المغرب: القاصرات في خدمة الأثرياء ولا عزاء للطفولة

03 مايو 2014
60 %من الخادمات المغربيات أصغر من 12 عاماً
+ الخط -

"أعمل أغلب فترات يومي في المطبخ، وأكنس وأغسل الأواني، وأنام في أحد أركان المطبخ، لكني مجبرة أن على أكون أول من ينهض في الصباح الباكر، ورغم كل هذا لا أحد يثني على جهدي". هذه شهادة عفوية عبرت بها العيدية (14 سنة)، الخادمة لدى إحدى الأسر الميسورة في العاصمة المغربية الرباط، عن وضعها المهني كخادمة.

ومثل "العيدية" تعيش المئات من الخادمات داخل البيوت المغربية في وضع اجتماعي تنتقده المنظمات الحقوقية الناشطة في مجال تشغيل الخادمات، وخصوصاً اللاتي لا يتجاوز أعمارهن 15 عاماً، بوصفه تشغيلاً غير قانوني لعاملات المنازل، فضلاً عن استغلال فقرهن وأجسادهن في الكثير من الأوقات.

القرى تصدّر الخادمات

بصوت خافت، قالت العيدية لـ"العربي الجديد" إنها قدمت من أحد الدواوير القروية في منطقة شيشاوة جنوبي البلاد، بموافقة وتشجيع من أسرتها الفقيرة، موضحة أن "أغلب زميلاتها الخادمات اللواتي تعرفت إليهن بالرباط ينتسبن إلى مناطق قروية".

واسترسلت الفتاة بأنها "لم تأت في بادئ الأمر للعمل عند الأسرة الميسورة بالرباط برضاها، بل أرغمها والدها على ذلك لتعينه على مصاريف الحياة، وخصوصاً أنه صار كهلاً لا يقوى على العمل".


خادمة أخرى، لم تتجاوز ربيعها السادس عشر، فضلت عدم الكشف عن اسمها لـ"العربي الجديد"، خشية ردة فعل الأسرة التي تعمل لديها، تقول إن مغادرتها مقاعد المدرسة فرضت عليها القبول بوضعية الخادمة، مشيرة إلى أنها "تنتمي إلى إحدى القرى بضواحي الرباط، والتي تشتهر بتزويدها الأسر الثرية بالخادمات صغيرات السن".

المندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة حكومية، تؤكد في دراسة حديثة أن تشغيل الأطفال يعتبر ظاهرة قروية بامتياز، علماً أن 9 أطفال من أصل عشرة أطفال يشتغلون، ينتمون إلى الوسط القروي، حيث تمثل الفتيات نسبة 46.7%.

حقوق مهدورة

سميرة عزاوي، إحدى ناشطات المجتمع المدني في مجال حماية حقوق الخادمات، أكدت مسألة تفريخ القرى النائية والمهمشة للخادمات صوب المدن الكبرى. ورأت، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنها كثيراً ما صادفت بحكم عملها الميداني خادمات وافدات من البوادي.

gbsdfghsdfgdgdfgfdوزادت عزاوي أنه يمكن تفسير ذلك بالهشاشة الاجتماعية التي تعاني منها تلك البوادي المغربية، وانعدام البنى التحتية، وضعف التوعية بحقوق الطفل من تعليم ولعب وغيرهما، موضحة أن "رب الأسرة لا يعرف سوى لغة المصلحة التي يمكن أن يجنيها من ابنته".

وأوضحت المتحدثة أنها كثيراً ما تجد صعوبة في إقناع الآباء والأمهات أيضاً في عدم تسريح بناتهم الصغيرات إلى منازل أشخاص "غرباء" ليشتغلن لديهم مقابل مبلغ هزيل كل شهر، قد لا يتجاوز في أحسن الأحوال 100 دولار.
واستطردت الناشطة بأنه "من خلال تواصلها مع أسر الخادمات القاصرات خصوصاً، وجدت أن الآباء غالباً ما يفرضون على بناتهم مغادرة الدراسة لاعتبارات اجتماعية واقتصادية، إذ إنهم يتخلصون من الأعباء المادية للتعليم، فتتحول الفتاة إلى مشروع خادمة براتب شهري حتى لو كان هزيلا".

العمل الشاق يغتال براءة الأطفال في المغرب

ظاهرة السماسرة

الخادمات اللائي يأتين للعمل في البيوت لا يصلن بدون وسطاء "سماسرة" يكونون صلة الوصل بين الأسر التي ترغب في تشغيل بناتها خادمات، وبين العائلات التي تبحث عن عاملات المنازل بأقل تكلفة خاصة.


"العربي الجديد" رصدت حالة أحد السماسرة، يبدو في نهاية عقده الرابع، في حي التقدم الشعبي بالرباط، حيث كان يقف ترافقه فتيات ونساء من مختلف الأعمار، يتجاذب معهن أطراف الحديث، ويلجأ بين الوقت والآخر إلى هاتفه، إلى أن تصل سيارات تظهر على أصحابها علامات الثراء.

