الليرة السورية في أدنى مستوى في تاريخها... والأسعار ترتفع 30%

25 نوفمبر 2019
تهاوي الليرة انعكس على معيشة السوريين (فرانس برس)
+ الخط -
هوت العملة السورية، خلال الأسبوعين الأخيرين، لتخسر أكثر من 100 ليرة مقابل الدولار الواحد منذ أدنى سعر سجلته مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، وقت أن وصل الدولار إلى 680 ليرة سورية، قبل أن تتعافى قليلاً خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لتعاود التراجع خلال نوفمبر الجاري وتهبط إلى أدنى سعر لها منذ أن صدرت عام 1919، مسجلة 765 ليرة للدولار و840 ليرة مقابل العملة الأوروبية الموحدة.

وانعكس التراجع على مستوى معيشة السوريين الذين يعيش نحو 85% منهم فقراً مطلقاً، بعد ارتفاع أسعار السلع والمنتجات اليومية الأساسية بأكثر من 30% خلال عشرة أيام، بحسب مصادر وتجار من العاصمة دمشق، لـ"العربي الجديد".

أسباب التراجع

يرى الاقتصادي السوري عماد الدين المصبح، أن سعر الليرة، ورغم تهاويه، هو سعر سياسي، ولو تركت الليرة وفق محددات النقد، لهوت إلى أكثر من ألف ليرة للدولار، وهو ما سيحصل على الأرجح، بعد انكشاف الاقتصاد السوري وتبديد الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي، واستنجاد النظام بالقطاع الخاص ليسد فجوات التجارة الخارجية ويؤمّن للسوق الاحتياجات الضرورية.

ويقول الأكاديمي السوري إن هناك عوامل كثيرة، أفقدت أي متعامل ثقته في النقد السوري وأفقدت في المقابل قيمة الليرة، منها اقتصادي ومنها نفسي وسياسي.

ويفصّل المصبح، لـ"العربي الجديد"، أن "العقوبات الأميركية والأوروبية وتصريحات بشار الأسد بشأنها، تأتي كعوامل إضافية مباشرة للأسباب التي أوصلت الليرة إلى هذا الدرك، إذ يستشف أي مكتنز أو مضارب، أن الليرة في طريقها للانهيار، خاصة بعد إعلان رئيس النظام السوري عجزه عن حماية النقد، والخلاف العلني بين النظام ومن حوله من تجار وفرض إتاوات عليهم، بل وبدء هروب الكثيرين منهم أو تهريب أموالهم للخارج".
ويضيف انه "بعيداً عن الأسباب السياسية والنفسية على أهميتها، هناك أسباب اقتصادية حقيقية، منها تحوّل الميزان التجاري النفطي، من رابح وداعم للخزينة، إلى مستنزف للقطع الأجنبي، خاصة خلال حلول فصل الشتاء وضرورة استيراد النفط".




وحول الأسباب الاقتصادية الأخرى لتهاوي الليرة، يشير المصبح إلى "انخفاض الإنتاج الحقيقي إلى أقل من 40% عما كان عليه قبل الثورة عام 2011، وزيادة الواردات واستنزاف الدولار، بل وامتناع البنك المركزي في دمشق عن تمويل الواردات، زاد من الطلب على الدولار من التجار، ما زاد من تفاقم أزمة الليرة الحالية التي يغتنمها بعض المضاربين".

ويصل الأكاديمي السوري إلى نتيجة مفادها أن "تمويل نظام بشار الأسد بالعجز وطباعة النقد من دون معادل دولاري أو ذهب ومن دون تغطية خدمية أو إنتاجية، زاد من معروض العملة السورية في الأسواق عن 700 مليار ليرة سورية، وربما يرتفع هذا الرقم، حين يتم صرف الزيادة التي أصدرها الأسد أخيراً وسيتم تطبيقها مطلع ديسمبر/كانون الأول المقبل".

الهروب من الليرة

يؤكد مراقبون أن العملة السورية لم تعد محط إغراء، حتى للمضاربة، على وقع انتشار التحليلات والتوقعات باستمرار التهاوي ليصل سعر الدولار إلى أكثر من ألف ليرة، قبل نهاية العام الجاري.

