أحلامهم قطع حلوى تُباع على أرصفة مصر

12 يونيو 2017
شقاء تحت شمس حارقة (العربي الجديد)
+ الخط -

للوهلة الأولى، تكشف ملامحه عن جنسيته. وجه أبيض ممتلئ وعينان واسعتان بلون بنيّ فاتح يتماثل مع لون شعره الناعم الكثيف. هو خالد ابن الأعوام العشرة الذي يقف يومياً أمام سور النادي الأهلي في مدينة نصر، شرقيّ القاهرة، ليبيع الحلوى والمعجّنات السورية بصحبة أخيه الأكبر غيث. هما لجآ إلى مصر مع والديهما في أعقاب الحرب في سورية.

يتعثّر خالد أحياناً في الحساب، فيسترجع النقود ليبدأ من جديد بمساعدة الشاري. يضحك مع المشترين ويتقبّل عطفهم واهتمامهم الزائد به، لكنّه لا يقبل أكثر من قيمة حسابه ويردّد "أنا ببيع.. بس ساعدوني واشتروا منّي".

لا يختلف حال خالد عن حال تلك الطفلة المصرية التي تحاول التشبّث بنوافذ السيارات وتركض بمحاذاتها في محاولة لبيع علبة مناديل. صحيح أنّ الفتى يبيع والفتاة تتسوّل، إلا أنّ كليهما لم يختر كيف يقضي طفولته. فلا خالد يحقّ له اللعب في النادي الذي يقف أمامه يومياً، ولا بائعة المناديل الصغيرة يحقّ لها رفض السير بين عجلات السيارات.

تختلف المسوح والإحصاءات والبيانات المتعاقبة التي أعدّت في مصر حول عمل الأطفال في تقدير حجم الظاهرة وحسمها، نظراً إلى الاختلاف في التقدير والتباين والتعاريف. ما زال الجدال قائماً بين الخبراء حول إدراج عمالة الأطفال لدى ذويهم ضمن ذلك من عدمه.




في آخر تصريحات له حول عمالة الأطفال في مصر، قال مدير مكتب منظمة العمل الدولية في مصر بيتر فان غوي إنّها قُدّرت حتى عام 2016 بنحو 1.5 مليون طفل من بين 160 مليون طفل يعملون حول العالم. أمّا إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2014، فأشارت إلى أنّ إجمالي عدد الأطفال العاملين في مصر هو نحو مليون و594 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين خمسة و17 عاماً.

قد يُنظر إلى خالد على أنّه أوفر حظاً من آلاف الأطفال الآخرين الذين ليسوا فقط مضطرّين إلى العمل، بل هم يعملون في أعمال خطرة مثل ورش النجارة والحدادة ومصانع الفحم والطوب وغيرها. وتعرّف منظمة العمل الدولية الأعمال الخطرة بأنّها "الأعمال التي تعرّض صحة الأطفال الجسدية والعقلية والأخلاقية للخطر. ولا ينبغي لأيّ فرد دون 18 سنة القيام بهذه الأعمال".

تضيف أنّ الحدّ الأساسي الأدنى للسنّ "لا ينبغي أن يكون أقلّ من سنّ الانتهاء من التعليم الإلزامي، وهو عموماً 15 سنة". إلى ذلك، تشير المنظمة إلى أنّه "يُسمح باستخدام أو عمل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 13 و15 سنة في أعمال خفيفة، بشرط ألا تكون ضارة بصحتهم أو نموّهم وألا تعطل مواظبتهم على الدراسة واشتراكهم في برامج التوجيه أو التدريب المهنيّين ولا تضعف قدرتهم على الاستفادة من التعليم الذي يتلقّونه".

وفي مصر، وفقاً للإحصاءات الرسمية، فإنّ الأطفال العاملين بغالبيتهم يشتغلون في ظروف صعبة، وبالطبع لا يملكون تأميناً صحياً ولا عقداً رسمياً، بالإضافة إلى أنّ ساعات العمل طويلة والراتب ضعيف، من دون أن ننسى الاستغلال الجسدي أو الجنسي. يأتي ذلك على الرغم من أنّ الدستور المصري يحظر في مادته رقم 80 تشغيل الطفل قبل إتمامه التعليم الأساسي، ويمنع تشغيله في الأعمال التي تعرّضه للخطر.



في السياق، أفاد بيان صادر عن وزارة القوى العاملة المصرية بأنّ الوزارة تقوم بـ"جهود حثيثة للحدّ من عمل الأطفال من خلال الحملات التفتيشية التي تقوم بها مديريات القوى العاملة التابعة للوزارة على مستوى جميع المحافظات". كذلك قامت الوزارة بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بتنفيذ "مشروع تعزيز إتاحة الفرص التعليمية ومكافحة عمالة الأطفال في مصر" وسحبت 110 آلاف طفل من سوق العمل وألحقتهم بالمدارس المجتمعية ودرّبت أمهات الأطفال على مشروعات مدرّة للدخل، بحسب البيان نفسه الصادر خلال احتفال مكتب منظمة العمل الدولية في القاهرة، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال.

وعلى الرغم من أنّ تشغيل الأطفال في مصر يخضع لاتفاقية حقوق الطفل ولأحكام قانون الطفل المصري الذي أصدرته مصر تلبية لالتزاماتها بموجب الاتفاقية المذكورة، فإنّ الواقع يختلف كثيراً عمّا تنصّه هاتان الوثيقتان القانونيتان اللتان تُعَدّان الإطار اللازم لحماية الأطفال العاملين والذي يشمل حقوقاً مدنية وسياسية مثل الحماية من سوء المعاملة إلى جانب حقوق اقتصادية واجتماعية من بينها حقوق تتعلق بصحة الطفل وتعليمه.

ويحظر قانون الطفل المصري تشغيل الأطفال قبل الرابعة عشرة، لكنّه يسمح للذين تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً بتلقّي التدريب المهني من أصحاب العمل وبالمشاركة في "أعمال موسمية لا تضرّ بصحتهم أو نموّهم ولا تخل بمواظبتهم على الدراسة".

في السياق، يحدّد القانون يوم عمل الطفل بستّ ساعات، على ألا يشتغل أكثر من أربع ساعات متواصلة، مشترطاً إتاحة فترة راحة واحدة أو أكثر لا تقلّ في مجموعها عن ساعة واحدة. كذلك يحظر القانون تشغيل الأطفال ساعات عمل إضافية، أو تشغيلهم في أيام الراحة الأسبوعية أو العطلات الرسمية، أو تشغيلهم بين الساعة الثامنة مساءً والسابعة صباحاً.

بابتسامة خجولة، يقول خالد وهو يرتّب أطباق الحلوى والمعجنات أمامه: "بشتغل مشان (من أجل أن) ساعد أهلي. أمّي بتساوي الأصناف بالبيت، وأنا وخيّي بنبيعن (نبيعهم)". ويشير الفتى إلى أنّهما حاولا الوقوف أمام أكثر من مركز تجاري في نطاق القاهرة، لكنّ أمن المراكز كان يطردهما، فاستقرّا أمام سور بوابة النادي الأهلي في مدينة نصر. يضيف: "هنا الناس ودودة.. وإلنا كام سنة (عدة سنوات) بنبيع ما حدا بيقلنا نمشي.. بالعكس بيحبّونا وبيشتروا منّا".