المسرح العربي والعلوم: رحلة تائهة إلى الغد

22 فبراير 2016
(من "غاليليو" لـ بريشت، 2011 تصوير: فرانك أتورا)
+ الخط -


في وقت لا يزال فيه المسرح العربي غارقاً في تناول هموم السياسة والقضايا الاجتماعية، يبدو من الصعب عليه التوجّه إلى تساؤلات وأطروحات مثل الحراك العلمي والمخترعات الجديدة التي نشهدها اليوم.

هذا المحور، أي المسرح والعلوم كان موضع النقاش في ملتقى "الشارقة الثالث عشر للمسرح العربي"، الذي اختتم مؤخراً، حيث أجمعت النقاشات أنه من المبكر رصد التجارب المسرحية العربية في مجال العلوم، رغم وجود محاولات لتأسيس مثل هذا المسرح، ولكنها أعمال قليلة وغير ناضجة فكرياً وفنياً.

في ورقته "المسرح والعلوم: منظور فلسفي" يشير أستاذ الفلسفة الفلسطيني أحمد برقاوي إلى أن "سقراط حوكم بسبب إفساده للشباب، حوكم لأنه قدّم معرفة تختلف عما يتكئ عليه السلطان". وذكر برقاوي "رحلة إلى الغد" لتوفيق الحكيم مثالاً على أن "التنوير بالعلم والسلطة لا يلتقيان، فعندما ذهبت الشخصيتان في رحلة إلى الفضاء وعادتا بعد وقت طويل وجدتا أن العالم لم يتغيّر من جرّاء ما تمارسه السلطة من استبداد وتخويف واضطهاد".

أوضح برقاوي أيضاً أن "الوعي العربي الذي يستمد أصوله من الماضي ويراد تحطيمه سوف يصطدم أيضاً بالسلطة عبر المحاكمة التي نجد أغلب النصوص المسرحية العربية تتحدّث عنها كما في نص "إيزيس" للحكيم. من هنا، نجد أن المسرح مرتبط بالحرية وتحطيم الوعي القديم".

معظم الأوراق الأخرى قاربت بين المسرحين العربي والغربي من خلال تجربتي بريشت والحكيم. أشار الناقد الأردني رسمي محاسنة إلى التساؤلات التي أثارتها الثورة الصناعية في أوروبا حول القيم والمعتقدات.

وتابع أن "بريشت وضعنا من خلال مسرحية "غاليليو" أمام الصدام بين العلم والسلطة الدينية واستخدامات العلم لتدمير البشرية"، كما تطرّق لمسرحيين أمثال الفرنسي كوم دو بيليسيز والسويسري فريدريك دورينمات اللذين اشتغلا على تساؤلات وجودية حول مواضيع الموت والإجهاض والتسابق في التسلّح، على أن المسرح الغربي حاضرٌ في تناول العلوم ومواضيعها بغية نشر المعرفة للمتلقي في حين لا يزال المسرح العربي مقتصراً غالباً على تقديم أعمال مباشرة لا تخلو من السذاجة أحياناً".

في ورقته، يرى المخرج الجزائري جهيد الدين الهناني أن "مسرحة النظريات العلمية وسيلة تم استخدامها في المتاحف ولعرض تجارب العلماء". ويجد الهناني أن "العروض المسرحية العلمية تساهم في صياغة مصطلحات ونظريات ووعي جديد، ولكن المسرح يحتاج وقتاً لاستيعاب العلوم، لأن ماهيته ليست نقل المعرفة المباشرة، بل نقل الأحاسيس وصنع صور تترك في مخيلة المتلقي أثراً لوقت طويل".

وفي تعقيبه على تجربتي الحكيم وبريشت، أوضح الهناني أن المسرحي الألماني "استطلع استخدام السلطة للعلماء لتدمير البشرية"، واعتبر أن الصراع القائم في مسرحية "غاليليو" هو "صراع أفقي بين العالم والكنيسة أساسه صراع عمودي بين الكنيسة والكتاب المقدّس". أما نص الحكيم، حسب الهناني، فيغلب عليه التساؤل لوجود شخصيتين تركيبتهما فكرية ديكارتية، لكنهما تصطدمان بحقائق مركّبة عند إعادة النظر بفكرة الحرية والتطوّر العلمي.

بدوره، ناقش المسرحي السوري عبد الناصر حسّو "نماذج من الموضوعات العلمية في النصوص المسرحية" واعتبر أنه "مع اختراعات القرن التاسع عشر أصبح العلم موضوعاً مثيراً للمسرح كمنهج فكري، واختار الكتّاب المسرحيّون حينها ثيمة العلم باعتبارها وسيلة لاستكشاف الأفكار الهدّامة أو البنّاءة من العلم ونقلها إلى الخشبة لتوعية الجمهور، فكان بريشت من خلال "غاليليو" يريد من العلوم الجديدة أن تطيح بالنظم السياسية القائمة، بينما أراد كريستوفر مارلو أن يطيح بالمفاهيم الغيبية والنظم الدينية من خلال تناولهما لشخصية "غاليليو" العالِم وتطويعها لأيديولوجية معينة تتناسب مع أفكارهما".

ولفت حسّو إلى محاولات بعض المسرحيين العرب مثل الكاتب وليد إخلاصي، مؤلف "أوديب مأساة العصر"، وكذلك حمدي موصللي صاحب "ورود حمراء تليق بالجنرال". يستخلص حسّو أنه "من المبكر رصد التجارب المسرحية العربية، معتبراً أن "المسرح الذي يكشف عن جدلية العلاقة بين الفن والمجتمع عبر قوانين علمية هو مسرح ديناميكي، غير أن الأعمال العربية المسرحية عموماً لا تمتلك الجرأة لطرح تساؤلات وحساسيات جديدة".

الباحث المغربي هشام بلهاشمي، وفي ورقته "المسرح والعلوم بين بريشت وتوفيق الحكيم" يوضّح أن موقف بريشت من العلوم والتقدّم ظهر في كتابه "الأورجانون الصغير"، وفي مسرحيته "غاليليو"، إذ يرى بريشت أن التقدّم الإنساني في العلوم لم تلازمه كيفية التخطيط لإنتاج الثروات ولم تنعكس إيجابيات التقدّم ولم تصاحبه مبادئ إنسانية.

أما بالنسبة لنصوص توفيق الحكيم، فيعتبر بلهاشمي أن مسرحية "رحلة إلى الغد" تشكّل ممراً إلزامياً لبلوغ العالم المستقبلي، إذ يتطرّق العمل إلى الحلم الإنساني الخاص بغزو الفضاء وتوظيف الآلة في خدمة الإنسان، ويقف متأنياً عند تأثير التقدّم على الإنسان وسلبه لحريته وحياته.


اقرأ أيضاً: تجارب نسائية في التابو: أسئلة المسرح نفسها

المساهمون