عام آخر يمضي والمصالحة الفلسطينية مجمدة لم تغادر مربع الانقسام الذي على ما يبدو سيبقى ضيفاً حاضراً خلال العام الجديد، ولا يبدو في الأفق القريب ما يوحي باقتراب ما قد يخترق حالة الجمود الممتدة لأكثر من عقد من الزمان، ليس في الأمر أمانٍ بقدر ما هو التقاط مؤشرات يعبر عنها الخطاب السياسي قبل طي صفحة العام، ففي الجمعة 22 ديسمبر، اختصر عضو المكتب السياسي لحركة حماس خليل الحية الأمر قائلا: "إن حركة فتح لم تبادر بأي خطوة إلى الأمام، وإن الشعب الفلسطيني لن يبقى رهينة تفرد فريق رئيس السلطة محمود عباس. واتهم الحية حركة "فتح" برئاسة محمود عباس، بالاستمرار في سياسة "الإقصاء وعدم الإيمان بالشراكة ورفض إنهاء الانقسام".
لم يكن حديث الحية منفصلا عن سياق وانطباع عام عبر عنه خطاب حماس في أكثر من موضوع ومستوى، ففي الرابع من أيلول 2018 قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة يحيى السنوار في لقاء جمع ناشطين وصحافيين كلاما أكثر جرأة ولخص الأمر كالتالي: "فشلنا في تحقيق المصالحة وما زالت حالة الانقسام موجودة مع الأسف ووصل مسار المصالحة إلى طريق مسدود".
لا يبدو الأمر مقتصراً على الإرادة السياسية لكل من فتح وحماس فقط، هذا ما عبر عنه السنوار في حديثه السالف عندما ذهب إلى أن "دولا كبيرة أرادت إحباط المصالحة وعلى وجه الخصوص جهاز الشاباك، وللأسف الشديد، تعاونت جهات فلسطينية رسمية مع الاستخبارات الإسرائيلية لإفشالها".
تلاشي التفاؤل
قبل الانتقال لعام 2018 بشهرين فقط وتحديدا في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 حدثت نقلة نوعية في مسار المصالحة بين حركتي فتح وحماس، ففي 12 أكتوبر 2017 وقعت حركتا فتح وحماس في القاهرة اتفاق مصالحة يهدف إلى إنهاء عقد من الانقسام بين الطرفين، وحددتا مهلة شهرين من أجل حل الملفات الشائكة العالقة بينهما، ونص الاتفاق على أن تعود السلطة الفلسطينية، إلى ممارسة سلطتها الكاملة مجدداً على قطاع غزة بحلول الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2017، وقيل حينها إن رئيس السلطة محمود عباس سيقوم بزيارة غزة للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات في الأسابيع المقبلة.
تفجير المشهد
لم يصمد الاتفاق طويلاً بعد شهرين وقبل أيام من إسدال الستار على عام 2017 أفضى تصريح عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ومسؤول ملف المصالحة مع حركة حماس، عزام الأحمد، "بأن غزة بمثابة طائرة مخطوفة، ولا تفاوض مع الخاطفين، واليوم هناك قاعدة في العالم أنّه يجب عدم التفاوض مع الخاطفين، فإمّا أن يستسلموا أو تُهاجَم الطائرة" لحالة من الإحباط الذي تمدد مع محاولة استهداف موكب رئيس الحكومة رامي الحمدالله ورئيس المخابرات ماجد فرج في الثالث عشر من مارس 2018 عندما وقع انفجار بالقرب من الموكب خلال زيارة لغزة.
افتتح العام 2018 باستهداف الموكب ومعه انفجرت كل محاولات إحداث مصالحة ممكنة بين فتح وحماس، وجُمد اتفاق العام 2017، وانقلب التفاؤل الحذر بشأن المصالحة الفلسطينية إلى تشاؤم مُفرط، بعد التصريحات والردود التي صدرت عن قياديين في حركتي فتح وحماس خلال الأيام التي أعقبت محاولة استهداف موكب الحمد الله.
مر عام 2018 طويلاً محملاً بالمتغيرات لكنها كلما اقتربت من المصالحة ابتعدت أكثر، كاد العام أن ينتهي معلنا عن حلحلة في ملف المصالحة لا سيما عقب عودة القاهرة للمشهد ودعوتها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 وفدي حماس وفتح لزيارتها، انتهت الزيارة ولم يحدث أي اختراق للمسار، ولم تفض جولة القاهرة لأي تطور حقيقي، وبدت القاهرة مرتبكة فقد قدمت ورقة جديدة وافقت عليها حركة حماس مع إبداء بعض الملاحظات، ثم عادت القاهرة مرة أخرى لتفاجئ حماس بورقة مصرية أخرى.
