المسجد الأقصى.. حربٌ حقيقية

21 يوليو 2017
(خلال اشتباك مع قوّات الاحتلال، تصوير: نضال الوحيدي)
+ الخط -


لأوّل مرّة منذ عام 1967 لم يصلِّ الفلسطينيون في المسجد الأقصى صلاة الجمعة، بعد أن منعت قوّات الاحتلال الإسرائيلي المصلّين من الدخول بشكلٍ طبيعي، إذ ركّبت بوابات إلكترونية لتفتيش كل من يريد الدخول إلى باحات الأقصى.

منذ أن شرعت السلطات الإسرائيلية بتركيب تلك البوابات وأجهزة التفتيش، عقب تنفيذ ثلاثة شبان من مدينة أم الفحم عملية في باحات الأقصى، قُتل فيها مجندان إسرائيليان من الطائفة الدرزية؛ تحوّلت أزقّة البلدة القديمة في القدس إلى ساحات مواجهة حقيقية مع المصلّين والشبان المقدسيين الذين رفضوا وبشكل قاطع الرضوخ إلى إجراءات الاحتلال والتسليم بتفتيش كل من يدخل إلى الصلاة.


السيادة للمقدسيين
أسبوع كامل من المواجهة، لا أذان يُرفع، وباحات الأقصى خالية من المصلّين الذين أجمعوا على وجوب إقامة الصلاة أمام أبواب الأقصى وفي الساحات العامة؛ رفضًا للإجراء الذي أكّد المقدسيون أنه لن يمرّ مرور الكرام، فقبل أيّام وتعقيبًا على ردة فعل المقدسيين، علّقت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أن السيّد الحقيقي للمسجد الأقصى ليست إسرائيل ولا الأردن ولا أي طرف، بل للفلسطينيين والمقدسيين منهم على وجه الخصوص.

رغم كافة وسائل القمع التي اتخذتها السلطات الإسرائيلية من قمع وترهيب وتهديد واعتقال طاولت العشرات من النشطاء والكوادر، لم يثن المقدسيون عن المواجهة وإعلاء صوتهم الرافض للإجراء الجديد، وزادت الدعوات إلى إقامة صلاة الجمعة أمام أبواب الأقصى، ما زاد من التخوّف الإسرائيلي الذي دفع السلطات الإسرائيلية إلى إرسال تعزيزات بأكثر من كتيبة من شرطة الاحتلال لقمع المصلين.

كذلك نصبت حواجز على كافة مداخل القدس وشدّدت من إجراءات دخول باقي الفلسطينيين إلى المدينة، فمنعت عرب 48 من الوصول، كما منعت من هم دون عمر الخمسين من أهالي الضفّة.


مواجهات وإصابات
مع الإصرار المقدسي على الرفض، ازدادت وحشية الشرطة الإسرائيلية التي اعتدت على كل ما طاولته يداها، فاندلعت مواجهات في مختلف أنحاء القدس قبل وبعد الصلاة، استخدمت فيها الشرطة قنابل الصوت والغاز والرصاص المطاطيّ والحيّ، كذلك استعانت بوحدات من قوّات المستعربين "جنود إسرائيليون متنكّرون باللباس والمظهر العربي"، لترهيب واعتقال عدد من الشبان.

إلا أن المواجهة تزداد وتتّسع رقعتها مع كل وسائل القمع، فبحسب بيانات الهلال الأحمر، فإنها تعاملت مع أكثر من 391 إصابة بينها إصابات خطيرة في مختلف أنحاء الضفّة، بالإضافة إلى ثلاثة شهداء من القدس.


خصوصية الموت الفلسطيني
المشهد في القدس يبدو ساحة حرب حقيقية، مستوطن يطلق النار صوب أحد الفتية في منطقة رأس العامود فيرديه شهيدًا، وجندي آخر يطلق النار بشكل مباشر صوب أحد الشبان في بلدة الطور بالقدس فينهي حياته، ولا ينتهي المشهد عند هذا الحدّ، بل يصل إلى أن يدفن جثمان الشهيد فور إعلان الأطباء عن استشهاده، خوفًا من ملاحقة الجثمان، كذلك تهريب جثمان الشهيد الثاني من مستشفى المقاصد في مشهد تقشعرّ له الأبدان، لحفظه من المصادرة الإسرائيلية.


كل شيء في دائرة الاستهداف
الجنود الذين قصفوا مشافي غزّة في الحرب الأخيرة على القطاع، لا يعرفون كذلك حرمة اقتحام المشافي في الضفّة، حيث لم تتوقّف اقتحامات شرطة الاحتلال لمشافي القدس طيلة الأسبوع الماضي بزعم محاولتها اعتقال أحد الجرحى، وكذلك اقتحمت، اليوم، أحد المستشفيات في مدينة الخليل وداهمت قسم الكلى لتفتيشه معرّضة حياة المرضى للخطر، غير آبهة بأي مبدأ إنساني ولا أي مساءلة حقوقية أو دولية.

بكل تأكيد من يمارس كل هذه الأعمال الوحشية لا يمكن أن يكون حياديًا في نظرته للصحافيين الذين ينقلون الهم الفلسطيني، فاعتدى جنود الاحتلال على عدد من الصحافيين، ومنعهم من نقل صورة الأحداث، بل واستهدفهم بالقنابل والرصاص، ما أدى إلى إصابة مصوّر صحافي برصاصة في صدره.


القدس إلى أين؟
إن سياسية الاحتلال الممتدة منذ عقود حيال المقدسيين، من تهميش وإقصاء ممنهج، ومضايقات يومية ليست عابرة، زادت وعي المقدسي اتجاه هذه الدولة الاستعمارية، وكذلك زاد من يقينه أيضًا، أنه وحده هو القادر على رفض أو قبول أي جديد في الساحة المقدسية، فلا يستطيع أي متواطئ أن يراهن على القبول بالأمر الواقع حتى لو أمدت واتّسعت المواجهات لتعمّ كافة المدينة المقدسة.

والتسريبات التي نشرتها وسائل إعلامية إسرائيلية، عن وجود تفاهمات مع دول عربية أبرزها السعودية بخصوص البوابات الإلكترونية، ومقارنتها بالبوابات المنصوبة على أبواب الحرم المكي، فشلت في محاولة احتواء هذا المقدسي العنيد، وأثبت حقًا أنه صاحب الكلمة والسيادة.

المساهمون