ويشير المراقبون إلى أن المدخرين والمكتنزين في سورية، بدأوا بتبديل الليرة بالعملات الأجنبية، ما زاد الطلب على الدولار، خاصة خلال الأسبوعين الأخيرين.

كما تشهد الأسواق السورية تهافتاً على الذهب الذي وصل سعر الغرام منه عيار 21 قيراطا اليوم 29800 ليرة سورية، وهو أعلى سعر يسجل في تاريخ سورية، في حين تخطى سعر الأونصة حاجز المليون و70 ألف ليرة، ووصل سعر الليرة الذهبية السورية عيار 21 قيراطا إلى 243 ألفا و400 ليرة سورية، لتكون نسبة ارتفاع غرام الذهب بنحو 42% عما كان عليه في بداية العام وقت أن سجل 17500 ليرة في 31/12/2018 إلى 29800 بحسب سعر اليوم.

وانعكس تراجع سعر صرف الليرة أيضا، على أسعار السلع والمواد الغذائية، مما زاد من اتساع الفجوة بين الدخل والإنفاق. ففي حين لا تزيد الرواتب عن 50 ألف ليرة سورية، يصل متوسط إنفاق أسرة سورية مؤلفة من خمسة أشخاص، بحسب مراكز بحثية في دمشق، نحو 325 ألف ليرة سورية.




وسجلت أسعار السلع التموينية في أسواق العاصمة دمشق، بحسب مصادر لـ"العربي الجديد"، ارتفاعات بين 30 و40% خلال شهر نوفمبر الجاري، الأرز والطحين والشاي والقهوة، فضلا عن اللحوم والسمن والزيوت والخضروات والألبان ومنتجاتها.
زيادة رواتب وهمية
بعد وعود لنحو عامين، أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد، منذ أيام، المرسوم التشريعي رقم 23 لعام 2019 القاضي بزيادة 20 ألف ليرة سورية على الرواتب والأجور الشهرية للعسكريين والمدنيين.

وقال وزير المالية في حكومة الأسد، مأمون حمدان، إن تكلفة زيادة الرواتب الأخيرة بلغت 495.368 مليار ليرة سورية، والعمل على تطبيق الزيادة سيكون بدءاً من أول ديسمبر/كانون الأول 2019.

وتابع حمدان، في تصريحات إعلامية، أن ضم قيمة التعويض المعيشي المحددة بـ11.500 ليرة سورية إلى أصل الراتب، يجعلها تخضع للتأمينات والضرائب، بعد أن كانت لا تخضع لذلك وتمنح كاملة، مذكراً بأن قيمة الدعم الاجتماعي انخفضت من 811 مليار ليرة في موازنة 2019 إلى 373 مليار ليرة سورية في موازنة 2020.


يقول الاقتصادي السوري حسين جميل، لـ"العربي الجديد"، إن نظام الأسد قرر زيادة الرواتب والأجور، بعد تردد، رغم ارتفاع الأسعار لأكثر من 13 مرة خلال الثورة، وجاءت الزيادة قبل أيام بنحو 20 ألف ليرة، أي ما يعادل سعر 3 كيلوغرامات من اللحم.

ويضيف حسين، أنه على الأرجح ستزيد الكتلة النقدية التي سيتم طرحها مطلع الشهر المقبل، من كتلة العملة السورية في الأسواق، ما يعني زيادة في التضخم الذي وصل إلى أقصاه وأكل دخل السوريين.

واعتبر جميل أن الحكمة الاقتصادية تقتضي سحب فائض السيولة من الأسواق والبحث عن طرائق دعم للمعيشة، وليس ضخ عملة إضافية ستزيد من ارتفاع الأسعار ولا يشعر بها السوريون.

ولفت الاقتصادي السوري إلى أن قيمة أجر السوريين قبل شهر كانت تساوي نحو 100 دولار، لكن الأجر بعد الزيادة التي سيستلمها الموظفون في ديسمبر المقبل، ستكون نحو 92 دولاراً، أي أن الراتب تراجع ولم يزد، بعد أن تهاوت الليرة إلى أدنى مستوى خلال الشهر الجاري.

وهذه الزيادة للرواتب والأجور هي الثانية بعد تراجع سعر صرف الليرة بشكل كبير، بعد آخر زيادة في الرواتب للموظفين المدنيين بـ7500 ليرة تقريباً عام 2016، وآخر زيادة للعسكريين عام 2018.