ووضعت العربة أمام حصان المصالحة، إذ اشترطت حماس أن يرفع الرئيس عباس العقوبات التي فرضها على قطاع غزة، قبل البدء بتنفيذ المصالحة، وأصرت السلطة على تقديم حماس لمزيد من التنازلات تحت شعار واحد ردّده قياديو فتح والسلطة، كثابت من الثوابت على مدار المدة الماضية، وهو: "سلطة واحدة، قانون واحد وسلاح شرعي واحد".
ولم تكتف فتح بهذا الثالوث، بل ظهرت تصريحات تصعيدية من طرف عزام الأحمد (المعنيُّ بملف المصالحة في فتح) وقد قال في مقابلة مع تلفزيون فلسطين إنهم لا يثقون في حماس؛ وتحدَّث عن تشكيل لجنة ستجتمع حتى "تُقوِّض سلطة حماس".
اللافت أنّ عزّام الأحمد هو مسؤول ملف المصالحة مع حركة حماس، منذ أن بدأت محاولات المصالحة وجولاتها وصولاتها المتعدّدة في عواصم عربية، وقد اقترن حضور الرجل ومشاركته وترأسه لوفد فتح بانطباع عام لدى الناس أن الجولة محكومة مسبقا بالفشل وهو عين ما أفضت إليه الجولة الأخيرة في القاهرة عام 2018.
مستقبل المصالحة
لا يبدو عام 2019 مختلفاً كثيراً عن الأعوام السابقة في ما يتعلق بمسار المصالحة الفلسطينية، فالتجربة تقول إن 2017 انتهى بتوقيع اتفاق، و2018 انتهى بجولة القاهرة وأوراقها، وقد ينتهي العام أو يبدأ القادم بزيارة مرتقبة لموسكو التي يتردد أنها تخطط للتحرك من أجل عقد مصالحة فلسطينية بين حركتي فتح وحماس، لكن الأمر أعقد من دور روسي مرتقب، الانقسام أعمق والمتغيرات تتدحرج وكلها تدفع بأن الانقسام مستمر وأنه لم يعد خلافا أو اختلافا بين فتح وحماس فقط.
الانقسام هو حالة صراع بين برنامجين مختلفين والمساحة تتباعد بينهما كل يوم، وفي الوقت الذي تثبت حماس موقعها وموضعها تتقلص المساحات التي تقف عليها حركة فتح داخلياً وإقليمياً ودولياً مقارنة بحركة حماس التي بدت تفتتح علاقات دولية وإقليمية جديدة. وهذا التموضع الداخلي والخارجي لحماس سيفضي لإعادة الحسابات السياسية فيما يتعلق بالاستجابة لشروط فتح والذهاب للمصالحة.
القول إن عام 2019 لن يشهد إحداث اختراق للمصالحة محكوم بمجموعة معطيات أهمها أن الرئيس عباس يمسك بكل مفاصل حركة فتح والمنظمة والسلطة ويصر أن تقدم حماس تنازلات قبل الذهاب للمصالحة، في المقابل تشترط حماس إلغاء العقوبات المفروضة على القطاع وما بين هذه وتلك يبقى التحدي الأكبر سلاح المقاومة في القطاع.
متغير آخر لا يقل أهمية ويتحكم في مسار المصالحة أن الأمر لم يعد بين فتح وحماس فقط، بل دخلت وتدخلت قوى عربية وإقليمية ودولية على المسار كمدخل لدور والعودة للمشهد، وفي ظل حالة الاصطفاف والشد والجذب في ما بين مكونات النظام الإقليمي العربي، والنظام الدولي فإنه لا يمكن لطرف ما أن يسمح لطرف آخر أن يُسجل إنجازاً يتعلق بإحداث مصالحة بين فتح وحماس وبالتالي فإن الأمر مرتبط بخارطة تفاعلات وحسابات خارجية، بل شهد العام 2018 تحولا في الأمر كاشتراطات هذه الأطراف، فالسعودية مثلا اشترطت من أجل تمويل المصالحة أن تقطع حركة حماس علاقاتها بإيران وحزب الله. الأمر الذي أفضى لتحول في موقف عباس من المصالحة، فنقل الانقسام إلى المأسسة عندما استدعى المحكمة الدستورية لحل المجلس التشريعي، وهو المتغير الأبرز والأعمق فالتشريعي لم يُحل طوال العقد الماضي وقرار حله سيفضي لمزيد من التباعد والافتراق ولا يبدو أننا قريبون من الذهاب لأية انتخابات خلال العام الجديد.
