صديقي العزيز،
إنها حقائق قديمة تجدها في أرضنا الشاسعة، لأنه، ومنذ عصور إسبانيا العربية بل وأقدم من ذلك، كان للحضارة العربية وجودٌ مؤسس في الثقافة الهسبانية. ونحن ندين لها بـ"طريقة عيش"، وبمفهوم العالم وطريقة تقدير الفن والجمال.
بهذا المعنى، فإن لكلمة "مورو" عندي معنى مهيناً، ومن الواجب علينا مكافحة ذلك العداء الموجود في بعض النصوص الأدبية الكنسيَّة الإسبانيَّة التي تحرِّض على من أطلقوا عليهم اسم "مورو"، كما ورد في الملحمة الشعرية، مجهولة المصدر "كانتار ميو سيد" وتعني بالعربية "نشيد سيدي" أو "نشيد السيد"، على سبيل المثال لا الحصر.
على أي حال، فإن تكوُّن الطبيعة الإنسانية يأتي بعد نضالٍ وكفاح، وإن أخذنا بعين الاعتبار نظرية التطور الداروينية التي جاءت بعد قرون، وأقصد ما يتعلَّق منها بالمجتمع، فمن الواجب علينا أن نعتاد ونتعايش بقوة مع بعضنا بعضاً.
وهكذا، وبالرغم من أنَّ العرب قد طردوا من إسبانيا، إلَّا أنَّ حضارتهم ما زالت موجودةً أكثر من أيِّ وقتٍ كان، لم تنمحِ، بل إننا نراها ليس فقط من خلال قصر الحمراء، وقرطبة وبقية مدن الأندلس؛ بل وفي طعامنا، والإرث الذي تركوه لنا وما زال ينبض حياة.
إن للقرون الثمانية للحكم العربي في إسبانيا أثراً مستمرّاً يحملنا على التفكير. هل كانت إسبانيا من حضَّر "العالم الجديد"، الذي يُسمَّى اليوم أميركا اللاتينية؟ التاريخ بهذا الخصوص يروي لنا أن الفايكنغ وبعض الأفراد الذين اجتازوا مضيق الزمن قد وصلوا قبل مجيء كريستوفر كولومبوس لأميركا. هذه المعلومة تلغي كلمة "اكتشاف".
كما علينا أيضاً أن نتخلَّص من الفكرة الرومانسية لـ"المستيزو" أو الخليط. فإن كان التقاطع الذي حدث ما بين العرق الأوروبي (الإسباني) والعرق "الهندي" الذي كانت محصلته عرق جديد هو "المستيزو"، فإن أصل هذا العرق ناشئ عن العنف (اغتصاب النساء من السكان الأصليِّين من قِبل الإسبان)، ومن هنا فإن إنشاء أميركا اللاتينية مرتبط بالعنف أصلاً منذ نشأته. نحن بطريقة أو بأخرى، وبكل أسف، بنات وأبناء العنف.
من جانب آخر، علينا أن نعترف بحقيقة أن العرب هم من حضَّر إسبانيا عبر ثمانية قرون. عندها، ومن الطريق نفسه سنستوعب أنَّ العرب هم من حضَّر أميركا اللاتينية، أو بالأحرى، يمكننا القول إن سكّان أميركا اللاتينيّة يحملون دماً عربيّاً في شرايينهم، ونحن ندين للعرب بالاحترام وبالفضل.
عرف العرب كيف يقدّمون ثقافة خاصة طوال تلك القرون، حملت معها إسهامات كبيرة للإنسانية؛ الترجمات العلمية والأدبية؛ الجبر وفنون الشطرنج وإثراء للغة الإسبانية بآلاف المفردات، لتصبح العربية ثاني مصدر للغة الإسبانية.
ولهذه الأسباب، فإن هذه الثقافة، وحتى يومنا هذا، هي واحدة من الثقافات الأكثر استحقاقاً للتقدير. كما أن أبناءها يُثبتون كيف يُمكن التعايش في عالم يجري تدميره كلَّ يوم، من دون أن يفقدوا حبّهم للجمال والفن والأدب. لقد كانوا هم من أورثونا أيضاً عالماً أدبيّاً جميلاً، وأحلاماً وشعراً جميلاً في الأنطولوجيا العالمية.
ولا ننسى بالتأكيد حبَّهم للرمز بامتياز متمثِّلاً بالقمر. من هنا فقد اقتبس بورخيس في بعض المناسبات بيت شعر يفتح لنا طريقا في الذاكرة: "القمر، مرآة الوقت"، وها أنا أُحيلُه للعالم العربي، الذي ما زال إلى الآن محل استهداف، لكنه ما زال مستعدّاً للمقاومة، كجنديٍّ يرفض الهزيمة.
* كاتبة من نيكاراغوا
ترجمة عن الإسبانية: غدير أبو سنينة