المسؤولية من إيران إلى تونس

28 ديسمبر 2015
+ الخط -
بينما كنت أتصفح الرسائل الواردة إلي في "فيسبوك"، اعترضتني رسالة أشاعت في نفسي القلق والخوف. كانت اللقطة المصورة تنقل حادثة إيرانيٍّ يتجول في أحد أحياء العاصمة التونسية، ووراءه مجموعة من شباب يلاحقونه بتعليقاتهم، وأسئلة عن اسمه وجنسيته وأسباب مجيئه إلى تونس، قائلين له إن تونس بلد سني وسيبقى كذلك، ولن يتأثر بما وصفوها "العقيدة الباطلة للشيعة". والحمد لله أن الاشتباك لم يتطور إلى حد ممارسة العنف ضد هذا السائح الإيراني الذي قال إنه يحب تونس وشعبها الثائر.
منذ طُويت صفحة الصراع الدموي ضد الشيعة الإسماعيلية، انشغل التونسيون بقضايا أخرى، أنستهم تلك الحقبة من تاريخهم البعيد، حين قامت الدولة الفاطمية، وحكمت باسم آل البيت، قبل أن ينتقل المعز لدين الله الفاطمي إلى مصر ويبني القاهرة.
لم يذكر الشيعة من جديد في تونس، إلا بعد قيام الثورة الإيرانية، وإن كانت حركة التشيع قد بدأت في هذه البلاد قبل ذلك الحدث الكبير ببضع سنوات. كان الحديث عن الشيعة، في البداية، إيجابياً، لاقترانه بالشجاعة التي مكّنت الإيرانيين من إطاحة أضخم نظام دكتاتوري عرفته منطقة الشرق الأوسط. لكن، سرعان ما بدأ الموقف منهم يتغير تدريجياً عندما أخذت الدعوة إلى التشيع المذهبي تطغى على التعاطف السياسي مع الشعب الإيراني. وقد سارعت حركة الاتجاه الإسلامي إلى إدانة هذا التحول في طبيعة العلاقة، وازداد نقدها المجموعات الشيعية المحلية، واتهمتها بالتعاون مع نظام بن علي في معركته الكبرى ضد الإسلاميين.
بعد الثورة، لم يشكل الشيعة التونسيون قوة سياسية أو دينية، من شأنها أن تهدد موازين القوى، على الرغم من أن بعضهم أسس حزباً شيعياً صغيراً. ولم يهتم التونسيون بهذا الأمر، نظراً لانشغالهم بقضايا أكثر أهمية وخطورة. لكن، مع نشأة الحركة السلفية بمختلف مكوناتها، أخذ الصراع المذهبي يطل برأسه هنا وهناك، حتى بلغ درجة الدعوة إلى ترحيل الشيعة من التونسيين، وتهديد "السلفية الجهادية" لهم بالتصفية الجماعية. ومع ذلك، سرعان ما خفتت هذه الأصوات، ليس تراجعاً من أصحابها، وإنما بحكم انشغالهم بمواجهة النخبة السياسية الحاكمة والمعارضة، بما في ذلك حركة النهضة، المتهمة بالتخلي عن الإسلام والحكم بما أنزل الله.
اليوم، عاد النفخ من جديد لإذكاء نار الفتنة الطائفية، وهو احتمال لا يزال بعيداً، لكن بعض المؤشرات قد تتطور سلبياً إذا لم يتم التصدي بكل جدية لأي ممارسة خاطئة، تتعلق بكيفية إدارة هذا الملف المعقد والملغم. ليس من مصلحة إيران أن تترك جماعات الغلو المذهبي يواصلون جهودهم في سبيل تحويل المجتمعات السنية إلى مجتمعات شيعية. هذا هدفٌ خاطئ إلى جانب أنه فاشل، حتى لو استجاب عدد قليل، هنا أو هناك، للمذهب ودعاته. يجب أن يبقى الهدف الجوهري من أي سياسة أو مجهود ثقافي هو تعزيز وحدة الأمة، وتعميق التعاون بين مختلف مكوناتها، بقطع النظر عن الاختلاف المذهبي والفقهي.
لقد فجر الحديث عن تعاون محتمل بين تونس وإيران في المجال السياحي ضجة كبرى، دفعت زعيم تيار المحبة، الهاشمي الحامدي، إلى اعتبار ذلك تهديدا للأمن القومي التونسي. كما أن مجرد احتمال قدوم مائة ألف سائح إيراني في السنة المقبلة جعل أطرافا سعودية تشعر بالقلق، وتبحث عن جواب مقنع من الرئيس الباجي قايد السبسي بشأن طبيعة العلاقات التونسية الإيرانية.
في غياب الوضوح والوعي، يمكن أن يحصل انزلاق خطير نحو انفلات سلوكي لبعض الشبان المتحمسين للدفاع عن الانتماء السني للشعب التونسي، ما قد يؤدي إلى ممارسة العنف ضد المختلف في المذهب والعقيدة. لا بد من حماية الشباب التونسي من التورط في معارك مغلوطة، تدفعهم إلى نوع من محاكم التفتيش التي قد تؤدي إلى القتل على الهوية. وحتى لا يحصل ذلك، المسؤولية مشتركة، تبدأ من طهران وتصل إلى الأحياء الشعبية في قلب العاصمة التونسية.