المحارم والعلكة للعيش في الأردن

12 يونيو 2017
من يشتري منه الإسفنج؟ (محمد حمود/ الأناضول)
+ الخط -

لساعات طويلة، تطارد سعاد ابنة السنوات الستّ مشترين مفترضين للمناديل الورقية التي تعرضها عليهم في وسط عمّان. في بعض الأحيان، تستبدل مناديلها بالعلكة. والصغيرة التي تركض بين أقدام المارة ليست الوحيدة التي تمتهن ذلك في عائلتها. لها شقيقان اثنان وشقيقة واحدة يتحرّكون في شوارع وسط البلد، فيما تجلس والدتهم في إحدى الزوايا وتحاول البيع كذلك فيما تمدّ أطفالها بالبضاعة.

يقترب ما تقوم به هذه الأسرة من التسوّل، لكنّ الوالدة ترفض ذلك الوصف قائلة "بنبيع فاين (محارم ورقية) وعلكة حتى نعيش. ما بنشحد.. وما بنمدّ إيدنا لحد". وتتوقّف عن الكلام ممتنعة عن الإشارة إلى الأسباب التي دفعتها إلى ما تمتهنه وأولادها، فيما تقول سعاد: "إذا ما بعنا ما راح نأكل.. ما معنا مصاري". وتخبر الفتاة أنّ والدها متوفّى وأنّ عملهم هذا هو مصدر رزقهم الوحيد.

تمثّل عمالة الأطفال في الأردن أحد الملفات الضاغطة على وزارة العمل، بعدما راحت تتوسع سنوياً بحسب ما تكشف الأرقام الرسمية وكذلك تلك الصادرة عن منظمات دولية ومحلية معنيّة بالأمر. فيكشف مسح أعدّته مؤسسات أردنية بدعم من منظمة العمل الدولية في العام الماضي عن انخراط أكثر من 69 ألف طفل في سوق العمل الأردني، بينهم ما يزيد على 44 ألف طفل يعملون في مهن خطرة. وقد علّقت المنظمة على نتائج المسح الذي أعلنت نتائجه في أغسطس/ آب 2016 مؤكدة: "نحن قلقون من انتشار عمل الأطفال في الأردن، بيد أنّنا نقرّ بأنّ الجهود التي تبذلها كلّ القوى الفاعلة قد حققت نتائج إيجابية في السيطرة على معدلاته رغم الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة".

يقول المتحدّث باسم وزارة العمل الأردنية محمد الخطيب إنّ "الأردن من الدول الرائدة في توفير البنية التشريعية التي تحدّ من عمالة الأطفال. وقد صادق في عام 1991 على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، فيما أنشأت الوزارة في عام 1999 قسماً خاصاً معنياً بـمكافحة عمالة الأطفال". يضيف أنّه "في عام 2011، أُقِرّ الإطار الوطني لمكافحة عمل الأطفال ، وهو بمثابة سياسة شاملة تسعى إلى معالجة الظاهرة في كلّ أرجاء المملكة ومعالجة جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية".

يُذكر أنّه بحسب قانون العمل الأردني، "لا يجوز بأيّ حال تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشرة من عمره بأيّ صورة من الصور، ولا يجوز تشغيل الحدث الذي لم يكمل الثامنة عشرة من عمره في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرّة بالصحة". كذلك يفرض القانون عقوبات على المؤسسات المخالفة.




تكشف إحصاءات الحملات التفتيشية التي نفذتها وزارة العمل منذ مطلع العام الجاري وحتى نهاية مايو/ أيار المنصرم، عن ضبط 207 حالات لأطفال عاملين، منهم 82 طفلاً غير أردنيّ. وتشير المصادر إلى أنّهم سوريون. تجدر الإشارة إلى أنّ التشريعات الأردنية لم تنجح في القضاء على الظاهرة أو الحدّ من انتشارها، خصوصاً بعدما انخرط أطفال سوريون لاجئون في سوق العمل الأردني.

من جهته، يعيد مدير المرصد العمالي الأردني أحمد عوض انتشار عمالة الأطفال إلى "تراجع المستوى المعيشي وتوسّع مساحة الفقر وانخفاض الأجور. وهو واقع أقوى من التشريعات". ويلفت عوض إلى أنّ "اللجوء السوري أثّر بصورة كبيرة على زيادة عمالة الأطفال. فالأسر السورية اللاجئة تعاني من ظروف معيشية صعبة، وقد اضطر عدد كبير منها إلى إخراج أطفاله من المدارس للعمل". يضيف أنّ "عائلات عدّة لم ترسل أطفالها إلى المدرسة من الأساس، لينخرطوا في سوق العمل".

هشام الحموي لاجئ سوري في الخامسة عشرة من عمره، يعمل في صالون حلاقة في أحد أحياء عمّان. وظيفته تنحصر في تنظيف المحلّ، لكنّه يطمح إلى أن يكون حلاقاً في المستقبل. ويؤكد أنّ "الأوضاع الاقتصادية الصعبة هي التي دفعتني إلى ترك الدراسة والانخراط في سوق العمل". ولا يخفي الفتى أنّه في حالة قلق دائمة، بسبب حملات التفتيش التي تنفذها وزارة العمل على المنشآت. يقول: "عندما أعرف أنّ ثمّة حملة، أهرب من الصالون. وفي مرّات أخبرهم بأنّني زبون أقصّ شعري".

وتؤكّد نتائج المسح الذي أعدّته مؤسسات أردنية بدعم من منظمة العمل الدولية، أثر اللجوء السوري على واقع عمالة الأطفال في الأردن، فتكشف أنّ نسبة العمال إلى السكان هي الأعلى بين الأطفال السوريين، إذ تبلغ 3.22 في المائة، يليها الأطفال من الجنسيات الأخرى بنسبة 1.98 في المائة والأردنيون بنسبة 1.75 في المائة.

في السياق، يوضح رئيس مركز "بيت العمال" حماد أبو نجمة أنّ "حملات التفتيش غير قادرة على إنهاء عمالة الأطفال". ويقول إنّ "تلك الحملات لا تعالج الأسباب الرئيسية التي تدفعهم إلى العمل. 70 في المائة من الأطفال انخرطوا في سوق العمل بسبب فقر أسرهم". أبو نجمة الذي شغل في وقت سابق منصب أمين عام وزارة العمل، يرى أنّ "الحل يتمثل في تفعيل الإطار الوطني لعام 2011 الذي يتضمن معالجة الأسباب التي تدفع الأطفال إلى العمل من خلال تأهيل هؤلاء وإعادتهم إلى المدارس وتوفير فرص عمل لرب الأسرة أو الأبناء في سنّ العمل". ويشير إلى أنّ الإطار الوطني الذي تتشابك فيه أدوار وزارة العمل مع وزارتي التربية والتعليم والتنمية الاجتماعية لم يُطبَّق بصورة فعالة، وهو أمر يبقي المشكلة على حالها، مرجّحاً توسّعها.