المعارضة الجزائرية منقسمة بين طرحين... والسلطة المستفيد الأول

10 فبراير 2015
"التنسيقية" دعت إلى احتجاجات في 24 الحالي (فرانس برس)
+ الخط -

تتحرك المعارضة السياسية في الجزائر على خطين متوازيين، فجزء منها بقيادة "جبهة القوى الاشتراكية"، أكبر وأقدم أحزاب المعارضة، ما زال يرتب أوراقه لعقد ندوة الإجماع التي دعا إليها الحزب والمقررة في 24 فبراير/شباط الحالي، فيما يستعد الشق الثاني من المعارضة المنضوي في "تنسيقية التغيير والانتقال الديمقراطي" للخروج إلى الشارع في التاريخ نفسه، للاحتجاج على حالة الجمود السياسي وضد استغلال الغاز الصخري في منطقة الصحراء والجنوب، ولدعم الاعتصام المتواصل لسكان مدينة عين صالح في ولاية تمنراست جنوبي الجزائر، منذ أكثر من شهر وسط المدينة.

وتصرّ "جبهة القوى الاشتراكية" على عقد ندوة الوفاق والاجماع الوطني التي تعتزم تنظيمها نهاية الشهر الحالي، والتي وافقت على المشاركة فيها عدة أحزاب وشخصيات من السلطة والمعارضة، على الرغم من أن هذه الندوة بدأت تفقد مصداقيتها السياسية بسبب الشروط التي أعلنها الحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني، والذي يترأسه شرفياً الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وهو الحزب الذي سعى منظمو الندوة إلى ضمان مشاركته لاستدراج باقي الأحزاب المحسوبة على الموالاة للمشاركة فيها.

هذه الشروط أعلنها الأمين العام لجبهة التحرير عمار سعداني، الذي أكد أن الحزب لن يشارك في الندوة ما لم يكن هو متصدرها، وما لم يكن مطلعاً على قائمة الأطراف التي ستشارك فيها، ورفض أي طعن في شرعية بوتفليقة، وأي نقاش يتصل بمؤسسات الدولة، وهو ما يعني أن النقاش في الندوة بحسب سعداني، لا يجب أن يتجاوز السقف السياسي المرتبط بمطالبات المعارضة التي تدفع باتجاه إعادة مراجعة منظومة الحكم، وإقرار مسار جديد للانتقال الديمقراطي، وتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة تشرف عليها هيئة مستقلة للانتخابات.

لكن السكرتير الأول في "جبهة القوى الاشتراكية" محمد نبو، أكد أن الحزب غير معني بالشروط التي أطلقها زعيم الحزب الحاكم، وقال في تصريح لـ"العربي الجديد" إن ندوة الإجماع الوطني هي خطوة سياسية مفتوحة لكل الأطراف والقوى السياسية والمدنية والشخصيات الوطنية، موضحاً أن "الحزب أطلق سلسلتين من المشاورات، من أجل بلورة تصوّر واضح لإنجاز ندوة الإجماع الوطني"، مشيراً إلى أن الحزب، ومثلما يرفض أي شروط مسبقة، يرفض وضع سقف للنقاش السياسي المقترح في الندوة.

ولا تشبه ندوة الاجماع التي يعتزم أقدم حزب معارض في الجزائر عقدها، ندوة الوفاق الوطني التي عُقدت نهاية العام 1994، والتي نظّمتها السلطة للخروج من مأزق الشرعية، بعد انقلاب الجيش على المسار الانتخابي في يناير/كانون الثاني 1992، ليس في ظروف وملابسات تنظيمها، لكن في تداعياتها المسبقة، إذ أسهمت في انقسام في جدار المعارضة.

ويرى رئيس حزب "فجر جديد" جيلالي سفيان أن ندوة الإجماع الوطني ليست سوى محاولة من جزء من المعارضة، للتشويش على المبادرة السياسية التي أعلنتها أحزاب "تنسيقية التغيير والانتقال الديمقراطي" في يونيو/حزيران 2014، والتي تطالب بمسار انتقالي وانتخابات رئاسية مسبقة وهيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات، ويضيف "لذلك اتخذنا موقفاً برفض المشاركة في ندوة الإجماع الوطني".

وتُمثّل الأحزاب المنضوية تحت "تنسيقية قوى التغيير والانتقال الديمقراطي"، الخط الثاني للمعارضة في الجزائر، والتي قررت الخروج إلى الشارع، في اليوم نفسه الذي تعقد فيه ندوة الوفاق الوطني، للاحتجاج والمطالبة بالتغيير السياسي وبوقف التنقيب واستغلال الغاز الصخري في منطقة الجنوب.

ودعت كتلة "التنسيقية" في بيان بعد اجتماع لها الجزائريين والجزائريات بمناسبة ذكرى تأميم المحروقات في 24 فبراير/شباط الحالي إلى تنظيم وقفات احتجاجية في كامل الأراضي الجزائرية من أجل المطالبة بالوقف الفوري لاستخراج الغاز الصخري. وتضم التنسيقية في صفوفها، حركة "مجتمع السلم" أكبر الأحزاب الإسلامية، وحركة "النهضة"، و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" العلماني، و"جيل جديد" اليساري، و"الفجر الجديد" المحافظ، وشخصيات مستقلة كرئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، ووزير الاتصال السابق عبد العزيز رحابي.

وحدها السلطة تبدو المستفيدة من انقسام خيارات المعارضة، فخلال الفترة السابقة عملت السلطة على إعطاء الانطباع بأنها لا تعترض على مبادرة عقد ندوة إجماع وطني من قبل "جبهة القوى الاشتراكية"، لكنها لم تُبدِ في الوقت نفسه الحماس لها، كما أنها لا تبدو منزعجة من توجّه "تنسيقية التغيير والانتقال الديمقراطي" إلى الشارع، باعتبارها مدركة أن الخروج إلى الشارع في الجزائر، رهان سياسي وشعبي صعب تحقيقه لأي طرف كان، بالنظر إلى الظروف التي عاشتها الجزائر خلال فترة التسعينيات، وخيبات الربيع العربي في أكثر من دولة عربية.