المساءلة والمحاسبة في القطاع العام

09 فبراير 2015
مظاهرات داعمة لثورات الربيع العربي (جينك يون جي/فرانس برس)
+ الخط -
تعرّف الأمم المتحدة المساءلة على أنها الطلب من المسؤولين تقديم التوضيحات اللازمة لأصحاب المصلحة حول كيفية استخدام صلاحياتهم وتصريف واجباتهم، والأخذ بالانتقادات التي توجه إليهم، وقبول المسؤولية عن الفشل وعدم الكفاءة أو عن الخداع والغش. ونتيجة لذلك، فالمساءلة هي وسيلة تمكّن الأفراد والمؤسسات من تحمل مسؤولياتهم وتبرير أدائهم للوثوق بهم. إذ إنها مجموعة من الأدوات والتقنيات لتقييم السياسات العامة، وتجسيد لمفهوم ديمقراطية الإدارة. أما المحاسبة فهي واجب الكشف عن كيفية التصرّف في المسؤولية المعطاة، من خلال تقديم كشف حساب عن نتائج وأهداف تم الاتفاق على شروطها مسبقاً، من حيث النوع، الكلفة، التوقيت والجودة. 
وعلى هذا النحو، فالمحاسبة مكمّلة للمساءلة بسعيها إلى تحسين أداء المؤسسات والارتقاء بها عبر المراقبة المستمرة، والتدقيق وإدارة المخاطر. ونجد أن المحاسبة منقسمة إلى تيارين أساسيين: الأول يقصد بالمحاسبة مجموعة من الواجبات والقواعد التي تتابع الوظيفة السياسية للدولة، والمتمثلة في صياغة وتنفيذ السياسات، وهنا، المحاسبة تراقب الأداء العام وتتأكد من تحقّق الأهداف بالكفاءة المطلوبة. أما التيار الثاني فيعني بالمحاسبة تلك الآليات المسخّرة لإنجاز الوظيفة الإدارية للدولة الهادفة إلى تطبيق السياسات العامة بفعالية وفاعلية عالية.
وعلى هذا الأساس، تعتبر المساءلة والمحاسبة في القطاع العام قضية جوهرية على مستويين رئيسيين: لقد أصبحت المساءلة والمحاسبة معيارين للكفاءة الحكومية، ومحددين لمصداقية المؤسسات العامة واستراتيجياتها الموجهة نحو المواطن. كما تتجلى أهمية المساءلة والمحاسبة بالقطاع العام في مكانة المؤسسات العامة، باعتبارها المنفذة للبرامج والأهداف الحكومية.
وبوجه عام، تواجه المساءلة والمحاسبة في القطاع العام تحديات مختلفة. فعلى الجانب السياسي، ترتبط منظومة المساءلة والمحاسبة بطبيعة النظام السياسي السائد وفلسفته في الحكم، عبر ترسيخ عقد اجتماعي ينص على التداول السلمي للسلطة، الشفافية في العلاقة مع المواطنين، وشرعية ومشروعية الأجهزة الحكومية المنتخبة ومدى تحليها بالنزاهة والتفاني في العمل. واقتصادياً، فالأمر يرتبط بإقامة مؤسسات قوية وإدارة اقتصادية محكمة، خاصة في المجال المالي.
أما اجتماعياً، فالمساءلة والمحاسبة تبقيان رهينتين للثقافات المؤسساتية والأعراف الاجتماعية، ومما يلاحظ في هذا الشأن، تأثير الجانب الاجتماعي في البعد السلوكي والقيم الأخلاقية التي قد تجيز ممارسات فاسدة، لكنها متوافق عليها داخل المجتمع.
(كاتب وأكاديمي مغربي)
المساهمون