تحوّل الخلاف على المناصب والحقائب الوزارية في العراق من أسلوب المساومات والصفقات السرية إلى الاحتجاجات والمواجهات، إذ نظّم قياديون في ائتلاف "دولة القانون" الذي يتزعمه نائب الرئيس العراقي نوري المالكي، تظاهرات واحتجاجات في البصرة، جنوبي العراق، للإطاحة بوزير الكهرباء قاسم الفهداوي الذي ينتمي لـ"اتحاد القوى العراقية"، كوسيلة لاستهداف رئيس الحكومة حيدر العبادي.
وأقدم المتظاهرون على ارتكاب أعمال عنف وتجاوزات، ما أدى إلى اشتباكات ومواجهات مسلّحة أسفرت عن مقتل شخص وإصابة اثنين آخرين، كما خرّب متظاهرون يرافقهم بعض عناصر المليشيات محطات الكهرباء في المدينة وحاولوا اقتحام مركز الشرطة، وحاصروا مقر "ائتلاف المواطن" الذي ينتمي إليه محافظ البصرة.
وأكد سياسيون أن المالكي يحاول أن يثأر لـ"الصفعة" التي تعرّض لها في النجف من خلال إسقاط محافظها المنتمي لائتلافه عبر تظاهرات واحتجاجات في الشارع البصري، محذرين من خطورة هذه الأزمة الجديدة، وتأثيرها على الوضع الأمني والسياسي في المحافظة، مناشدين الرئاسات الثلاث التدخل العاجل لإنقاذ المحافظة.
وكان المالكي حذر من أن "البصرة تعيش حالة من الغليان التي تنبئ بمخاطر جسيمة"، داعياً العبادي إلى "التدخّل شخصياً وإيجاد المعالجات السريعة كي لا تصل الأمور إلى نتائج غير مرغوبة قد تؤدي إلى انفلات الوضع وخروج المحافظة عن السيطرة". وطالب وزير الكهرباء بـ"مراجعة سياسته الفاشلة في إدارة الوزارة، وتقديم استقالته في حال عجزه عن تقديم الخدمات للمواطنين"، لافتاً إلى "وجود نية لإقالته إذا لم يجد حلولاً سريعة للأزمة".
اقرأ أيضاً: العبادي يتوعّد "مليشيات بغداد" و"عصابات البصرة"
وتعليقاً على ذلك، قال عضو "التحالف الوطني" في البصرة، حسام المرشدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "التظاهرات التي شهدتها المحافظة أخيراً احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي هي قضية حق أُريدَ بها باطل"، مبيّناً أنّ "مقدار الطاقة التي تُزوّد بها مدن البصرة أكبر بكثير من حصة المحافظة خلال ثماني سنوات من حكم المالكي".
وأضاف أنّ "المالكي يحرّض أنصاره للترويج لتظاهرات مطالبة بإقالة وزير الكهرباء لتحقيق غرضين، الأول الاستيلاء على الوزارة التي خُصصت لها مبالغ مالية كبيرة لتطوير قطاع الكهرباء، والآخر توجيه ضربة قاسية لحكومة العبادي وإقالة أحد وزرائها بهدف إضعاف الحكومة وإسقاطها". وأشار إلى أنّ "المالكي بعد خسارته منصب محافظ النجف الذي أطاحت به كتلتا الصدر والمواطن، صعّد من مواقفه المتشنجة، وهو يُعوّل اليوم كثيراً على تظاهرات البصرة للانتقام ورد الصفعة إلى العبادي"، مؤكداً أنّ "المتظاهرين حملوا شعارات خطيرة تحشد الرأي العام ضد حكومة العبادي وحكومة البصرة".
وأكّد المرشدي أن "الخطورة تكمن في ارتباط المتظاهرين بالمليشيات في المحافظة، الذين يحاولون تأجيج الموقف ووقوع اعتداءات على المتظاهرين، ليتحركوا انتقاماً لهم، وتعم حالة الفوضى في البصرة، ما قد يُشعل ناراً لا تخمد". وحذر من "خطورة التغاضي عن الحشد الذي يقوم به المالكي وأثر ذلك على محافظة البصرة التي تشهد هدوءاً حذراً بعد التردي الأمني الذي شهدته خلال الفترة الماضية"، مؤكداً أنّ "البصرة اليوم تغلي على نار قد تطيح بحكومتها بعد هذه التظاهرات".
وحذر المرشدي من "رغبة بعض قيادات "دولة القانون" الاستمرار بالتظاهر لإجبار المحافظ ماجد النصراوي الذي ينتمي لائتلاف المواطن الذي يترأسه عمار الحكيم على الاستقالة"، مشيراً إلى أن "بعض أنصار المالكي يسعون للعودة إلى حكم المحافظة التي تمتلك أكبر مخزون نفطي في العراق وتطل على موانئ الخليج العربي". ودعا الرئاسات الثلاث إلى "التنبّه لحجم الخطر الذي تمثله هذه المؤامرة، والعمل بشكل أكثر جدية لإفشالها".
وكان العبادي وجّه تحذيراً شديد اللهجة إلى الجهات التي تحمل السلاح في البصرة، مؤكداً في بيان صحافي، على ضرورة "نزع السلاح من البصرة، الذي يجب أن يُحصر بيد الدولة ومنع أيّة جهة خارج القوات الأمنية من حمله".
في غضون ذلك، شكّلت الحكومة المحلية في محافظة البصرة خلية أزمة لمعالجة الانفلات الأمني الذي تسبّبت به التظاهرات، وحددت مهلة 48 ساعة لمعرفة ملابساتها وكشف حقيقة مقتل أحد المتظاهرين. وقال محافظ البصرة، ماجد النصراوي، الذي يتزعم خلية الأزمة، في مؤتمر صحافي، إنّ "الاحتجاجات تضمنت اعتداءات وتجاوزات على ممتلكات الدولة، واقتحام محطات الكهرباء وتخريبها"، موضحاً أنّ "بعض المحتجين هاجموا مركز شرطة وحاولوا السيطرة عليه لولا دفاع الحراس عنه".
من جهته، قال قائد شرطة البصرة فيصل العبادي إن "الجهات الأمنية المختصة فتحت تحقيقاً بمقتل أحد المتظاهرين"، معلناً خلال المؤتمر أن "قيادة الشرطة سحبت جميع أسلحة عناصر الأمن الذين تواجدوا قرب مكان الحادث ونقلتها للمختبر الجنائي لفحصها ومعرفة المتسبب بالحادث". ولفت إلى أنّ "بعض المتظاهرين كانوا يحملون أسلحة وتقصّدوا إثارة الفوضى من خلال إطلاق النار على عناصر الشرطة وإصابة ستة منهم".
أما قائد عمليات البصرة سمير عبد الكريم، فحذر من "وجود بعض العناصر بين المتظاهرين حاولت إطلاق النار على عناصر الأمن"، مبيّناً أن "قوات الشرطة قابلتهم بإطلاق النار في الهواء لتفريق المحتجين ومنعهم من تخريب محطات توليد الطاقة الكهربائية واقتحام مركز للشرطة". وأشار إلى "انتشار قطعات الجيش والشرطة في المحافظة"، مؤكداً أن قواته "لن تسمح بتكرار هذا الخرق".
اقرأ أيضاً: تحركات المالكي ضد العبادي تنطلق من البصرة