المعارضة السورية أمام تحدي العودة إلى جنيف

25 مايو 2016
تريد المعارضة تقدّماً جدياً وحقيقياً على الصعيد الإنساني(دورسن ايدمير/الأناضول)
+ الخط -

تبدأ الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن المعارضة السورية اليوم الأربعاء، اجتماعات في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة العديد من القضايا المتعلقة بالعملية السياسية في سورية، وأبرزها العودة إلى طاولة التفاوض في مدينة جنيف في جولة رابعة لم يعلن الموفد الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا موعداً لها، في ظل أنباء عن تأجيلها لما بعد شهر رمضان، وهو الأمر الذي مهّد له نائب وزير الخارجية الروسية، ميخائيل بوغدانوف، قائلاً في تصريح لوكالة "نوفوستي"، إن موسكو تتوقع استئناف المفاوضات بعد انتهاء شهر رمضان، أي في أوائل شهر يوليو/تموز المقبل في ظل تمسك مختلف الأطراف بمواقفها وخطوطها الحمراء. وجاءت تصريحات بوغدانوف فيما أكد نائب سكرتير مجلس الأمن الروسي، يفغيني لوكيانوف، أمس الثلاثاء، بأن روسيا لديها خطة عسكرية "دقيقة ومحدودة" في سورية. وقال لوكيانوف، في تصريحات تناقلتها وكالة "إنترفاكس"، "كان يتوقع البعض أن تكون هذه أفغانستان جديدة أو شيء آخر. لن يحدث ذلك أبداً. هذه خطة عسكرية دقيقة ومحدودة". واعتبر أن سحب الجزء الأساسي من القوات الروسية يأتي كأحد مؤشرات "التحول"، مضيفاً "لسنا سوريين. لن نقاتل من أجل سورية هناك. عليهم حل مسائلهم بأنفسهم. نحن نساعد، لكن في إطار محدود جدا، كما ترون".
وتلقى المعارضة دعماً من حلفائها الإقليميين، المصرّين على مطلب رحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد من الحكم، وهو ما أكده وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لـ"العربي الجديد". وقال الجبير إن حل أزمة اللاجئين السوريين يكمن في إسقاط نظام بشار الأسد ورحيله عن السلطة، مضيفاً: "لولا وجود بشار الأسد في السلطة وسياساته القمعية والمتعلقة بالقتل والتشريد وانتهاك حقوق الإنسان ما كان هناك 12 مليون لاجئ سوري في الداخل والخارج. يجب أن يرحل (الأسد) سواء بالمفاوضات والحل السياسي أو بقوة السلاح". وأكد الجبير أنه عقب رحيل الأسد عن السلطة ستتم إعادة بناء سورية اقتصادياً، وبالتالي فتح الباب أمام عودة اللاجئين السوريين حول العالم لأوطانهم.
يأتي كلام الجبير في وقت كشفت فيه مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" أن اختلافاً في وجهات النظر بدأ يطفو على السطح بين تيارين في الهيئة العليا للمفاوضات، يقود الأول أعضاء في هيئة التنسيق الوطنية التي تمثل ما يُسمى "معارضة الداخل" يرى أن على الهيئة اتخاذ قرار العودة إلى طاولة جنيف في حال دعا الموفد الأممي إلى جولة جديدة كي لا تُحمّل المعارضة السورية مسؤولية إيقاف العملية السياسية، ما يجعل النظام في موقف أفضل أمام المجتمع الدولي. فيما يعارض تيار آخر يقوده المنسق العام للهيئة رياض حجاب، وأعضاء الائتلاف الوطني داخل الهيئة، العودة إلى جنيف في حال لم يحدث "تقدّم جدي وحقيقي" على الصعيد الإنساني، خصوصاً لجهة فك الحصار عن مدن وبلدات سورية محاصرة من قِبل قوات النظام السوري وحزب الله، ومليشيات أخرى، وتسهيل إدخال مساعدات إنسانية عاجلة، وإطلاق معتقلين.
كما تسعى المعارضة، وفق المصادر، إلى الحصول على "تطمينات" من قوى إقليمية ودولية، قبل الشروع في جولة تفاوض أخرى، لضمان الدخول في صلب العملية التفاوضية، ومناقشة الانتقال السياسي على أساس تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات تشرف على كتابة دستور جديد للبلاد لإجراء انتخابات في نهاية فترة انتقالية لا وجود لرئيس النظام بشار الأسد فيها.


