المرأة في مواجهة "التخجيل"

14 مارس 2016
+ الخط -
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي مرّ قبل أيام، دعونا نلاحظ أن أصل "قضية المرأة" في العالم العربي ليس في نصوص التشريعات والقوانين، من حيث المبدأ، بل في ما تفرضه الثقافة الاجتماعية السائدة على تطبيقات تلك القوانين. مثلاً، تعترف النصوص القانونية في مجال الأحوال الشخصية بحقوق المرأة الشخصية، وتقرّها. لكنها، على الرغم من ذلك، لا تشفع لها بممارسة حقها في الزواج، ثم حقها في الطلاق إن أرادت، بصورة طبيعية. ففي "حق الخُلع" مثلاً، تتردد المرأة في بلادنا العربية ألف مرة، قبل أن تجهر برغبتها في الانفصال عن "زوجها"، مع أن القانون يتيح لها هذا إن كرهته؛ ذلك أنها تخشى نظرة المجتمع لها، وتعامل أهلها معها إزاء طلاقها بهذه الطريقة. فماذا ينفع القانون، إذن، إن لم يكن سيد العلاقات في المجتمع؟
ينطبق الأمر نفسه على حقها في الزواج بمن ترغب، أو حقها في رفض الزواج بمن تكره، فعلى الرغم من أن آباء وأمهات كثيرين في العالم العربي يتيحون، اليوم، لبناتهم حرية واسعة في اختيار الزوج، إلا أن ثمة ثقافة سائدة ما تزال تدفع إلى مشاركة الأهل في اختيار الفتاة زوجها، انطلاقاً من افتراض ضعف قدرتها على اتخاذ القرار السليم ابتداءً. وثمة تفسير لاشتراط القانون موافقة "الولي" لإتمام زواج الفتاة، بأن ذلك "يمنع عنها أن تُخدع برجلٍ، يوهمها أنه مناسب لها"!
ينص القانون أيضاً على حق الفتاة في اللجوء إلى القضاء، في حال رفض وليّها تزويجها شخصاً يناسبها، من دون وجه حق. وبالطبع، أكثر الفتيات "يخجلن" من مقاضاة آبائهن إن رفضوا تزويجهن بمن يردن. فهل ينفع القانون هنا ما دام التخجيل سيد الموقف؟ ثم، ما دام القانون يعترف ضمنياً بأن ولي الأمر قد يعيق الزواج من دون وجه حق، فلماذا يُتاح له أن يتخذ القرار نيابة عن ابنته، ثم يُتاح للابنة أن تقاضي أباها، ويعلم واضعو القانون أنها لن تقاضيه إلا نادراً؟ أليس من الأنسب أن يترك القانون للمرأة حرية مطْلقة في الزواج، بدل أن يُدخلها في دوامة قرار الأب وإمكانية مقاضاته؟
يتذرّع بعضهم بالنصوص الشرعية، لتبرير إعاقة المرأة عن ممارستها أبسط حقوقها، وهي المتعلقة بحياتها الشخصية. وبالطبع، ذلك غير دقيق نظرياً. فالنصوص الشرعية تجعل الحياة سهلة، إن هي طُبّقت بالروح التي تنطوي عليها، وأولها أنه لا يجوز تخجيل المرأة للحيلولة بينها وبين فعل ما تريد. فحين ينص الشرع على حق المرأة في منع وليها عن "عضلها" (أي منع زواجها بمن ترغب من دون وجه حق)، أو حقها في طلب الخلع، فإنه يفترض أن ذلك هو القانون الذي يتعاطى معه المجتمع، لتصريف شؤونه اليومية، باعتباره ممارسةً طبيعيةً مقبولةً لا تسيء لسمعة المرأة، ولا تشوّه صورتها؛ بمعنى أنه يفترض أن المجتمع لن يفرض قانوناً موازياً اسمه "التخجيل"، يحاكم تصرفات المرأة على أساسه، ويقوّض به كل النصوص الشرعية والقانونية.
ما لا تعلمه أي امرأة ترضخ لـ "التخجيل" أن المجتمع لن يقاوم حصولها على حقوقها التي تنص عليها القوانين، إنْ هي تمسكت بها، وأصرّت عليها. وشيئاً فشيئاً، سيتحول حق المرأة في الزواج والطلاق والميراث إلى عُرفٍ يدافع عنه المجتمع. هنا، أتذكر قصة رواها صديق: أصرّت أخته على حقها في حصتها من ميراث أبيها، وهي تردّد أنها أحق بمال أبيها من زوجات إخوتها. فما كان من الإخوة الذكور الساعين إلى المال كله إلا أن سلّموا بحقها، وأعطوها حصتها، وباتوا يحسبون حسابها في كل قرار عائلي، لأنها صاحبة حكمة ورأي وإصرار على الحق.
الإصرار، إذن، هو السبيل لتخلص المرأة من "قانون التخجيل"، إلى القوانين العادلة المكتوبة، التي هي ضمانة أي مجتمع لإقامة العدل في علاقات أفراده بعضاً ببعض، كانوا رجالاً ونساءً، أو كان ذلك بين أبناء النوع الاجتماعي الواحد، فضلاً عن كونه بين الجماعات المتمايزة عائلياً أو مناطقياً أو دينياً، ذلك أن استبداد أحدٍ بأحد في مجتمعاتنا العربية، بما فيها استبداد بعض الرجال ببعض النساء، ليس سلوكاً معزولاً، بل هو جزء من منظومةٍ ثقافيةٍ، تتحكم بسلوك المجتمع، مفادها استبداد القوي بالضعيف: أي قوي بأي ضعيف، عوضاً عن منظومةٍ تحتكم إلى القانون، فتقيم العدالة.

1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.