أسدل الستار عن عام 2018 بحل المجلس التشريعي، وندخل للعام الجديد بتراشق إعلامي وسياسي عن الشرعية والحق والصلاحية، والخاسر هو المواطن الفلسطيني، والقضية الفلسطينية.
لم يكن حديث الحية منفصلا عن سياق وانطباع عام عبر عنه خطاب حماس في أكثر من موضوع ومستوى، ففي الرابع من أيلول 2018 قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة يحيى السنوار في لقاء جمع ناشطين وصحافيين كلاما أكثر جرأة ولخص الأمر كالتالي: "فشلنا في تحقيق المصالحة وما زالت حالة الانقسام موجودة مع الأسف ووصل مسار المصالحة إلى طريق مسدود".
لا يبدو الأمر مقتصراً على الإرادة السياسية لكل من فتح وحماس فقط، هذا ما عبر عنه السنوار في حديثه السالف عندما ذهب إلى أن "دولا كبيرة أرادت إحباط المصالحة وعلى وجه الخصوص جهاز الشاباك، وللأسف الشديد، تعاونت جهات فلسطينية رسمية مع الاستخبارات الإسرائيلية لإفشالها".
تلاشي التفاؤل
قبل الانتقال لعام 2018 بشهرين فقط وتحديدا في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 حدثت نقلة نوعية في مسار المصالحة بين حركتي فتح وحماس، ففي 12 أكتوبر 2017 وقعت حركتا فتح وحماس في القاهرة اتفاق مصالحة يهدف إلى إنهاء عقد من الانقسام بين الطرفين، وحددتا مهلة شهرين من أجل حل الملفات الشائكة العالقة بينهما، ونص الاتفاق على أن تعود السلطة الفلسطينية، إلى ممارسة سلطتها الكاملة مجدداً على قطاع غزة بحلول الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2017، وقيل حينها إن رئيس السلطة محمود عباس سيقوم بزيارة غزة للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات في الأسابيع المقبلة.
تفجير المشهد
لم يصمد الاتفاق طويلاً بعد شهرين وقبل أيام من إسدال الستار على عام 2017 أفضى تصريح عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ومسؤول ملف المصالحة مع حركة حماس، عزام الأحمد، "بأن غزة بمثابة طائرة مخطوفة، ولا تفاوض مع الخاطفين، واليوم هناك قاعدة في العالم أنّه يجب عدم التفاوض مع الخاطفين، فإمّا أن يستسلموا أو تُهاجَم الطائرة" لحالة من الإحباط الذي تمدد مع محاولة استهداف موكب رئيس الحكومة رامي الحمدالله ورئيس المخابرات ماجد فرج في الثالث عشر من مارس 2018 عندما وقع انفجار بالقرب من الموكب خلال زيارة لغزة.
افتتح العام 2018 باستهداف الموكب ومعه انفجرت كل محاولات إحداث مصالحة ممكنة بين فتح وحماس، وجُمد اتفاق العام 2017، وانقلب التفاؤل الحذر بشأن المصالحة الفلسطينية إلى تشاؤم مُفرط، بعد التصريحات والردود التي صدرت عن قياديين في حركتي فتح وحماس خلال الأيام التي أعقبت محاولة استهداف موكب الحمد الله.
مر عام 2018 طويلاً محملاً بالمتغيرات لكنها كلما اقتربت من المصالحة ابتعدت أكثر، كاد العام أن ينتهي معلنا عن حلحلة في ملف المصالحة لا سيما عقب عودة القاهرة للمشهد ودعوتها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 وفدي حماس وفتح لزيارتها، انتهت الزيارة ولم يحدث أي اختراق للمسار، ولم تفض جولة القاهرة لأي تطور حقيقي، وبدت القاهرة مرتبكة فقد قدمت ورقة جديدة وافقت عليها حركة حماس مع إبداء بعض الملاحظات، ثم عادت القاهرة مرة أخرى لتفاجئ حماس بورقة مصرية أخرى.
ووضعت العربة أمام حصان المصالحة، إذ اشترطت حماس أن يرفع الرئيس عباس العقوبات التي فرضها على قطاع غزة، قبل البدء بتنفيذ المصالحة، وأصرت السلطة على تقديم حماس لمزيد من التنازلات تحت شعار واحد ردّده قياديو فتح والسلطة، كثابت من الثوابت على مدار المدة الماضية، وهو: "سلطة واحدة، قانون واحد وسلاح شرعي واحد".