هذا السمسار المعروف في هذه المنطقة ليس الوحيد الذي يعمل وسيطاً بين عائلات الخادمات وبين أصحاب البيوت و"الفلل"، بل تنشط شبكات سرية أحياناً وعلنية أحياناً أخرى في مجال الوساطة لتشغيل الخادمات، مستغلة الفراغ القانوني الموجود بخصوص هذا المجال.

هذا الفراغ يؤكده المحامي فتاح بنهموش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، مؤكداً صعوبة ضبط الوسيط أو السمسار في تشغيل الخادمات، لغياب نص قانوني يجرم بوضوح هذا العمل، بالرغم من وجود مشروع قانون رقم 19.12 لا يزال قابعاً في البرلمان.

قانون بلا فاعلية

من جهة أخرى، لم يصدّق البرلمان بعد على مشروع القانون الذي وضعته الحكومة لسن الشروط التي تنظم عمل الخادمات والعمالة المنزلية في المغرب، وذلك بسبب الوضع السيئ للخادمات، وخصوصاً القاصرات منهن في البيوت، فضلاً عن احتجاجات المجتمع المدني على أوضاع الخادمات.

وينص القانون المرتقب على "توفير عقود عمل للخادمات والعاملين بالمنازل، وتحديد حد أدنى للأجور، وأيام أسبوعية للراحة، مع تحديد عطل سنوية، وكذلك غرامات في حق المشغلين تصل إلى حوالى 1000 دولار".

ويشدد مشروع القانون على أن راتب الخادمات والعمال المنزليين بصفة عامة لا ينبغي أن يقل عن نصف الحد الأدنى للأجور المعمول به في المغرب، والذي يعادل حالياً 250 دولاراً.
ويظل البند الأساسي في نص مشروع القانون المنظم لعمل الخادمات والعمال المنزليين يتمثل في تحديد السن الدنيا للعمل في خدمة المنازل بحيث لا تقلّ عن 18 سنة، وذلك لوضع حد لاستقدام الخادمات في سن صغيرة تصل أحياناً إلى 10 أو 11 سنة.


قصص درامية

لم تكن الحكومة لتضع قانوناً لعمل الخادمات لو لم يُصدم الرأي العام المغربي لوقائع وأحداث دموية طاولت هذه الفئة من الطبقة العاملة في المغرب، توزعت بين أحداث انتحار بسبب الشعور بالغبن، أو وفيات نتيجة اعتداءات شنيعة من طرف أصحاب البيوت، إضافة إلى قضايا التحرش الجنسي.

قبل أسابيع، اهتز المجتمع المغربي لقصة وفاة الخادمة "فاطمة"، في ربيعها السابع عشر، إذ لفظت أنفاسها في مستشفى مدينة أغادير جنوبي البلاد، جراء إصابتها بحروق خطيرة في مناطق مختلفة من جسدها، تعرضت لها على يد مشغلتها التي كانت تقوم بتعذيبها عقاباً لها.

وقبل "فاطمة" تعرضت الخادمة "زينب" في مدينة وجدة، شرقي البلاد، لتعذيب وحشي سلطت عليه وسائل الإعلام المغربية الأضواء، ما أفضى إلى احتجاجات منظمات حقوقية مغربية دولية، من قبيل منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي نبهت إلى الوضع الصعب للخادمات في المغرب.

 
معطيات وأرقام

ومن المفارقات الحاصلة في موضوع تشغيل الخادمات، أن أغلب الذين يستقدمون الخادمات الطفلات إلى بيوتهم هم من الفئة المتعلمة والميسورة، والتي لديها اطلاع جيد على حقوق العمال وعمال المنازل، وتعلم تحركات الحكومة والبرلمان للحد من ظاهرة تشغيل الخادمات القاصرات.

هذا المعطى يؤكده "الائتلاف الجمعوي من أجل حظر تشغيل الطفلات خادمات في البيوت بالمغرب"، حيث أورد في دراسة حديثة له أن 74% من الفئة المشغلة تنتمي إلى الطبقتين الغنية والمتوسطة، ومن هذه الفئة المشغلة 53% من النساء، و68% من الرجال تابعوا تعليماً عالياً.

وفي المغرب، وفق إحصائيات جمعيات المجتمع المدني الناشطة في المجال ذاته، أكثر من 90 ألف خادمة، 60% منهن تقلّ سنهن عن 12 عاماً، وهو ما يعد انتهاكاً لقانون الشغل الذي يجرّم تشغيل الأطفال في المغرب، إلا أن من الصعب ضبطه باعتبار عدم إمكانية اقتحام البيوت لضبط الخادمات صغيرات السن، وفقاً لتبريرات وزارة المرأة والأسرة المكلفة بموضوع الخادمات.
دلالات