وذكر مصدر في الهيئة العليا للمفاوضات أن الساعات الاثنتين والسبعين المقبلة حاسمة على صعيد العودة إلى طاولة التفاوض في جنيف، مضيفاً: "إذا التزم النظام بالهدنة التي أعلنت عنها موسكو في الغوطة الشرقية وداريا، وفي حال حصول تقدّم على الصعيد الإنساني، يصبح عقد جولة جديدة من المفاوضات وارداً قبل شهر رمضان أو في الأيام الأولى منه". ونفى المصدر الأنباء عن وجود تيارين "صقور وحمائم" داخل الهيئة، لافتاً إلى أنه لو كان هناك صقور "لما ذهبنا إلى جنيف منذ البداية"، مردفاً بالقول: "لا ريب أن هناك اختلافاً في وجهات النظر حيال بعض القضايا، وهذا أمر طبيعي، ولكن هذا الخلاف ليس على الجوهر، وإنما على بعض المسائل ويُحل عادة من خلال تقريب وجهات النظر خلال الاجتماعات، وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية الضيقة". وأشار المصدر إلى أن حجاب "أثبت قدرة كبيرة على مقاربة كل الملفات بتوزانٍ ومسؤولية وطنية عالية"، معرباً عن اعتقاده بأن النظام يسعى إلى "تسميم أجواء المفاوضات" قبيل انعقادها.
وكان رئيس الائتلاف الوطني السوري أنس العبدة قد طلب أول من أمس الإثنين من الاتحاد الأوروبي، حماية العملية السياسية، وإنقاذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، وأن يكون للاتحاد دور هام وأساسي في سورية، موضحاً في لقاء مع الممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني في بروكسل، أن نظام الأسد يدمر سورية ويحاول أن يدمر الهدنة، ويدمر العملية السياسية.
ويرى مراقبون للمشهد السوري أن المعارضة السورية تواجه تحديات جساماً في ظل تراخٍ أميركي واضح، وسعي روسي وإيراني لتغيير معادلات الصراع على الأرض لصالح النظام الذي لم يُبدِ أية نية حقيقية للشروع في عملية سياسية من الممكن أن تؤدي إلى إنقاذ ما تبقّى من سورية، وعدم انزلاق البلاد في نزاعات دموية أقسى، إذ حذر المبعوث الدولي السابق إلى سورية الأخضر الإبراهيمي من "انهيار الدولة" بشكل كامل في سورية وتحوّلها إلى "صومال جديد" في الشرق الاوسط.
من جهته، يرى فاروق طه، وهو دبلوماسي سوري معارض، أن الخيارات أمام المعارضة "تضيق لكنها لا تنعدم". طه الذي كان سفير سورية في بيلاروسيا قبل أن يعلن انشقاقه عن النظام، يعتبر أن "ليس للمعارضة إلا التمسك بثوابت الثورة من دون مواربة أو تراجع، ومهما كلّف الثمن". ويرى طه في حديث مع "العربي الجديد" أن عودة المعارضة إلى طاولة تفاوض جنيف "مرهونة بإمكانية تحقيق هدنة فاعلة، وتوفير استحقاقات العملية السياسية"، معرباً عن اعتقاده بأن المجتمع الدولي "لم يظهر الجدية اللازمة لذلك، بل على العكس"، مضيفاً: "إذا لم يتغير الوضع الراهن، فليس ثمة أمل من جنيف، وغيرها".
ويطالب طه بألا يفضي "اختلاف الأمزجة" في المعارضة السورية إلى "متاهة تؤذي وحدة القرار"، مشيراً إلى أن المعارضة لم تحصل "حتى الآن" على "ضمانات حقيقية سوى وعود وزير الخارجية الأميركي جون كيري التي تتبخر حالما تطأ قدماه أرض موسكو، ويلتقي بشريكه الحالم سيرغي لافروف"، لافتا إلى أنه من دون ضمانات حقيقية "ليست هناك مفاوضات جدية، فالأمر كله يتحدد باختبار الجهد، والجدية".