ولم تكتف فتح بهذا الثالوث، بل ظهرت تصريحات تصعيدية من طرف عزام الأحمد (المعنيُّ بملف المصالحة في فتح) وقد قال في مقابلة مع تلفزيون فلسطين إنهم لا يثقون في حماس؛ وتحدَّث عن تشكيل لجنة ستجتمع حتى "تُقوِّض سلطة حماس".
اللافت أنّ عزّام الأحمد هو مسؤول ملف المصالحة مع حركة حماس، منذ أن بدأت محاولات المصالحة وجولاتها وصولاتها المتعدّدة في عواصم عربية، وقد اقترن حضور الرجل ومشاركته وترأسه لوفد فتح بانطباع عام لدى الناس أن الجولة محكومة مسبقا بالفشل وهو عين ما أفضت إليه الجولة الأخيرة في القاهرة عام 2018.
مستقبل المصالحة
لا يبدو عام 2019 مختلفاً كثيراً عن الأعوام السابقة في ما يتعلق بمسار المصالحة الفلسطينية، فالتجربة تقول إن 2017 انتهى بتوقيع اتفاق، و2018 انتهى بجولة القاهرة وأوراقها، وقد ينتهي العام أو يبدأ القادم بزيارة مرتقبة لموسكو التي يتردد أنها تخطط للتحرك من أجل عقد مصالحة فلسطينية بين حركتي فتح وحماس، لكن الأمر أعقد من دور روسي مرتقب، الانقسام أعمق والمتغيرات تتدحرج وكلها تدفع بأن الانقسام مستمر وأنه لم يعد خلافا أو اختلافا بين فتح وحماس فقط.
الانقسام هو حالة صراع بين برنامجين مختلفين والمساحة تتباعد بينهما كل يوم، وفي الوقت الذي تثبت حماس موقعها وموضعها تتقلص المساحات التي تقف عليها حركة فتح داخلياً وإقليمياً ودولياً مقارنة بحركة حماس التي بدت تفتتح علاقات دولية وإقليمية جديدة. وهذا التموضع الداخلي والخارجي لحماس سيفضي لإعادة الحسابات السياسية فيما يتعلق بالاستجابة لشروط فتح والذهاب للمصالحة.
القول إن عام 2019 لن يشهد إحداث اختراق للمصالحة محكوم بمجموعة معطيات أهمها أن الرئيس عباس يمسك بكل مفاصل حركة فتح والمنظمة والسلطة ويصر أن تقدم حماس تنازلات قبل الذهاب للمصالحة، في المقابل تشترط حماس إلغاء العقوبات المفروضة على القطاع وما بين هذه وتلك يبقى التحدي الأكبر سلاح المقاومة في القطاع.
متغير آخر لا يقل أهمية ويتحكم في مسار المصالحة أن الأمر لم يعد بين فتح وحماس فقط، بل دخلت وتدخلت قوى عربية وإقليمية ودولية على المسار كمدخل لدور والعودة للمشهد، وفي ظل حالة الاصطفاف والشد والجذب في ما بين مكونات النظام الإقليمي العربي، والنظام الدولي فإنه لا يمكن لطرف ما أن يسمح لطرف آخر أن يُسجل إنجازاً يتعلق بإحداث مصالحة بين فتح وحماس وبالتالي فإن الأمر مرتبط بخارطة تفاعلات وحسابات خارجية، بل شهد العام 2018 تحولا في الأمر كاشتراطات هذه الأطراف، فالسعودية مثلا اشترطت من أجل تمويل المصالحة أن تقطع حركة حماس علاقاتها بإيران وحزب الله. الأمر الذي أفضى لتحول في موقف عباس من المصالحة، فنقل الانقسام إلى المأسسة عندما استدعى المحكمة الدستورية لحل المجلس التشريعي، وهو المتغير الأبرز والأعمق فالتشريعي لم يُحل طوال العقد الماضي وقرار حله سيفضي لمزيد من التباعد والافتراق ولا يبدو أننا قريبون من الذهاب لأية انتخابات خلال العام الجديد.
أسدل الستار عن عام 2018 بحل المجلس التشريعي، وندخل للعام الجديد بتراشق إعلامي وسياسي عن الشرعية والحق والصلاحية، والخاسر هو المواطن الفلسطيني، والقضية الفلسطينية.