المشير بين نعم ولا

05 يونيو 2014

السيسي لدى وصوله إلى مركز اقتراع لانتخاب نفسه (أرشيفية)

+ الخط -
المصريون لم يقولوا "لا" للمشير عبد الفتاح السيسي، في الانتخابات الرئاسية، ولكنّهم لم يقولوا له "نعم" مريحة. ليست تلك "النعم" التي كان يتوقعها، أو يرغب فيها. مَن قالوا إن المصريين أبطلوا، في هذه الانتخابات الباهتة، "التفويض" الذي "منحوه" للسيسي غداة هبَّة 30 يونيو/ حزيران، لا يزالون يصدرون من أوهامهم التي أدت، بالضبط، إلى 30 يونيو، أما الذين يقولون: إن المصريين جدَّدوا "تفويضهم" للمشير، الذي لم يطوِ بزَّته العسكرية في الخزانة بعد، فهم لا يقلّون خطأ عن أولئك.

يصعب، اليوم، معرفة شعبية المشير بين المصريين.

30 يونيو ليست مقياساً ولا 3 يوليو/ تموز.

فبين رفضٍ لنظام مرسي، الفاشل، وتطلّعٍ الى "قائدٍ منقذٍ"، رأينا تلك الأعداد المليونية التي لا يصنعها برنامج فوتو شوب. لم تكن تلك الحشود، على اختلاف أسباب نزولها إلى الشوارع والميادين، مقياساً لشعبية السيسي، ولا، قطعاً، دعوة مفتوحة لحكم العسكر.

الأرقام التي يتقاذفها معسكرا الانقسام المصري (وليس الشعب المصري، الفرق لا يخفى على أحد) ليست مهمَّة في حد ذاتها، سواء كان مَن خرجوا إلى انتخاب السيسي، خمسة وعشرين مليوناً أم أقل من ذلك، وسواء تفوَّقت الأصوات الباطلة على الناصري حمدين صباحي، منافس السيسي الوحيد، أم لا، فقد أصبحنا في يومٍ آخرَ، وأمام استحقاق جديد، لا يفيد معهما البكاء على الحليب المراق. مصر والعالم العربي، اليوم، أمام واقع مصري مختلف عمّا كان عليه قبل عام، بل مختلف، حسب ظني، عمَّا كانت عليه مصر قبل الانتخابات الرئاسية. كان السيسي، قبل انتخابه رئيساً، موجوداً وغير موجود، عضواً في الحكومة، وربما رئيسها في آن، غير أنه لم يكن، رسمياً، رئيساً للدولة، ولا رئيساً لمجلس الوزراء. اليوم سيقف السيسي وجهاً لوجه أمام الشعب المصري، وجهاً لوجه أمام قضايا مصر المصيرية المزمنة، وجهاً لوجه أمام القضية الفلسطينية وانتكاساتها، وجهاً لوجه أمام اليد العليا السافرة لمجلس التعاون الخليجي في الحياة السياسية العربية، وجهاً لوجه أمام أوروبا وأميركا ومطالبهما من مصر "الجديدة".. باختصار: سيكون العسكريّ المترجِّل من دبابته للتوّ، وجهاً لوجه أمام متاهة، لا يحسد عليها، من شؤون مصر العاجلة، وهي بالأطنان، وشؤون المنطقة التي تشهد انقضاضاً شرساً، مكشوفاً، على الأفق الذي فتحه "الربيع العربي" أمام شعوبنا التي كسر الاستبداد ظهرها وأقعدها على الأرض.

سيسي اليوم، لن يتمكن من الاختباء أمام رئيسٍ مؤقتٍ، وحكومة تسيير أعمال، وبرلمان معطَّل وصحافة تطبِّل وتزمِّر، ونسوة يزغردن، ورجال دين يفتون، من دون أن تطاله مسؤولية أخطاء "غيره". لن يكون هناك "غيره" في الساحة. فهو الرئيس الذي كانت "ترنو" إليه العيون، و"تهفو" إليه القلوب.. وعليه أن يرتقي إلى جلجلة الأماني التي رفعها إلى رأس الجبل. وسواء قال للمصريين، وهو يهيئ نفسه لكرسي الرئاسة، إن الرحلة ستكون شاقة، وإنه لا يملك عصا موسى، أم لم يقل، فلن يسمعه أحد ممّن يرون فيه المنقذ من الهلاك. فهو، لا أحد غيره، مَن أطاح بالشيخ مرسي، وأرسله إلى السجن، لأنه لم يستطع أن يكون على قدر مصر الكبيرة. طيّب. هذه هي مصر الكبيرة تنتدبك الى تكاليفها.

وهي تكاليف باهظة.

فمن أين تبدأ؟

وكيف؟
وبأيّ نوع من الناس؟

***

لم أقل إنَّ انتخاب السيسي يَجبُّ ما قبله من أحداث، فهناك جرائم لا تسقط بالتقادم، وهناك دماء تصرخ، مطالبة بمعرفة سافكيها ومعاقبتهم، وهناك سجون أُترعت، "عن بكرة أبيها"، بالمعتقلين.. وهناك وهناك. هذه قضايا لا يُسقطها جلوس المشير على كرسي الرئاسة، وهي لها سكّتها التي لا ينبغي أن تصل إلى حائط سدٍّ. ما وددتُ قوله إن هذه الرحلة الشاقة، لمَن سيتولّى مسؤولية مصر الأولى في هذه اللحظة الراعفة، قد تهون مشاقها قليلاً، وقد تتمكن من الوصول إلى هدفها بأقل قدر من الخسائر، وممكن، بتفاؤل طوباوي، أن تشكل نقطةً فاصلةً في تاريخ مصر الحديث، إن تمَّ فتح صفحة جديدة في الحياة السياسية والاجتماعية المصرية من دون رمي الصفحة السابقة في سلة المهملات.
ولكن إيقاف الزمن والتاريخ وعجلة المجتمع عند "حق" و"شرعية" سابقين لا يفيد الحق، ولا يفيد مصر، التي تتطلع الشعوب العربية الى نهوضها، بكل زخمها وعنفوانها، في شيء..

هذا ما يجب أن يعرفه المشير وخصوم المشير.
والأفعال، لا الأقوال، هي المحكّ.

 

 

 

 

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن