وسط نقص كبير في متابعة الطفل المتوحّد، تتحمّل العائلة الإماراتيّة العبء، لا سيّما الأم التي تحتضن ولدها وتهتمّ بتربيته. وتغيب الإحصائيات الدقيقة حول عدد الأطفال الذين يعانون التوحّد، إذ إن هذه الحالة لم يبدأ تشخيصها الدقيق إلا قبل نحو عقدَين من الزمن. فقد كان يُخلط بينها وبين اضطرابات نفسيّة وعصبيّة أخرى. وبدأت تتوفّر لها مراكز خاصة.
أم عفراء لها ثلاثة أولاد، أحدهم يعاني التوحّد. تقول: "لم نكن نعرف ما هو التوحّد في السابق. كنا نظنّ أنه مرض عقلي مستعص. لذا ذهبنا بالطفل إلى أشخاص يعالجون بالطب الشعبي. لكن النتائج لم تكن مرضية. لم يطرأ أي تحسن على سلوك الطفل". تضيف أن أخيراً "بدأنا نعرف معنى أن يكون الطفل متوحداً بعدما زرنا مراكز متخصصة لم تكن موجودة قبل سنوات، ومنها "مركز التوحّد في أبو ظبي" الذي تأسس قبل ثمانية أعوام. فزوّدتنا مديرته عائشة المنصوري بالمعلومات اللازمة، وشاركنا في ورش ساعدت طفلنا في الدخول إلى المدرسة ولو متأخراً".
أما ساجدة وهي أم لولد متوحّد، فتقول: "لم نكن نعرف أن إمكانيّة دمج طفلنا في المدرسة أمر ممكن. فنحن كنا مصابين باليأس والإحباط. لكن بعد سنتَين من المتابعة المتخصّصة، تمكّن ولدنا من الاندماج في مدرسة حكوميّة. ونحن محظوظون إذ إننا اصطحبنا ابننا قبل فوات الأوان إلى المركز". وتوضح أن "المتابعة التي تلقاها ساعدت في تغيّر سلوكه، بل وساعدت أيضاً في إظهار مهاراته الكامنة. هذا المركز أعاد الصغير إلى الحياة".
لكن أم محمد التي عانت كثيراً مع ولدها، تشير إلى أن "مراكز التوحّد الموجودة في كل من أبو ظبي ودبي تفتقر إلى متخصّصين".
من جهته، يقول الباحث الاجتماعي على أمين إن "متابعة الأطفال المتوحّدين اختصاص حديث في الإمارات مكلف جداً، ما قد يؤثر سلباً على دخل الأسرة. فيدفع ذلك عائلات كثيرة إلى عدم اللجوء إلى أهل الاختصاص وترك أطفالهم في المنزل، الأمر الذي يؤدي إلى عزلهم أكثر فأكثر عن المجتمع، بالتزامن مع تفاقم حالتهم".
أما الدكتور عامر الحديثي من مركز المنارة الطبي في الشارقة، الذي يلفت إلى أن الحالات تسجّل بين الذكور أكثر مما تسجّل لدى الإناث، فيقول إن "ثمّة برامج عديدة للمصابين بالتوحّد، ومنها العلاج الوظيفي والحركي وعلاج النطق والعلاج النفسي والموسيقي وغيرها، وفّرتها مراكز علاج التوحّد في البلاد بالتعاون مع هيئة تنمية المجتمع. وتحدّد احتياجات كل طفل بناءً على تقييم كل حالة على حدة". ويحذّر من "عدم عرض الأطفال المتوحّدين على اختصاصيّين ومتابعتهم، لأن ذلك الإهمال سيساهم في تراجع حالاتهم. وهذا أمر طبيعي إذا تُركت الحالة من دون متابعة". ويشدّد الحديثي على أنه "لا ندّعي أننا قادرون على توفير علاج كامل للذين يعانون من التوحّد، لكننا نساعد في تحسين حالاتهم ونجعلها مقبولة أكثر".
"المركز الدولي لعلاج التوحد" واحد من تلك المراكز المتخصّصة في متابعة هؤلاء الأطفال. وقد فتح أبوابه في عام 2014 في المدينة الطبيّة في دبي بإشراف "هيئة تنمية المجتمع" واستطاع في فترة زمنيّة قياسيّة أن ينجح في إدماج 50 في المائة من الذين قصدوه، في التعليم العام و20 في المائة في دور الحضانة ومراكز التعليم المبكر، بحسب ما يوضح مدير عام المركز الدكتور محمد أمين العمادي.
إلى ذلك، تعمد "جمعيّة الإمارات للتوحّد" التي تعمل في إطار المجتمع المدني، إلى التعامل مع أولياء أمور الأطفال المتوحّدين. وهي كانت قد تأسست في عام 2012 وتنظم نشاطات وفعاليات ترفيهيّة خاصة بالأطفال المتوحدين وأسرهم. وتوضح رئيسة الجمعية فاطمة المطروشي، أن عمل الجمعيّة يتركّز على توعية الأسر حول توحّد أطفالهم. وتبدو مسألة إدماج المتوحّدين في المدارس أمراً صعباً، لا تضمنه مراكز علاج التوحّد. وتجدر الإشارة إلى أن المراكز المتخصصة المتوفّرة اليوم في الإمارات، قليلة بالمقارنة مع عدد الأطفال الذين يعانون من التوحّد.
من جهتها، تقول مديرة مدينة دبي الطبيّة الدكتورة عايشة عبد الله، إن أبرز ما توصلت إليه الإمارات في مجال التعامل مع حالات التوحّد، هو التعاون المشترك في ما بين "هيئة تنمية المجتمع" و"مؤسسة الثقة للتوحّد". فذلك أثمر عن تأسيس مركز للتشخيص ومتابعة الأطفال المتوحّدين في البلاد. وتشير إلى أن تكاليف علاج الأطفال المتوحّدين تبقى مكلفة ولا تستطيع جميع الأسر تحملها. فقد وصلت التكاليف في المراكز الأهليّة إلى نحو 90 ألف درهم إماراتي (نحو 24 ألفاً و500 دولار أميركي)، لكن الدولة تصرف أكثر من هذا المبلغ بكثير على الطفل الواحد سنوياً.