المخدرات في الأردن: الأرقام في قبعة الساحر (2/ 2)

14 نوفمبر 2016
(تصوير: محمد أبو غوش)
+ الخط -

الأردن، من بين دول قليلة في منطقة الشرق الأوسط، تلتزم إلى حد كبير بمكافحة ومن ثم معالجة الأضرار الصحية والنفسية الناجمة عن تعاطي وإدمان المخدرات، إلا أن الحديث عن تحقيق نتائج ناجعة في هذا الملف، تبدو محرجة إلى حد كبير بالنسبة للجهات المعنية الرسمية وغير الرسمية.

"المركز الوطني لتأهيل المدمنين"، التابع لوزارة الصحة الأردنية، يتحدث لـ"جيل"، أنه تمكن من علاج أكثر من 4050 حالة منذ افتتاحه عام 2001، في وقت تزداد الحالات التي يجري تحويلها إلى المركز خلال السنوات المنصرمة، منهم أكثر من 1068 شخصًا خضعوا للعلاج والتأهيل منذ بداية العام الجاري، من دون أن يحدد قدر هذه الزيادة.

مدير المركز، جمال العناني، يؤكد في حديث إلى "جيل"، أن ظهور بعض المخدرات الجديدة ذات التركيب الكيمائي المتغير، مثل الحشيش الصناعي أو ما بات يعرف شعبيًا بـ"الجوكر"، كل ذلك أدى بطبيعة الحال إلى ازدياد نسبة التعاطي والإدمان.

إدارة مكافحة المخدرات الأردنية من ناحيتها، تتحفظ على إحصائية دقيقة بعدد المدمنين والمتعاطين، الذين يجري تحويلهم وفق قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الساري، إلى مركز متخصص لعلاج الإدمان، خشية أن تتسبب مثل هذه الأرقام بإحداث انتكاسة "الأمل" لدى المواطن الأردني، الذي ينظر باستمرار للأرقام التي تصدرها إدارة المكافحة على أنها متدنية ولا تكاد تذكر، وفق تعبير رئيس قسم التوعية والتثقيف في إدارة مكافحة المخدرات في الأردن، الرائد أنس الطنطاوي.

يوضح الطنطاوي، في حديثه إلى "جيل"، الذي امتنع عن كشف أي إحصائية أو رقم محدد بعدد المدمنين الخاضعين للعلاج في الأردن، أن نسبة نجاح العلاج من الإدمان في الأردن متدنية، وفي أفضل أحوالها من الممكن أن تتجاوز النسبة المتوسطة، مبينًا أن حالة من القلق الشديد تسود المجتمع جرّاء انتشار الأخبار التي تؤكد غزو المخدرات كل مكان تقريبًا في الأردن، وبالتالي، يقول الطنطاوي، إن القائمين على إدارة المكافحة يتوخون السرية والحذر في الإعلان عن أي نتائج وأرقام.

على الرغم من الاعتراف الذي أبداه الطنطاوي في ما يتعلق بتدني نسبة الإنجاز في ملف معالجة المدمنين، إلا أن ذلك لم يمنع إدارة مكافحة المخدرات من إظهار "فخرها" واعتزازها بما تحققه على صعيد ضبط المتعاطين والمروجين، الذين تجاوز عددهم 3126 شخصًا، أحيلوا جميعهم إلى القضاء، إضافة إلى تعاملها مع 1025 قضية تعاطٍ للمواد المخدرة وضبط كميات كبيرة وقياسية في العام الجاري، وفق ما أعلنه مدير الأمن العام الأردني عاطف السعودي أخيرًا.

الكثير من المتابعين والمراقبين في الأردن، ينظرون بعين الريبة والقلق الشديدين لهول الأرقام والإحصائيات التي تنشر في وسائل الإعلام، حول جيوش المتعاطين والمروجين والمتاجرين بالمخدرات في أوساط الشباب والشابات على حد سواء، لدرجة وصفه بـ"الخراب المتمدد"، المقصود صراحة من قبل "متنفذين" في الدولة الأردنية.

"وليس ذلك العفو الخاص، الذي صدر أكثر من مرة عن تجار المخدرات والحشيش، وإن كان لم يعلن بشكل واضح، وبقي سرًا، إلا دليلًا واضحًا على التواطؤ في جريمة استدراج الشباب الأردني للغرق في مستنقع المخدرات"، وفق وصف الكاتب والمحلل السياسي ماهر أبو طير.

يضاف إلى ذلك، أن الحكومة الأردنية السابقة، أتاحت للمخدرات الفرصة للانتشار، وأعطتها ما يشبه الرخصة القانونية، وكانت بذلك تسدي خدمات جليلة لتجار المخدرات، وكأنهم هم من يديرون ملف المخدرات والمتعاطين، بحسب النائب الأسبق علي السنيد.

لم تترك قرية أو مدرسة أو تجمعاً شبابيًا، يضيف السنيد لـ"جيل"، إلا وغزته، وذلك في كافة أرجاء الوطن، لدرجة أصبح فيها التعاطي يمارس علنًا من دون خوف.

وبالتوازي مع إقدام الحكومات الأردنية على إصدار قوانين تحد من حرية التعبير والرأي، وتصادر حق محاسبة الحكومات على أخطائها، وتكمم الأفواه التي تحارب الفاسدين، تعمل على تخفيف العقوبات التي تؤدي لازدياد حالة التعاطي والترويج ومن ثم الاتجار بالمخدرات، وفق السنيد.

ومن يتأمل أفعال الحكومات الأردنية؛ سيجد مرضى القلب والسكري مهملين صحيًا، ومن هو مسجون على قضية شيك أو مشاجرة أو نفقة طلاق، وتفرج بالمقابل عن المتورطين في قضايا المخدرات! وفق أبو طير.

كان مجلس النواب الأردني السابع عشر، قد وافق على تعديل قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، باستثناء المتعاطي أوّل مرة من القيد الأمني أو العقوبة بأغلبية الأصوات.

إلا أن الجدل لم ينته، يوضح السنيد، الذي كان نائبًا حينها في هذا المجلس؛ فعندما حُول القانون إلى مجلس الأعيان، رفضت لجنته القانونية التعديل وطالبت برده إلى النواب والإبقاء على النص الأصلي، وكحال النواب رفض مجلس الأعيان توصية لجنته وأقره في النهاية، ثم وافق عليه الملك وصدر في الجريدة الرسمية بشهر أيار عام 2013 ليصبح ساري المفعول.

لم تتنبه الحكومة وشريكها مجلس النواب، الذي صوت لها عليه، إلى أن هذا القانون كان بمثابة دعوة لتعميم تجربة التعاطي وإعطاء الرخصة للمتعاطين، وتأمينهم من العقوبة، وإزالة الخوف عن تجمعاتهم، وفق السنيد.

على ما يبدو، فإن المروجين، استغلوا عدم حبس المتعاطي لأوّل مرة للترويج لهذه المنتجات بين الشباب، الذين يملكون فضولًا للتجربة، قائلين لهم إنهم في حال جربوا هذه المخدرات لن يدخلوا السجن، وفق مصدر أمني مطلع.

وبحسب المصدر، الذي فضل عدم نشر اسمه، فقد زاد العبء الأمني على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية المعنية بمكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود خلال السنوات الماضية، مع تدهور الأوضاع السياسية في دول الجوار وتراجع قدراتها الأمنية التي كانت تساعد بمكافحة المخدرات من جانبها، وكل ذلك، يشدد المصدر، نتيجة "تخفيف" العقوبة.

المساهمون