبته: رجلﹲ بكامل هيبته لا ينقصها إلّا الحياة، ضحكة صمتت وغابت تحت التراب باكراً، قلبٌ يرفرف بأغنيات الحب ويجعلُ من البزُق صلاةً للشمس، ويدان تداعبان شعري وترفعان ضفيرتيّ رائحةً من قرفة.


لنفترض أن اسمي "روجيندا"، ويعني بالكورمانجية "الشمس واهبة الحياة"، "روجيندا" التي قصّت ضفيرتيها وربطتهما على حجر شاهدة وهوية، هنا يسكن جسد "بروسك" إلّا أنّ روحه تسكنني، "روجيندا" الآن روحان لعاشقين أحدهما قُتل والآخر يسعى وراء ثأره، مقتولٌ ومشروع قاتل، أو ربما مشروع مقتول.

تركت ضفيرتيّ فوق حجر تحت الشمس لتمنح الشمسُ حياةً لمن قتله الظلام، "بروسك" ويعني "النيزك" ابتلعه السواد الوحش وحوّله إلى حكاية وجعلني الثكلُ مقاتلةً بشعر قصير جداً.

لك أن تناديني "بروسك"، نيزك موفد من الشمس ليخلّص الأرض من دمائها، نبي آخر يُقتَلُ لأنّه لا يشبه الناس، كنتُ أخطّط لأن أحمل "روجيندا" وأسافر بها إلى مدينةٍ لم تغيّر اسمها بعد، عندما قرّرت اختراق الليل ابتلعني ظلامه، كنتُ أحترقُ لأرى، ولكنّني في النهاية أصبحت رماداً مدفوناً في تراب ليس لي منه إلّا الحجرُ الذي يسمّى شاهدة وضفيرتاها اللتان تنفستُهما، سيقول الناس إنها تحوّلت إلى مقاتلةٍ بسببي، سأقول: لم نختر يوماً أن نقاتل، نحن أبناء القاتل الأوّل الرحماء أردنا أن نعيش حياة حبّ كاملة تحت الشمس، إلّا أن الدولة تكرهُ الشمس، الدولة هنا تعني كل دولنا التي يصلح عليها هذا الاسم، والتي سمّت به نفسها زوراً.

يا حبيبي "بروسك" أعرف أنّك لا تحبّ القتل، أعرف أنّك تفتحُ صدرك الطريّ للحياة لتصنع غابةً من حبّ، أعرف أنك سترتاح أكثرَ لو هربتُ و نجوتُ بنفسي، و لكنّني لن أرتاح إلّا إن ثأرت لك، الثأرُ آخرُ أغنياتِ العدالة، وإن قتلتُ سأعودُ إليكَ من جديد.

يا حبيبتي "روجيندا" لا تموتي، أحبّي الحياة كما أحببتها، وافتحي بابَ الابتسامة لتهربَ ذئاب الليل، و ابكي، لا تهربي من دمعك، البكاءُ هو الميزة الأهمّ للإنسان والتي يختص بها عن سواه، ويحاول الهروب منها و يلصقها بغيره، الإنسان يكذب ليقول إنّ الشجر يبكي والحصان والطير يبكيان، يهرب من وحدته ليصير شيئاً آخر فانتظري أن تنمو ضفيرتاك وعيشي بكّاءة ما استطعتِ.

تحمل "روجيندا" بندقيّتها، وتهجمُ حارثةً الموت، تطلق بسرعة عندما تشهق بكاءها، و تبكي وتطلق، تطلق وتبكي، وتصرخ باسمه الحي اشتياقاً، كانت تحاولُ أن تحرق الأرض لا لشيء بل لتحارب الظلام ورجاله، وتحقّقَ أسطورة "الشمس واهبة الحياة"، تهجم وهالة من نورٍ ونار تحيط بها، نور الشمس ونار النيزك لن يبتلع الظلام أحدهما هذه المرة، "روجيندا" تحسن مرافعتها أمامَ الموت، وتقشر الليل على جسدها، وتراقص الحياة بخطواتها، و"بروسك" يراقب أسطورته تشهق وتبكي وتقاتل، ورائحة القرفة تملأ قبره من أثر الضفيرتين، وأنا لا أعرف عن هذه الإيزيدية سوى صورة ضفيرتيها على حجر في "شنكال"، ستصحح اسمها واسمه يوماً، ويعود النص إلى خياله المقاتل.

(فلسطين)
المساهمون