المعركة مع الاحتلال على القدس والأقصى مستمرة

28 يوليو 2017
فلسطينيون داخل المسجد الأقصى أمس (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال مبكراً الحديث عن انتهاء معركة الدخول إلى المسجد الأقصى، من دون إجراءات استفزازية، أو جديدة، للاحتلال الإسرائيلي على بواباته، رغم سحب الاحتلال، أمس الخميس، كافة الأجهزة والأعتدة التي نصبها في محيط الأقصى وعلى بواباته، وآخرها كاميرات المراقبة التي كان ركبها على أبراج خاصة مطلع الأسبوع الحالي. ولا تزال صورة الوضع في القدس المحتلة غامضة، يشوبها الحذر والترقب الشديدان من قبل الاحتلال، الذي أعلن منذ أمس، عن استنفار قواته بأعداد كبيرة في الضفة الغربية المحتلة، مع توجيه قائد شرطة الاحتلال في القدس، البريغادير روني هليفي، تهديدات للمقدسيين بأن شرطة الاحتلال سترد بقوة، وأنه ستقع إصابات في صفوف المصلين والوافدين إلى القدس، اليوم الجمعة، في حال وقعت مواجهات مع الشرطة أو تم "خرق النظام العام".

ولعله من المفيد إبراز ما أعلنه أمس وزير إسرائيلي سابق، هو الحاخام ميخائيل مولكيئور، عندما زعم أن منظمته "موزايكا"، التي تعمل مع منظمة تدعو للسلام بين الأديان، وبالتنسيق مع مركز حوار الأديان "آدم"، كانت شريكة على مدار 14 يوماً في الاتصالات بين شرطة الاحتلال وبين القيادات والمرجعيات الدينية الإسلامية، مذكراً، في الوقت ذاته، بأن قرار الكابينت السياسي والأمني الإسرائيلي من ليل الثلاثاء الماضي، نص ليس فقط على سحب البوابات الإلكترونية، وإنما على تخويل الشرطة وضع خطة حراسة وتدابير أمنية، بما في ذلك تجهيز البنى التحتية لتركيب كاميرات ذكية للغاية، ينتظر أن يتم تطبيقها بعد عدة أشهر، وأن ذلك سيكون هذه المرة من خلال حوار مع دائرة الأوقاف الإسلامية والمرجعيات الدينية في المدينة. ويعني هذا عملياً أن تراجع الاحتلال هو تراجع تكتيكي، وهو ما اعتبره مولكيئور نفسه خطة تخدم المصالح الأمنية الإسرائيلية في نهاية المطاف.

والواقع أنه على الرغم من بيان المرجعيات الدينية أمس، بأن الوضع عاد في المسجد الأقصى إلى ما كان عليه قبل 14 يوليو/ تموز الحالي، إلا أن أجواء التوتر المشحون في المدينة لا تزال سيدة الموقف، خصوصاً مع استعداد الاحتلال لتحويل المدينة، اليوم الجمعة، إلى ثكنة عسكرية، عبر وضع ونصب حواجز للشرطة في مختلف نقاط الدخول إلى المدينة، والتشويش على حركة الوافدين إليها، مع السعي لضبط إيقاع حركة المقدسيين في مختلف أنحاء القدس المحتلة، وفي البلدة القديمة تحديداً، مع محاولة عدم تفجير الأوضاع داخل القدس نفسها، أو في محيط القرى المجاورة لها، والتي تعتبرها حكومة الاحتلال جزءاً من القدس الكبرى، مثل قرى العيساوية والطور ورأس العامود وسلوان وجبل المكبر وشعفاط وبيت حنينا، حتى لا يتكرر انفجار الغضب الفلسطيني كما حدث يوم الجمعة الماضي، والذي انتهى بسقوط ثلاثة شهداء، تبعهم شهيدان يوم السبت، وبين هذين اليومين تنفيذ الفلسطيني عمر العبد، من قرية كوبر، عمليته في مستوطنة حلميش التي أسفرت عن مصرع ثلاثة مستوطنين.



ولعله من اللافت في هذا السياق أن الحكومة الإسرائيلية، خصوصاً رئيسها بنيامين نتنياهو، التزمت الصمت حيال التراجع عن الخطوات الأخيرة، وسحب كل ما نصبه الاحتلال أمام بوابات الأقصى. ولم يصدر عن الحكومة بيان بشأن التطورات أو خطواتها الأخيرة، فيما كان وزير التربية والتعليم، نفتالي بينت، الوحيد من بين وزراء الحكومة الذين انتقدوا التراجع الإسرائيلي، معتبراً أن هذه الخطوات لم تعزز مكانة أو سيادة الاحتلال في القدس، بل سببت لها ضرراً ستكون له تداعيات مستقبلاً. في المقابل، اكتفى وزير الطاقة، يوفال شطاينتس، بالرد على اتهامات بينت ووزير الأمن السابق، موشيه يعالون، الذي وصف ما حدث بأنه تراجع وهزيمة لإسرائيل. واعتبر شطاينتس أن قرار نتنياهو كان جريئاً.

