لا نبالغ إن وصفنا الوضع الذي تعيشه ليبيا اليوم بالمأساة. فالمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية تستفحل كل يوم في كل مدينة، بينما يبدو الانفلات الأمني والمواجهات المسلحة في تصاعد مستمر؛ ما حدا بالدول الأجنبية إلى البدء في أخذ إجراءات غير مطمئنة، كسحب الرعايا وإغلاق السفارات والقنصليات.
في ظل هذه الأوضاع، التقت "العربي الجديد" مجموعة من الكتاب والمثقفين الليبيين للاطّلاع على قراءتهم لما يجري في بلدهم، وسؤالهم عن الدور الذي يمكن للمثقف الليبي أن يؤدّيه في هذه الظروف الصعبة، وعن مكمن الحل برأيهم.
يرى القاص عمر أبو القاسم الككلي، أن "الوضع الراهن وضع أزمة لا ريب فيها، والصوت المهيمن فيه للسلاح والتوحش والدمار. لكن هناك أملاً طالما لا تزال مقاومة لقوى الظلام والخراب، يعزّزها الرفض الشعبي العارم. وفي هذه المعمعة، يظل للثقافة دور. فالمقاومة ناتجة عن ثقافة ووعي وطنيين، والثقافة المستنيرة الواعية تعزز المقاومة. وأعتقد أن المثقفين الوطنيين لم يتخلوا عن مهمتهم في مجال "المقاومة الثقافية" و" ثقافة المقاومة" بالقدر المتاح لهم".
أما الكاتب محمد عمر بعيو، مدير معرض الكتاب الليبي سابقاً، فيشير إلى أن الحالة الاقتصادية السيئة التي تعيشها ليبيا حالياً قد توقعها في براثن البنك الدولي، رغم مواردها النفطية وما تمتلكه من استثمارات خارجية ضخمة: "لقد دخلت ليبيا حالة السديم منذ ما قبل سقوط نظام القذافي ببضعة شهور. فالدولة التي كانت متماسكة بفعل وجود سلطة مركزية قوية، دخلت مرحلة تفكك على مستوى الجغرافيا والشعب والكيان، وكل ما بقي من مظاهرها هو إنفاق الأموال المجباة من ريع النفط ومن المدخرات التي عمل القذافي على تجميعها منذ سنين، بطريقة غير رشيدة، بل إجرامية، ما أدى إلى وضع اقتصاد البلاد على شفا الانهيار".
من جهتها، لم تنتظر الشاعرة والصحافية حواء القمودي سؤالنا، إذ شعرت بما يجول في ذهننا وأجابت: "المثقف الليبي، بالمعنى الشمولي للكلمة، لم يكن ذا حضورٍ فاعلٍ في مشهد الثورات التي كانت شعبية بامتياز، قادها الشارع. في طرابلس كان للمرأة دور كبير، لاشتداد القبضة الأمنية".
وتضيف القمودي: "في هذه اللحظة التي تحاصَر فيها طرابلس، تريد أن تسألني عن رأيي في ما يحدث وفي دور المثقف؟! المثقف الليبي أكذوبة كبيرة وقعنا في فخّها في اللحظة التي احتاج فيها الشارع والميدان والمدرسة والعيادة والبيوت إلى صوته وإلى التعرّف إليه، بعدما غاب أو غُيِّب خلال أربعين عاماً عن تاريخ بلاده وجغرافيتها. واليوم، التفت المثقفون إلى مَن هو قادر على مزاحمتهم، فانهالت التهم وبدأت لعبة الاقصاء التي اتقنوها خلال الأعوام العجاف التي بنيت على إبعاد الجميل والمتميّز، أو مداهنته حين لا يمكن اقصاؤه. صار الشارع نهبة لكل التيارات والافكار، وما يسمّى بالمثقف يسمع ويرى ولا يهتم. يبدو مستأسداً فقط أمام الكاميرا وفي المداخلات، ليوسّع مقدار ربحه. لم تكن ليبيا وبناؤها في حساباته يوماً. انكشف الغطاء، ويبقى الحقيقي الذي لا يمكن شراؤه".
وتواصل الشاعرة التي تعيش في وسط طرابلس وتختبر ما تعيشه مدينتها من دمار نتيجة النزاعات التي أفرزتها التجاذبات السياسية: "المثقف لم يكن أبداً حاضراً، فلماذا نسأل عن غيابه. كل حقيقي تم ترصّده واغتياله. كل مَن يشكّل خطر تم قتله. وكل من يُشتم فيه روح الصدق والعمل الجاد، يتم استعمال نفس الأسلوب القديم معه، أي خنقه وتهميشه. أتساءل الآن هل كنت قاسية في إجابتي. الأكيد أن المثقف الليبي ضيّع فرصة نادرة أتيحت له ليقود الشارع، لينغرس في تربته ويتغلغل. فما اتّضح لنا هو أنه كان مشغولاً بقضاء حوائجه الاّنية، تاركاً الشارع لسيول الظلام التي اكتسحت العقول الفارغة فملأتها بالضجيج".
أما الروائي أحمد إبراهيم الفقيه فيرى أن "ليبيا وصلت إلى آخر المرحلة الانتقالية وحالة الفوضى التي انتشرت بسبب خسارة بعض الفصائل السياسية لشعبيتها. وللأسف المجتمع الدولي ما زال يقف صامتاً أمام الأحداث الدامية في البلاد. لهذا ينبغي أن تدعو الجامعة العربية الأمم المتحدة للتدخل من أجل إعادة الأمن وترتيب الأوضاع". ويضيف الفقيه: "لا حل للمشكلة بدون حل كافة الميلشيات المسلحة ونزع سلاحها".