المغرب: هل اقترب موعد طي صفحة حراك الريف؟

16 اغسطس 2020
اتهم أهالي المعتقلين جهات بعرقلة الحلّ (فرانس برس)
+ الخط -

أعاد إعراب قائد حراك الريف في المغرب، ناصر الزفزافي، عن استعداده للحوار مع الدولة، إلى الواجهة، التساؤل حول إمكانية الدفع نحو حلحلة ملف هذا الحراك، وإيجاد تسوية نهائية تحقق المصالحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الدولة ومنطقة الريف، وتجاوز "سوء الفهم الكبير" الذي يمتد منذ السنوات الأولى لخروج المغرب من نير الاستعمار. وفي خطوةٍ لافتة، فتح قائد حراك الريف، المُدان بـ20 سنة سجناً نافذاً، من خلال مكالمة هاتفية جمعته بوالده، أخيراً، الباب أمام إمكانية تسوية هذا الملف الشائك، بعدما أعلن عن ترحيبه واستعداده لفتح قنوات الحوار مع الدولة، مؤكداً أنه "رجل حوار، ومن يجهل عنواني أذكّره بأنني أقبع ورفيقي نبيل أحمجيق في سجن رأس الماء". وتأتي مبادرة الزفزافي بعد أيام على إطلاق سراح عدد من معتقلي الحراك، استفادوا من عفو ملكي صدر في 30 يوليو/تموز الماضي بمناسبة الذكرى 21 لعيد العرش. ويرجح أن يتقلص أيضاً عدد المعتقلين على خلفية احتجاجات "حراك الريف"، الذين لا يتجاوز عددهم حالياً الـ50، بمناسبة العفو الملكي المنتظر في ذكرى ثورة الملك والشعب في 20 أغسطس/آب الحالي.

استفاد معتقلون من عفو ملكي في 30 يوليو، ويرجح أن يتقلص عددهم أيضاً بمناسبة عفو ملكي منتظر في 20 أغسطس

وبالتوازي مع إطلاق قائد حراك الريف الدعوة إلى الحوار مع الدولة لطيّ صفحة "سوء الفهم الكبير" الذي يعيق تسوية الملف بشكل نهائي وتحقيق المصالحة، كانت لافتة مطالبة جمعية "ثافرا للوفاء والتضامن" لعائلات معتقلي حراك الريف، الدولة، باتخاذ "خطوات أكثر جرأة وتبصراً"، من بينها "إطلاق سراح من تبقّى من المعتقلين على خلفية الحراك، وتحقيق الملف المطلبي للحراك، مع الاعتذار عن الانتهاكات لحقوق الإنسان التي تعرّض لها المعتقلون". وقالت الجمعية، في بيان أصدرته أول من أمس الجمعة، إنه "بقدر ما ترحب بأي مبادرة تهدف إلى إطلاق سراح كافة معتقلي حراك الريف ومعتقلي الرأي في المغرب، وتصون كرامتهم وحقوقهم، فإنها لن تدخر جهداً في الدفاع عن حلٍّ لملف المعتقلين السياسيين، أساسه حوار جدي معهم وإطلاق سراحهم وتحقيق ملفهم المطلبي". ورأت "ثافرا" أن "استمرار تضييق المندوبية العامة لإدارة السجون على ما تبقّى من معتقلي حراك الريف، هو نزوع مقصود لجهات ما داخل الدولة، نحو عرقلة وإفشال أي خطوة لتجاوز هذه الأزمة وتحقيق الانفراج في الريف وفي عموم الوطن".

وعلى الرغم من أن الدولة ما زالت تتحكّم في الملف بشكل كامل، وتصرّف مواقفها بنحو متدرج حسب ردود الفعل، كما تؤكد تكريس هيبتها وإبراز عدم خضوعها للمطالب والضغوط، إلا أن التبعات الحقوقية التي تركها تعاملها مع الحراك على صورة المغرب دولياً، تدفع في اتجاه طي الصفحة وتحقيق المصالحة، ولا سيما في ظل إشارات سياسية إيجابية من قائد الحراك وعائلات المعتقلين.
وطوال السنوات الثلاث الماضية، دخلت جهات متعددة على خط الملف بعد تأييد الأحكام الابتدائية الصادرة في القضية، من خلال اقتراح مبادرات جديدة لخلق انفراج، عبر التماس سبل نيل معتقلي الحراك حريتهم. وتوزعت المبادرات ما بين مقترح العفو العام الذي يمكن أن يصدره البرلمان في حالة تبنّي مشروع قانون يسمح بذلك، وبين مبادرات احتجاجية وأخرى تطالب المعتقلين بتقديم طلبات للعفو الملكي مرفقة بـ"مراجعات". غير أن تلك المطالب أثارت غضب جمعية عائلات المعتقلين، إذ أعلنت رفضها تلك المبادرات، ورأت أن الجهات التي تقودها تعمد إلى الضغط على المعتقلين، وتحاول عزل قائد حراك الريف ووالده. كما طالبت بتغيير أسلوب التعامل، عبر تشكيل قوة مجتمعية تضغط على الدولة من أجل إطلاق سراح المعتقلين.