وعلى مدار الأسبوعين الماضيين لم تقبل الصحافة الإسرائيلية ولا المحللين السياسيين بمحاولات حكومة الاحتلال الادعاء بأن خطواتها في الأقصى هي من أجل حفظ الأمن، بل ذهب الجميع تقريباً إلى القول إنها خطوات تنطلق من دوافع سياسية صرف، فيما اعتبر معارضون لنتنياهو أنها ناجمة عن خوفه الشديد من مزايدات اليمين المتطرف عليه في مسألة القدس، خصوصاً من قبل حزب "البيت اليهودي" وزعيمه نفتالي بينت. ويفسر هذا أيضاً حقيقة تمرير تعديل قانون أساس القدس، بما يسمح بإخراج قريتي كفر عقب ومخيم شعفاط من منطقة النفوذ البلدي لمدينة القدس وتشكيل هيئة إدارية (مجلس إقليمي) مستقلة لهما لضمان التخلص من 150 ألف فلسطيني يملكون حق الاقتراع والانتخاب في الانتخابات البلدية لمدينة القدس. وتبع ذلك تصريح أصدره نتنياهو، ليلة الخميس، أعلن فيه تأييده أيضاً لمشروع قانون آخر موازٍ يهدف إلى تحقيق غاية مشابهة، مع خلق واقع يكرس ضم المستوطنات الإسرائيلية في محيط القدس من معاليه أدوميم شرقاً، وبيسجات زيف غرباً، ومستوطنات غوش عتصيون على طريق بيت لحم الخليل جنوباً، إلى القدس، عبر منح هذه المستوطنات نوعاً من "البلدية الموازية" لمجالسها الاستيطانية الحالية، وإتباع هذه المستوطنات لنفوذ بلدية القدس الكبرى، متروبولين القدس، التي يهدف الاحتلال إلى إقامتها بشكل يمكّنه من سحب حق الاقتراع من الفلسطينيين في انتخابات القدس، عبر منحهم مجالس قروية بديلة لبلدية القدس المحتلة، ولكن أيضاً من خلال تقليص حجم ومساحة أراضي ونفوذ البلدات أو الأحياء الفلسطينية في القدس ومحيطها، وإخضاع غالبية هذه الأراضي، حتى لو ظلت بملكية فلسطينية خاصة، لشروط وقوانين لجان التنظيم والبناء لبلدية الاحتلال، بما يعني منع البناء والتطور العمراني، من جهة، والاحتفاظ بصلاحية مواصلة مصادرة أراض من هذه القرى والأحياء لمصلحة الاحتلال. وقد أعلن نتنياهو في هذا السياق، أنه طلب من مقدم القانون، يوآف كيش، أن يعمل خلال عطلة الصيف للكنيست، التي تستمر ثلاثة أشهر، على بلورة صياغة قانونية تتيح تنفيذ هذا المخطط.

وبالعودة إلى الوضع الراهن للحالة في القدس المحتلة، فإنه ينبغي الإشارة إلى أن التطورات الميدانية على الأرض، اليوم الجمعة، هي الوحيدة التي من شأنها أن تحدد مسار الأحداث في الأيام المقبلة، وهل سيتم فعلاً في نهاية المطاف تطبيق تفاهمات أردنية - إسرائيلية في المسجد الأقصى، قال الحاخام مولكيئور، إن منظمته كانت شاركت في الاتصالات مع الأوقاف الإسلامية لتطبيقها على أرض الواقع. ومع ذلك، فإن الاستنفار المعلن من قبل جيش الاحتلال، والتهديدات التي وجهها قائد شرطة الاحتلال في القدس المحتلة، روني هليفي، تنذر باشتعال الأوضاع، حتى في ظل محاولات الاحتلال الحديث عن تهدئة وعودة الأمور إلى مسارها. ذلك أن هذه الادعاءات تبقى غير حقيقية في ظل استمرار مصادرة الاحتلال لمفاتيح بعض بوابات المسجد الأقصى، ولا سيما مفتاح باب المغاربة، واستمرار فرض شروط على الفئة العمرية التي يجوز لمن يستوفيها الدخول للمسجد الأقصى. زد على ذلك أن شعور الثقة بالنفس لدى المقدسيين، بعد سحب الاحتلال لكل معداته، قد يزيد من حالة التعبئة لجهة الاعتراض على الوضع القائم حالياً في الأقصى، لجهة العودة إلى ما كان سائداً قبل العام 2004، والمطالبة بسحب عناصر شرطة الاحتلال كلياً من أمام بوابات المسجد الأقصى وإعادة الإشراف لقيادة الأوقاف وموظفيها. في المقابل، فإن الكرة تبقى أيضاً في ملعب السلطة الفلسطينية في رام الله، لجهة رفع صوتها باتجاه ليس "فقط المحافظة على الوضع القائم" حالياً وإنما العودة إلى ما قبل العام 2004، لجهة فتح الأقصى أمام الفلسطينيين من الضفة الغربية، وضمان حقهم بالصلاة بحرية تامة في المسجد الأقصى، وهو مطلب عاد إلى السطح خلال الأسبوعين الأخيرين، لكنه لم يلق اهتمام السلطة الفلسطينية، التي كانت تسعى، في أوج الأزمة، للحفاظ على دور لها، في خضم التقارير التي تحدثت عن اتصالات محمومة بين حكومة الاحتلال وحكومات عربية، خصوصاً الأردن والسعودية، وسط تجاهل فظ لأي دور للسلطة الفلسطينية.

المساهمون