تاريخ الليرة السورية

مرت الليرة السورية بمراحل تذبذب عديدة منذ صكّها عام 1919، بعد أن تخلت عن "الأكجا ومن ثم الليرة الذهبية العثمانية" بعد الحرب العالمية الأولى، حيث أسست فرنسا مع بدء الانتداب على سورية ولبنان، مصرف سورية ولبنان المركزي، وأصدرت عملة موحدة على الأراضي التابعة لسلطتها الانتدابية.

وصدرت في عام 1919 ولأول مرة الليرة السورية عن طريق مصرف سورية، وكانت قيمتها تعادل 20 فرنكا فرنسيا وكانت تستعمل في سورية ولبنان.

وبعد ظهور نزاعات في لبنان، تغيّر اسم مصرف سورية ليصبح بنك سورية ولبنان الكبير، حيث أصدر الليرة السورية - اللبنانية بدءا من عام 1924، وذلك حتى عام 1937 حين تم إصدار ليرتين منفصلتين في كل من سورية ولبنان.

وتغيّر ربط الليرة في عام 1941 بعد سيطرة البريطانيين وقوات فرنسا على سورية، ليؤول ارتباط الليرة السورية بالجنيه الإسترليني، وكان يعادل 8.83 ليرات، وذلك استنادا إلى معدل التحويل بين الإسترليني والفرنك قبل الحرب.

أما في عام 1946 وبعد انهيار قيمة الفرنك الفرنسي، ارتفع معدل التحويل بين العملتين ليصل سعر الليرة إلى 54.35 فرنكا، لينتهي في العام التالي ربط الليرة بالعملتين البريطانية والفرنسية، حيث تم اعتماد الدولار مقابل الليرة السورية، بسعر صرف 2.19 ليرة للدولار الواحد، وتم فصل الليرة السورية عن اللبنانية عام 1948.

واستمرت قوة الليرة السورية حتى وصول حافظ الأسد للسلطة نهاية عام 1970 والتي رافقها فك الرئيس الأميركي نيكسون ارتباط الدولار بالذهب، ليبدأ منذ ذلك تراجع الليرة السورية ليصل سعر صرف الدولار عام 1971 ما بين 3.65 إلى 3.90 ليرات سورية.

وتابعت الليرة تراجعها لتتعدى عام 1980 سعر 4.10 للدولار الواحد، وتبلغ 12 ليرة مقابل الدولار عام 1986، وتهوي عام 1990 إلى 48 ليرة سورية، وهو السعر الذي حافظت عليه مع بعض التذبذب حتى عام 2005.

وبعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، هوت الليرة السورية إلى 65 ليرة مقابل الدولار، قبل أن يتحسن سعرها وتستقر على نحو 50 ليرة للدولار حتى قيام الثورة السورية في مارس/آذار 2011، والتي بدأت بعدها، مرحلة جديدة لليرة السورية.

وسجلت الليرة نهاية عام 2012 نحو 97 ليرة للدولار، لتبدأ التراجعات الكبيرة منذ عام 2013، حيث وصل سعر صرف الدولار في مارس/آذار نحو 120 ليرة وتجاوز سعر الدولار 300 ليرة بنهاية العام.

وتعافت الليرة قليلاً عام 2014، فتراوح سعر الصرف بين 170 ليرة منتصف العام و220 ليرة نهاية 2014، ليعاود تراجع سعر الليرة بعام 2015 ليصل 380 ليرة للدولار الواحد، وتبلغ أسوأ سعر لها على الإطلاق، عام 2016، وقت أن هوت إلى ما دون 640 ليرة للدولار الواحد.

وعاود سعر الليرة التحسن منذ عام 2017، بالقياس مع سعر عام 2016، ليصل السعر إلى عتبة 500 ليرة، قبل أن يتحسن أيضاً مطلع عام 2018، ومن ثم بالتراجع منذ مطلع العام الجاري الذي بدأته العملة السورية بنحو 500 ليرة للدولار.

ليبلغ مستوى قياسيا جديدا في 8 سبتمبر 2019، إلى 676 ليرة للبيع و680 ليرة للشراء.. قبل أن يبدأ بسلسلة تهاو جديد منذ شهر ليصل سعر الدولار إلى نحو 765 ليرة للدولار.