تدفع التبعات الحقوقية التي تركها تعامل الرباط مع الحراك على صورة المغرب دولياً، في اتجاه طي الصفحة والمصالحة

وتبقى من أبرز المبادرات التي دخلت على خط المصالحة بين الدولة ومعتقلي الحراك، مبادرة محمد النشناش، الرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، الذي قاد بعد حوالي 10 أشهر من اندلاع الحراك، وساطة باسم "المبادرة المدنية من أجل الريف". كما أن هناك المبادرة التي قادها نور الدين عيوش، الفاعل الجمعوي المعروف بقربه من القصر، إلى جانب كلٍّ من كمال الحبيب وإدريس الموساوي وعلي أعبابو، باسم "الائتلاف من أجل الديمقراطية والحداثة"، حيث تم عقد لقاءات عديدة مع قياديي الحراك في سجن عكاشة بالدار البيضاء.
ومع فشل كل المبادرات المتعاقبة في إحداث الانفراج المنشود وإيجاد تسوية نهائية حتى الآن، بدا لافتاً للانتباه تراجع دور المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الوساطة والبحث عن حل لملف الحراك، الذي دخل، بحسب بعض المراقبين، مرحلة جديدة من التعاطي مع العفو الملكي الأخير بمناسبة عيد العرش، عنوانها البحث عن مخرجات نهائية للملف بعدما وصل إلى طريق مسدود، في ظل فشل كل مبادرات الوساطة في تحقيق مطالب الزفزافي ورفاقه.
ورأى الناشط الحقوقي خالد البكاري، أن "الكرة الآن في ملعب الدولة، من أجل إغلاق هذا الملف الحقوقي المحرج"، معتبراً في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن إعلان قائد حراك الريف استعداده لفتح قنوات للحوار مع الدولة "خطوة إيجابية أتت في توقيت مناسب". وبرأيه، فإن الزفزافي بهذه الخطوة يثمّن ضمنياً خطوة العفو الذي أصدره العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش، كما يبدي استعداده للتعاون من أجل تسوية باقي الحالات، لافتا إلى أن تكرار قائد حراك الريف بمعية زملائه، الذين تم ترحيلهم إلى سجن فاس، لقبولهم للحوار، إنما يجددون مطلباً قديماً من جهة، ومن جهة أخرى ينفون المزاعم التي راجت بعد العفو الأخير، من أن مجموعة سجن طنجة 2 تمثل الاعتدال، وأن مجموعة سجن فاس مجموعة متشددة وراديكالية، ولذلك تم استثناؤها من الإفراج.
ولفت البكاري إلى أن الزفزافي لم يتوقف يوماً عن التعبير عن نيته الدخول في حوار من أجل حلّ الملف، أكان ذلك عبر إشارات واضحة خلال المحاكمة في طورها الابتدائي، ثم بعدها حين أيّد دعوة والده، أحمد الزفزافي، باعتباره رئيساً لجمعية "ثافرا". هذه الدعوة عرض فيها والد الزفزافي أن يقوم بحوار مع الجهات المعنية لحل الملف نيابة عن المعتقلين وأسرهم، بيد أن الجديد في الدعوة الحالية هو أنها تأتي بعد الإفراج عن دفعة جديدة من معتقلي الريف، خصوصاً الذين كانوا معتقلين في سجن طنجة 2، الذي كان يضم أسماء وازنة من النشطاء.
يُذكر أن القضية بدأت بين خريف 2016 وصيف 2017 حين خرجت احتجاجات شعبية في منطقة الحسيمة (شمال المغرب)، بعد وفاة بائع السمك محسن فكري سحقاً داخل شاحنة قمامة، بينما كان يحاول استعادة أسماكه التي صادرتها الشرطة. وطالبت الاحتجاجات بالتنمية وتأمين فرص العمل، قبل أن تتحول أحياناً إلى العنف، ما دفع السلطات الأمنية إلى القبض على مرتكبيها. وبعد الاحتجاجات، أقال الملك محمد السادس 3 وزراء وعدداً من المسؤولين لعدم إحراز تقدّم في خطة التنمية. وفي يونيو/حزيران 2018، قضت المحكمة الابتدائية في الدار البيضاء بإدانة الزفزافي و3 آخرين، هم سمير أيغيد، ونبيل أحمجيق، ووسيم البوستاتي بالسجن 20 عاما، وذلك بعد اتهامهم بـ"المساس بالسلامة الداخلية للمملكة". كما قضت بحبس نشطاء آخرين لمدد تراوحت بين عام واحد و15 سنة.

المساهمون